لا يقتصر دور الثروة الحيوانية في عالمنا المعاصر على إمداد البشرية بالبروتين الحيواني الضروري لسلامة سير العمليات الحيوية في البدن البشري ولاسيما أن ثروتنا الحيوانية يقدر إنتاجها بحوالي 177 ألف طن بروتين حيواني، ولكن تلعب دوراً حيوياً في الاقتصاديات الزراعية والريفية لأنها توفر مدخلات رئيسة لزراعة المحاصيل كما توفر قوة عمل إذ إن معظم المزارع في الريف هي ذات مساحات صغيرة جداً ولا تبرر امتلاك أو استخدام الجرارات الزراعية كما أن كثيراً من الأراضي الهضابية والجبلية وذات نسبة الحجارة المرتفعة المستثمرة بإنتاج المحاصيل أو الأشجار المثمرة يتعذر استخدام الجرارات فيها والبديل الأكثر اقتصادية هو قوة الحيوان ومن جانب آخر تعد الثروة الحيوانية مصدر نقود جاهز لشراء المدخلات لإنتاج المحاصيل مثل البذور والأسمدة والمبيدات وعبوات التعبئة والتغليف وأجور النقل وغيرها وذلك في أنماط الإنتاج الزراعي المختلط الذي يضم الحيوانات إلى جانب زراعة المحاصيل والأشجار المثمرة.
هذا ما أكده المهندس عبد الرحمن قرنفلة الخبير في الإنتاج الحيواني وأضاف: إن الدخل الناتج عن الثروة الحيوانية يساعد المزارعين على تسديد كثير من التزاماتهم مثل دفع الرسوم المدرسية ونفقات العلاج والضرائب والمستلزمات الأخرى التي تتطلب سيولة نقدية جاهزة كما توفر الثروة الحيوانية مصدراً منتظماً للدخل من المبيعات إذ يمكن من مبيعات الحليب اليومية وبيض الدجاج ومنتجات الألبان مثل الزبدة والجبن تغطية النفقات اليومية للأسرة وعند تجميعها يمكن استخدامها في حالة سوء إنتاج المحاصيل النباتية أوعندما تكون الأسرة تواجه نفقات كبيرة مثل تكلفة حفل زفاف أو فاتورة المستشفى أما الحيوانات الكبيرة مثل الأبقار فهي احتياطي رأس المال الجاهز لتحويله إلى سيولة نقدية في أي وقت من العام فضلاً عن مساهمتها في تأمين مونة الأسرة الريفية من السمن والألبان ومشتقاتها وفي مجال تخصيب التربة الزراعية أكد الخبير أن المزارعين في الماضي كانوا يستعيدون خصوبة الأراضي من خلال تركها بوراً عدة سنوات أو لفترة أطول ولكن مع تزايد الضغط السكاني وارتفاع حجم الطلب على المنتجات الزراعية والحيوانية تراجعت المساحات التي تترك للراحة من دون زراعة «بور» وظهرت طرق مختلفة للحفاظ على إنتاج الأغذية اللازمة كان أهمها إدخال الحيوان في الدورة الزراعية إذ للحيوانات ارتباط حاسم في دورة المغذيات إذ تجلب الحيوانات المواد المغذية من المراعي لتركزها في أراضي المحاصيل من خلال الروث والبول واللذين يعدان أسمدة حيوية.
وأشار السيد قرنفلة وفقاً لصحيفة " تشرين " إلى أن بيانات منظمة الأغذية والزراعة الدولية تؤكد تطور قيمة الثروة الحيوانية السورية من 973,63 مليون دولار أميركي عام 1975 إلى حوالي 2872,04مليون دولار أميركي عام 2007 وتشير التقديرات إلى أن قيمة الثروة الحيوانية عام 2012 تقدر بحوالي 3168,7 مليون دولار أميركي.
بالأسعار الثابتة لعام 2005 ورغم تراجع نسبة مساهمتها في إجمالي الناتج الزراعي السوري خلال السنوات الأخيرة بفعل فترات الجفاف التي سيطرت على المراعي الطبيعية وتراجع بقايا المحاصيل التي تشكل علفاً للحيوانات في ظل غياب احتياطي وطني من المواد العلفية فإن العوائد الاقتصادية والاجتماعية للثروة الحيوانية تفرض توجيه مزيد من الاهتمام بهذا القطاع.
وأضاف قرنقلة: إن زيادة إنتاجية نظم الإنتاج الحيواني ونظم دمج تربية الحيوان بالدورات الزراعية المحصولية يحفز المنتجين على حماية المراعي واستخدامها على نحو مستدام لتربية الأغنام والماعز والأبقار بدلاً من فلاحتها وتعريضها للانجراف والتعرية ومن جانب آخر فإن ملايين الأطنان من المخلفات الزراعية عديمة القيمة الغذائية بالنسبة للإنسان والتي يمكن أن تذهب سدى من الناحية الاقتصادية تقوم الأغنام والماعز والأبقار بتحويلها إلى بروتين حيواني عالي القيمة الحيوية والنقدية وفي حالات كثيرة وتحت نظم إنتاج شعير- أغنام شكلت قيمة مخلفات المحاصيل أو مخلفات الصناعات الزراعية قيمة مضافة تفوق قيمة محصول الحبوب الأساسي الشعير وبذلك توفر الثروة الحيوانية المواد التي يمكن أن تؤكل من البشر والأرض التي يمكن أن تنتج المحاصيل الغذائية والطاقة الكهربائية اللازمة لتدفئة المنازل وتضيف قيمة نقدية إلى موارد زراعية مهدورة مثل الأتبان وقشور الفول السوداني وبقايا الخضر وغيرها الكثير. وفي سورية تسمح الأنظمة بزراعة الحبوب ثم رعيها من الأغنام للسيطرة على الأعشاب الضارة وهي في مراحل نموها الاولى لتترك الفرصة لمحصول الحبوب للنمو مجدداً ورغم أن تلك العملية قد تخفض غلة الحبوب إلا أن إنتاجية النظام ككل هو أعلى مما لو استخدمت المبيدات لمكافحة الأعشاب الضارة كما تساهم بحماة البيئة.
ودعى المهندس قرنفلة إلى تطويل سبل إدارة الثروة الحيوانية بما يضمن زيادة الفوائد التي تعود على المربين ووضع برنامج عمل وطني لتطوير وتنمية وتعزيز مساهمة الثروة الحيوانية في إجمالي الناتج المحلي بدلاً من تراجع نسبة المساهمة تلك.