قال الباحث الاقتصادي والأستاذ في كلية الاقتصاد بـ"جامعة دمشق" قيس خضر: "في الاقتصاد السياسي نرى أن قرار وزارة الاقتصاد حول استيراد السلع الغذائية الأساسية عبر مؤسساتها الاقتصادية بالتوازي مع مستوردي القطاع الخاص لطرحها في السوق المحلية بالجملة ونصف الجملة والمفرق، أنه شيء من سحب الثقة من القطاع الخاص أو لنقل من بعض البرجوازية السورية دون الدخول بتفاصيل أكثر أو في فلسفة الإشكالية الاقتصادية خلال هذه الفترة".
وأشار خضر وفق صحيفة "الوطن" المحلية، إلى أن بعض القطاع الخاص لم يظهر الانتمائية الجيدة التي كان من المفترض به أن يقوم بها في ظل هذه الأزمة التي يمر بها الاقتصاد السوري، والدعم الذي تلقاه هذا القطاع ولاسيما لجهة دعم المستوردات لم تأت بؤكلها خلال الفترة الماضية، فقامت الحكومة بخطوة إلى الوراء في طريقة إمداد هذا القطاع وسحبت منه جزءاً ودخلت معه شريكة في جزء وأتاحت له جزء آخر.
ولفت إلى أنه في التحليل الاقتصادي تعتبر هذه خطوة للوراء في مجال التعامل مع البرجوازية الوطنية في المرحلة الراهنة، مع الإشارة الدقيقة إلى أن البرجوازية أو القطاع الخاص ليس مزيجاً متماثلاً، أي أن ثمة تجاراً أبدوا روحاً وطنية ومن التفاعل مع الأزمة بشكل إيجابي، في المقابل هناك حالة معاكسة قياساً لما شهده السوق من هذه التذبذبات والفروقات ومن عدم الانضباط الكامل في الاقتصاد، وفي حال وافقنا الحكومة في هذه الرؤية أو لم نوافقها فهي صحيحة ولو أنه لم نكن نتفق معها في طريقة أدائها.
ومن وجهة نظر اقتصادية مالية، بيّن خضر أن الأنظار تتحول مباشرة إلى توازن قوى العرض مع الطلب في السوق ومؤشرها الرئيسي هو السعر، وبالطبع تنبهت الحكومة إلى التضخم الهائل في الأسعار وكانت هذه القرارات لتهدئة لهيب الأسعار المتصاعد بين لحظة وأخرى.
وأضاف: "لم يكن جزء من القطاع الخاص أميناً على إدارة الموارد، وأصبح هناك فصل واضح بين كتلة السلع والخدمات الموجودة ضمن سورية الجغرافية، وبين ما هو متاح أمام المواطن المستهلك، فكان هناك أحياناً تكدس للسلع والخدمات في أقبية بعض تجار الأزمة، ولذلك فإن الحكومة تحاول اليوم الدخول على هذا الخط من خلال هذه القرارات وكأنها تقول: سأدخل شريكة لك لأقدم السلع والخدمات بشكل مباشر إلى المستهلك، وهذه منافسة حقة لزيادة العرض في السلع والخدمات، والمعروف أن هذه الزيادة في العرض ستؤدي إلى تخفيض في مستويات الأسعار".
أما من وجهة النظر النقدية، فتحدث خضر أن هذه الزاوية تتضمن إشارتين، الأولى ضبط إنفاق الاحتياطي الأجنبي السوري، بعد أن لاحظ صناع القرار النقدي ضرورة للتعامل مع هذا الاحتياطي ليذهب إلى أيد أمينة وهي الحكومة بالذات، لتكون أصيلاً لا وكيلاً في إحضار المستوردات وخدمة الشعب السوري، وهذه عبارة عن إدارة جديدة لسعر الصرف.
والإشارة الثانية بهدف التأثير على سعر الصرف، الذي أصبح يتعرض للضغط من الخارج ومن الداخل على حد سواء، ودخول مثل هذه القرارات يعمل على تهدئة الأسعار من جانب ما، يفترض أن يؤثر لاحقاً في تخفيض نسب التضخم ولجم الأسعار وإعادة القوة الشرائية لليرة السورية وتحسين قيمتها أمام الدولار.
ورداً على سؤال حول كلام بعض التجار عن ترقب عودة طوابير وصفوف المواطنين للحصول على السلع الأساسية أجاب الدكتور خضر: "في قراءة ديالكتيك التاريخ يقال إنه يجب أن تتحول التناقضات الكمية إلى تناقضات نوعية أو كيفية، أي إنه عند تحول التناقض الكمي إلى نوعي حينها يؤتى بثماره، والآن مع شروط الاستيراد الجديدة وحتى تتحول إلى مفعول حقيقي يجب أن يترافق مفهوم الكم مع مفهوم النوع، أي يجب ألا نكتفي بالقول إن الحكومة سوف تدخل على خط المنافسة مع القطاع، حتى نقول إن هذه السياسة صحيحة وإنما يجب أن نقول: إلى أي حد وبأي حجم وما هو مقدار الكم الذي سوف تدخل به، ومن يقل إن الطوابير سوف تعود فإنه يحكم مباشرة على الحكومة بأنها ستدخل دخولاً ضعيفاً وسوف تكون يدها قاصرة عن مجاراة القطاع الخاص وقد يكون في ذلك إنباء مسبق بأن القطاع الخاص لن يسمح للحكومة بأن تقوم بفعل كهذا، ما يعني أنها رسالة مفادها أن فترة تكريس القطاع الخاص واسشراسه في الاقتصاد السوري سوف لن تسمح للقطاع العام بالدخول كمنافس حقيقي".
وأضاف قائلاً: "ومن قال لهؤلاء إن الحكومة عاجزة عن الدخول كمياً بما يكفي بحيث تستطيع تأمين الحاجات بما يخفف من الطوابير أو بعدم وجودها بشكل مطلق، ولكن علينا التساؤل أيضاً: كيف يكون القطاع الخاص قادراً على إحضار الكميات بما يمنع الطوابير بينما تعجز الحكومة عن القيام بفعل كهذا ؟".