شكلت المصارف اللبنانية الستة العاملة في سوريا انتشارا واسعاً في السوق السورية منذ بداية تأسيسها في سوريا ولغاية اليوم ، وهي " بنك بيموالسعودي الفرنسي" الذي كان أول البنوك اللبنانية تأسيساً في سوريا عام 2003 تلاه كل من بنك سورية والمهجر ليلحق بهم في العام 2005 " بنك عودة وبنك بيبلوس وفرنسبنك وبنك الشرق".
وبعد أن عرفت المصارف اللبنانية الستة كمجموعة ازدهاراً ملحوظاً قبل اندلاع الأحداث السورية، أي ابتداءً من العام 2007 وصولاً إلى الذروة في نهاية العام 2010، شهد إجمالي أصولها وأرباحها الصافية تراجعاً في العام 2011، وفي الأشهر التسعة الأولى من العام 2012 إثر الحوادث الأمنية والاضطرابات السياسية التي خلّفت انعكاسات سلبية على القطاع المصرفي السوري عموماً، وعلى المصارف السورية التابعة/الشريكة لمصارف لبنانية والتي امتدّت آثارها حتّى تاريخ إعداد هذا التقرير.
أمّا على صعيد الأداء الفردي للمصارف، فقد اختلف بين مصرف وآخر من حيث تطوّر الأصول والأرباح في الفترة الزمنية قيد الدرس إذ أنّ البعض لم يظهر تراجعاً ملحوظاً في العامين 2011 و2012، كما أنّ البعض لم يشهد ازدهاراً يُذكر قبل الاضطرابات.
وفي هذا الإطار، أظهرت البيانات المالية لتلك المصارف الستة كمجموعة ارتفاعاً ملحوظاً من جهة أصولها وصولاً إلى الحدّ الأعلى في نهاية العام 2010 حيث بلغت القيمة الإجمالية لتلك الأصول حوالى 8 مليارات دولار مقابل 6,6 مليارات في نهاية العام 2009، و5,3 مليارات دولار في نهاية العام 2008، و4 مليارات في نهاية العام 2007، لتكون بذلك قد ازدادت بنسبة كبيرة في الفترة الممتدة بين نهاية 2007 ونهاية 2010 وصل متوسّطها السنوي إلى 25,6%.
لكنّ الانعكاسات السلبية للأحداث السورية أثّرت بشكل مباشر على قيمة الأصول الإجمالية بحيث انخفضت هذه الأخيرة إلى 5,4 مليارات دولار في نهاية العام 2011 أي بقيمة 2,6 مليار وبنسبة 32,3% قياساً على العام الذي سبق لتتراجع أيضاً إلى 4,1 مليارات دولار في أيلول 2012.
ويفسَّر هذا التراجع الكبير في إجمالي الميزانية بانخفاض إجمالي ودائع العملاء إلى ما يوازي 3,1 مليارات دولار في أيلول 2012 بعد انخفاضه إلى 4,1 مليارات دولار في نهاية العام 2011 مقابل 6,8 مليارات دولار في نهاية العام 2010.
وبذلك، تكون هذه الودائع قد سجّلت تراجعاً ملحوظاً بقيمة 2,7 مليار دولار وبنسبة 40% في العام 2011، مقابل تراجع أقلّ بلغت قيمته مليار دولار ونسبته 23,6% في نهاية أيلول 2012.
يُشار إلى أنّ تدنّي سعر صرف الليرة السورية إزاء العملة الأميركية في الفترة المذكورة، أي بنسبة 3,4% "في العام 2011 (18,5% " في نهاية الفترة " و29,6 %[ في الأشهر التسعة الأولى من العام 2012 (21,9%[[ في نهاية أيلول 2012)، إضافةً إلى العقوبات المفروضة على سورية وتفاقم الأوضاع الأمنية قد ساهمت جميعها في حصول هذه التغيُّرات.
