شهدت الأسابيع القلية الماضية عدة إجراءات اتخذها البنك المركزي السوري محاولاً فيها إحداث نوع من التوازن بين الحفاظ على قيمة الليرة عبر ضخ القطع الأجنبي في السوق من جهة، والحفاظ على حجم الاحتياطي الأجنبي من جهة ثانية من خلال رفع سعر الصرف في نشرته الرسمية من جهة ثانية، بعد أن كشف تجاوزات العديد من المستوردين الذين يمولهم بالقطع الأجنبي.
في خطوة عدها محللون الأكثر قرباً من واقع السوق، رفع المصرف المركزي سعر صرف الليرة مقابل الدولار في نشرته الرسمية منذ نحو أسبوعين إلى 95 ليرة، متوقعين بأن ذلك سيكون فاتحة لرفع السعر أكثر في النشرة الرسمية.
ورغم أن خطوة المركزي كانت تمس المستوردين بالدرجة الأولى إلا أنهم بالمجمل اعترفوا بأن تجاوزاتهم هي المسبب الرئيس لها
فقد أوضح عضو مجلس إدارة غرفة تجارة دمشق " أبو الهدى اللحام "أنه لم يكن الفارق بين سعر الصرف الرسمي ونظيره في السوق في بداية الأزمة يتعدى أكثر من 3 إلى 4 ليرات، وهذه النسبة البسيطة كان يوفرها التجار حينما يبيعون المواد بسعر السوق وليس بالسعر الذي اشتروا فيه الدولار، مبيناً أن هذه العملية لم تنعكس إلا بشكل جزئي على السعر من خلال منافسة التجار والبيع بأقل من أسعار السوق بقليل، ولكن الآن ازداد الفرق إلى حدود 17% وصار التجار يبيعون المستوردات بتاريخ وصولها وهذه «سرقة» بكل معنى الكلمة وليس ربحاً حسب تعبيره. مشيراً إلى أن التاجر مضطر رغم ذلك للبيع بالسعر الجديد للدولار وليس بالسعر الممول من البنك المركزي.
وأشار اللحام إلى أن الأرباح التي جناها التجار من هذه العملية شجعتهم على الاستيراد عن طريق البنك المركزي فزادوا من استيراد المواد الغذائية وغيرها من المواد التي يمولها المركزي والأخير صار يخسر حالياً بكل دولار 15 ليرة عن سعر السوق. مؤكداً بأن هناك تجاراً حققوا أرباحاً خيالية بسبب هذه العملية، إذ إن معظمهم يتفق مع الشركة المستوردة لترفع له السعر.
ومن هنا اقترح اللحام وجود ضوابط لتمويل المستوردات من دون وقفها بالكامل وذلك عبر التمويل من خلال المصارف الخاصة حصراً وليس شركات الصرافة، وإلغاء تمويل المستوردات بأسعار منخفضة والإبقاء على تمويلها بسعر السوق.
وأشارنائب رئيس غرفة تجارة دمشق بهاء الدين حسن أن التجار سرقوا المركزي فهم يستوردون القمح بـ 500 دولار مثلاً ويسجلونه بـ 700 دولار، ومن هنا اتجه المركزي لرفع سعر الصرف لعدم قناعته بالسعر الرسمي محاولاً مجاراة سعر السوق. ورأى الحسن بأنه من الأفضل أن يستغني المركزي عن تمويل المستوردات لأن المستهلك هو المتضرر الأكبر من هذه العملية بعد أن ارتفعت أسعار السلع عليه نتيجة ارتفاع سعر الصرف. مشيراً إلى أن الاستمرار بتمويل المستوردات بفارق كبير بين السعر الرسمي وسعر السوق يستنزف الاحتياطي فإن لم تكن هناك مصادر بديلة للتعويض فيجدر بالمركزي أن يترك السعر للسوق دون تدخل منه.
من مبدأ أن التجارة «شطارة»، يبتكر المستوردون أساليب مختلفة لينفذوا منها من تشريعات لاتعجبهم ويستفيدوا من أخرى قد لاتنطبق عليهم بالكامل، فحينما كانوا يعدون أن الرسوم الجمركية عالية برروا تلاعبهم بالفواتير لتخفيض قيمة هذه الرسوم.
أشار عضو مجلس إدارة غرفة تجارة دمشق " بشار النوري "، إلى تغيير التجار آلية تسعير السلع اليوم بغرض الاستفادة من فارق سعر الصرف بين نشرة المركزي ونظيره في السوق، إذ لجؤوا لرفع أسعار البضائع للحصول على قطع أجنبي أكثر.
ورأى النوري وفقاً لصحيفة " تشرين " أن هذه التجاوزات تقتضي الإبقاء على تمويل المواد الغذائية والدوائية والمواد الأولية اللازمة للصناعة بالسعر الرسمي لأن أي رفع بسعر الدولار يعني رفع سعر السلعة بالداخل، كما على المركزي برأيه تمويل التاجر الذي يستورد بضاعة بوثائق سليمة حصراً بموجب شهادة جمركية، مشيراً إلى أن التجار رغم تقديمهم لهذه الشهادة حالياً إلا أنهم يطلبون تمويلاً مسبقاً ومن هنا لابد من إغلاق هذا الباب.
وكذلك اقترح رفع نسبة مبيع التاجر من مستورداته لمؤسسات التدخل الإيجابي من 15% إلى 30% على أن يرسل فواتيره للتدقيق لوزارة التجارة الداخلية، بحيث تعطيه مديرية الأسعار نسبة ربح عادلة شرط أن يبيع المواد بسعر السوق، و يبيع القطع الأجنبي للبنوك الخاصة حصراً والابتعاد عن شركات الصرافة والتي تلعب دور المضاربين في السوق.
وفي هذا السياق، تساءل " الباحث الاقتصادي " الدكتور عابد فضلية " عن جدوى رفع سعر الصرف في نشرة البنك المركزي إلى 95 في ذات التوقيت الذي أشيع فيه الحديث عن وقف تمويل المستوردات.
وختاماً، ورغم أن المركزي يرفع سعر الصرف في نشرته الرسمية لم يقطع حبل السرقات على التجار لأن الفرق بين نشرته الرسمية وبين سعر السوق مازال يشكل محط ربح لهم، إلا أن الخطوة القادمة كالإعلان عن وقف تمويل المستوردات من عدمها أو تمويلها بسعر السوق أو غير ذلك هو من سيحدد أهمية الخطوة الأولى.