حين اجتمع ممثلو وفد احدى مؤسسات التصنيف الائتماني مع مسؤول لبناني رفيع المستوى، أكدوا له ان ادارة لبنان المالية "ممتازة". لكن ما كتب في تقرير تلك المؤسسة التقييمي بقي في اطار "مقبول"، وذلك لان المؤسسة "مضطرة"، وفق ما أكد الوفد الدولي لدى سؤاله... وهذا يعني ان ثمة "أجندة" تستند بوضوح الى الخلفية السياسية للبنان. فهل يحق لوكالات التصنيف اخراج الدول من السوق لانها غير معجبة بادائها السياسي لا المالي؟
تبقى السوق المالية والمصرفية منذ نحو اسبوع، تحت وطأة تقارير وكالات التصنيف الائتماني، والتي حذّر آخرها قبل ايام والصادر عن وكالة "موديز انفستورز" للتصنيف الائتماني، من احتمال خفض تصنيف سندات لبنان الحكومية "بسبب التأثيرات المحتملة للحرب الأهلية السورية التي قد تفضي الى زيادة عبء الدين السيادي المرتفع بالفعل في 2013 و2014 والى اضطراب سياسي ايضا". واذ اكدت تصنيفها للسندات الحكومية عند B1، غيّرت التوقعات من "مستقرة" الى "سلبية"، علما ان "ستاندرد آند بورز" ابقت تصنيفها للبنان عند B مع توقعات "سلبية" ايضا، فيما بلغ تصنيف "فيتش" B مع توقعات "مستقرة".
- ماذا يعني ان تخفّض وكالات التصنيف مرتبة لبنان؟ وعلى اي خلفيات استندت؟
تستغرب مصادر مصرفية رفيعة المستوى النتائج التي تفضي اليها جولات بعثات وكالات التصنيف في لبنان في مرحلة اعداد التقارير، وتؤكد ان ما يدور خلال اللقاءات مع المراجع المعنية في المجالين المالي والمصرفي تختلف عما يُدرج ضمن التقارير التي تصدر دوريا. وترى ان استناد التحذيرات الاخيرة موجه ليس الى القطاع المصرفي او المالي، بل الى السلطة السياسية التي عجزت حتى اليوم عن تأليف حكومة تستطيع قيادة البلاد في هذه المرحلة الضاغطة اقليميا ومحليا. وترفض بشدة ان توضع المصارف اللبنانية وانكشافها على الحوادث السورية في بند الاعذار التي اوجبت خفض التصنيف، مؤكدة ان المصارف اللبنانية في سوريا لم تخسر قرشاً واحداً "وذلك على غرار حال القطاع المصرفي اللبناني في قبرص والذي حفظ مرسوم وزارة المال امواله حين حرر ودائع الاجانب، مما يدحض ما تردد ان مصارف لبنان ستخسر نحو 20% من اموالها بسبب ازمة قبرص".
¶ لكن، حدّدت الوكالات صراحة التأثيرات اقتصادياً ومالياً...
- تتمهل المصادر الخبيرة في مجال التصنيف الائتماني المصرفي في الاجابة، وهي كان لها أكثر من تنبيه وسؤال عن سلامة اداء وكالات التصنيف قبل ازمة 2008 التي كشفت عدم دقة التقييمات "لانها صادرة عن مرجع مأجور للقيام بمهمة وليس عن سلطة مستقلة قادرة على اصدار احكام متجردة وتحديد نقاط الضعف والقوة، اذ تفجرّت الازمة مع انهيار اكبر المصارف والمؤسسات المالية والتأمينية المصنفة AAA من جانب تلك الوكالات عينها".