مع الإشارة إلى أنّ المصارف الستّة التابعة/الشريكة لمصارف لبنانية تعتمد على الودائع كمصدر أساسي للموارد، إذ تبقى الودائع المورد الأول والأهمّ والمحرّك الأساس لنشاط تلك المصارف. وعليه، تشكّل الودائع الإجمالية للمصارف الخمسة التابعة والمصرف الشريك الحصة الأكبر من ميزانية تلك المصارف بحيث استقرّت حصّتها مجتمعةً على 85,5% في نهاية العامين 2009 و2010. في حين لم تشكّل تلك الودائع سوى 75,8% من ميزانية المصارف الستّة في العام 2011 لتنخفض هذه النسبة قليلاً إلى 75,7% في أيلول 2012. فكان من الطبيعيّ أن يؤثّر تدهور الأوضاع الأمنية والاجتماعية في حجم وبنية توظيف تلك الموارد، وبالتالي على صافي التسهيلات الائتمانية المباشرة من قبل هذه المصارف التابعة/الشريكة، إذ تراجعت إلى 2,2 مليار دولار في نهاية العام 2011 ثمّ إلى 1,5 مليار دولار في أيلول 2012 مقابل 3,0 مليارات دولار في العام 2010.
يشار في هذا الإطار إلى أنّ إجمالي الموجودات كما الودائع والتسهيلات انخفض بقدرٍ كبير لدى أكبر ثلاثة مصارف بعد العام 2010، في حين جاء الإنخفاض بسيطاً جدّاً، أو حتى حصل العكس، أي ارتفعت الموجودات والودائع والتسهيلات لدى المصارف الثلاثة الأخرى الأصغر حجماً في السوق السورية.
ومن جهة الأرباح الصافية، برز العام 2010 في الطليعة إذ حقّقت المصارف السورية الستة التابعة أو الشريكة لمصارف لبنانية كمجموعة زيادة في أرباحها المجمّعة لتبلغ 47 مليون دولار مقابل حوالى 40 مليون دولار في العام 2009، و38 مليوناً في العام 2008 و20 مليوناً في العام 2007، أي أنّ الأرباح الصافية كانت تنمو في المتوسّط السنوي بنسبة 33,2% خلال الفترة الممتدّة من 2007 إلى 2010. لكنّ الأحداث السورية غيّرت مجرى الازدهار لتتراجع الأرباح الصافية إلى حوالى 36 مليون دولار في نهاية العام 2011، ولربّما إلى ذات المستوى أو أقلّ من ذلك للعام 2012، إذ بلغت الأرباح الصافية غير المدققة حوالى 9 ملايين دولار لغاية أيلول 2012.
ويلاحَظ أنّ هذا التراجع ناجم بشكل أساسي عن تشكيل مؤونات نظراً للظروف الاقتصادية المحيطة بحيث بلغت قيمتها 91,6 مليون دولار في العام 2011 مقابل قيمة متدنية نسبياً لم تتجاوز 9,3 ملايين دولار في العام 2010، لتكون بذلك قد ارتفعت بقيمة 82,2 مليون دولار في الفترة المذكورة. كما أثّر ارتفاع هذه المؤونات، خصوصاً لدى المصارف الكبرى التي حجزت مؤونات إضافية مقابلة لديون متعثّرة او مشكوك بتحصيلها في السوق السورية، على إجمالي النفقات التشغيلية التي سجّلت ارتفاعا،ً وبالتالي، على صافي الأرباح الذي انخفض على نحوٍ ملحوظ لدى المصارف الكبرى. مع الإشارة إلى أنّ أرباح المصارف الأصغر حجماً لم تتأثر بهذا القدر، لا بل عرفت ارتفاعاً ملحوظاً، وذلك لعدم تخصيص هذه المصارف مؤؤنات بهذا الحجم الكبير مقابل ارتفاع إجمالي دخلها التشغيلي نتيجة زيادة صافي الدخل من الفوائد والرسوم والعمولات وأرباح أخرى محقّقة في العام 2011. مّما يعني أنّ ارتفاع المؤؤنات لدى المصارف الكبرى التابعة/الشريكة، ورغم ارتفاع إجمالي الدخل التشغيلي لديها أيضاً، كان السبب الرئيس لانخفاض أرباحها نظراً لمخاوفها من تكبّد خسائر فادحة.
وعليه، تجدر الإشارة إلى أنّه، وبعكس المصارف التابعة/الشريكة الأخرى الكبرى، سُجّل تحسُّنٌ في أرباح مصرفين إثنين بعد العام 2010 عقب تسجيل خسائر في عامَيْ 2008 و2009 لدى كليهما، وفي العام 2010 لدى واحد منهما.
ويُلاحَظ أنّ نسبة العائد على متوسّط الموجودات تراجعت لمجموعة الستّة تدريجيّاً من 0,81% في العام 2008 إلى 0,64% في العام 2010 و0,53% في العام 2011، مع الإشارة إلى أنّ الحدّ الأقصى بلغ 0,99% لدى أحد المصارف بمفرده، فيما بلغ الحدّ الأدنى 0,03% دون الأخذ في الاعتبار النسب السلبية نتيجة لتحقيق خسائر تمّ ذكرها أعلاه. كما يجدر التنويه بأنّ ثلاثة مصارف من أصل ستّة تخطّت نسبة 0,53% في العام 2011 وصولاً إلى 0,74%. كما تراجعت نسبة العائد على متوسّط حقوق المساهمين من 13,11% في العام 2008 إلى 9,42% في العام 2010 و6,37% في العام 2011. واختلفت النسب بين مصرف وآخر، إذ راوح متوسّط العائد على حقوق المساهمين في السنوات الأخيرة قبل الأزمة (2008 - 2010) بين 8,25% و17,86% علماً انّ مصرفين إثنين سجّلا معدلات سلبية، فيما راوحت هذه المعدلات بين 1,77% و11,71% في العام 2011 عقب الأزمة السورية.
و شكّلت أصول المصارف الخمسة التابعة 4,2% من الميزانية المجمّعة للمصارف اللبنانية الأم المعنيّة في نهاية العام 2007 لترتفع إلى 5,3 % و5,6% في نهاية العامين 2008 و2009 على التوالي، فتصل بعدها إلى المستوى الأعلى وتستحوذ على 6,4% من الميزانية المجمّعة للمصارف اللبنانية الأم المعنيّة في نهاية العام 2010 لتكون بذلك أعلى نسبة مسجّلة في غضون السنوات الخمس الأخيرة. وبعد الاضطرابات التي شهدتها سورية، ومع انخفاض قيمة أصول هذه المصارف، تراجعت هذه الحصّة إلى 4,4% في نهاية العام 2011. مع الإشارة إلى أنّ الحصّة هذه تختلف بين مصرف وآخر بحيث راوحت بين 2,3 % و8,8% في العام 2010.
أمّا الأرباح الصافية للمصارف الخمسة التابعة ، فشكّلت 2,0% من أرباح المصارف اللبنانية الأم المجمّعة المعنيّة في العام 2011 مقابل 3,0% في العام 2010. وقد استقرّت هذه الحصّة على 2,9% في العامين 2009 و2008 مقابل حصّة أقلّ بلغت 1,7% في العام 2007.
لقد أثبتت المصارف التابعة/الشريكة العاملة في سورية أنّها قادرة على التأقلم مع المستجدّات وتخطّي الأزمة الراهنة والاستمرار في تسجيل أداء جيّد نسبيا، على الرغم من التراجع الحاصل مع تفاقم الأحداث في الجمهورية العربية السورية، والتي أرهقت الاقتصاد السوري وأوهنته. إلاّ أنّ استمرار الأزمة لأمد ليس بقليل قد يزيد الأمر صعوبة وتعقيداً على تلك المصارف وأدائها.