من هنا، ترى ان احكام وكالات التصنيف تستند الى خلفيات سياسية وليس تقنية، "لان وضعنا المالي لم يبق على حاله بل سجل تحسنا. اذ ارغمتنا كل ازمة مررنا فيها، على تحصين انفسنا من الداخل. فمن نتائج ازمة السيولة، ان اعتمد مصرف لبنان بدء تطبيقها في نهاية 2015 بدل 2018 كما حددتها لجنة "بازل". وهذا يعني ان لبنان بدأ يطبقها قبل كل دول العالم بسنة ونصف السنة، وسينتهي من تطبيقها قبل 3 سنوات من كل دول العالم". وفي مثال آخر، تحدثت المصادر عن نسبة تغطية السيولة المصرفية التي طالبت "بازل" تطبيقها في الـ2019، فاشارت الى ان لبنان يعدّ لتطبيقها في الـ2014. "وهذا يعني ان الازمات تزيدنا تحصينا لانفسنا، لكن الوضع السياسي يمنحهم عذرا بدليل ادراج اسم "حزب الله" في معظم تقارير وكالات التصنيف".
¶ ماذا بعد اصدار الاحكام التصنيفية؟
- لا شك في ان نظرة المجتمع الدولي الى التصنيفات السيادية للدول وتاليا للقطاعات المالية والمصرفية فيها، تتغير بعد اصدار احكام وكالات التصنيف، ولا سيما حيال كلفة الاستدانة من الاسواق العالمية بفعل الاشارة الى حجم المخاطر، ارتفاعا او انخفاضا.
لكن المصادر عينها ترى ان قانون "إصلاح وول ستريت وحماية المستهلك" المعروف بقانون "دود-فرانك" (Dodd-Frank Wall Street Reform and Consumer Protection Act) ينبه من التصنيفات، "اذ يؤسس لمراقبة تنظيمية وحماية المستهلك". وهذا يعني ان القانون يؤكد ان المجتمع الدولي يشكك في صدقية مؤسسات التصنيف العالمية.
واذ أملت في البحث عن آليات مختلفة قريبا، اشارت الى ما تردد في اجتماعات صندوق النقد والبنك الدوليين اخيرا، حيال الدعوات الى ضرورة ايجاد آليات جديدة ومختلفة لتصنيف القطاعات، وذلك بديلا من وكالات التصنيف. ولفتت الى ان دعوة مجموعة دول "بريكس" (الدول الناشئة مثل البرازيل، روسيا، الهند، الصين وجنوب افريقيا) احدثت وعيا لخطورة التصنيف كأداة استعمارية، "اذ ان وكالة التصنيف تضع قواعد وتحدد حدود اللعبة، وتريد اخراج الدول من السوق لانها غير معجبة بادائها سياسيا وليس ماليا"، وفق المصادر.
¶ هل من تأثيرات مباشرة للتصنيف السيادي؟
- تقرّ المصادر بان ثمة تأثيرات ولا سيما في الخارج. "لكن في حال لبنان، أبدت مؤسسات دولية رغبتها في الاكتتاب باصدارات حكومية لبنانية بالليرة (سندات خزينة بالليرة) التي اطلقها قبل ايام. وهذا يعني ان السوق تفكر في اتجاه تقني مغاير لما تعمل عليه وكالات التصنيف التي تفكر سياسيا". واكثر من ذلك، تقول ان كلفة التسعير لتغطية احتمال التخلف عن التسديد CDS ما زالت صامدة بالنسبة الى لبنان، "اذ بدل ان تكون بحسب المخاطر والتصنيف بنحو 8%، تبقى حاليا من مستوياتها الاخيرة اي 4%. اي ان السوق تقول ان ثمة خطأ في التقييم الائتماني، لاننا نحن مَن يحدد حجم المخاطر".
لبنان، احد الدول التي تعصف بها تصنيفات غير منصفة كونها تتركز على جانب دون آخر، اذ تتأثر بالمشهد السياسي لا المصرفي والمالي. فهل من احكام تخفيفية تساهم في تجاوز هذه المرحلة الصعبة؟
المصدر: النهار للبنانية