وجدت مديرية التخطيط وتعزيز التنافسية في "وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية"، في دراسة أعدتها بداية الشهر الماضي، أن من أولويات الحلول والمقترحات التي يجب العمل عليها حالياً من قبل الجهات المعنية، البحث في آلية ناجعة لضبط سعر الصرف الأجنبي، عبر الاستمرار في ضبط السياسة النقدية المتبعة لتبقى في وضع توازني إلى حد ما، من خلال التأثير على عرض النقد الأجنبي بحيث يتراجع السعر اللامنطقي حالياً، ويتراجع تدريجيا الفرق السعري بين السوق الرسمية وغير الرسمية.
بالإضافة إلى التحرك بشكل أكبر ومدروس، ووفق ضوابط معينة في تمويل المستوردات، بهدف تخفيف الطلب المتزايد على النقد الأجنبي، وإبرام اتفاقيات مقايضة السلع المحلية.
ودعت الدراسة وفق صحيفة "الثورة" الحكومية، التركيز على إيجاد سياسة حكومية تدخلية فاعلة في الأزمة، لناحية توافر السلع في السوق وبأسعار منافسة تكبح جماح التضخم والتشدد في مراقبة الأسعار، وكشف المحتكرين للمواد ومحاسبتهم وتأمين السلع الضرورية، وأهمها الغذائية المدعومة وبعض المشتقات النفطية والطاقة لتخفيف الطلب عليها وبث الطمأنينة لدى المواطنين.
وطالبت بضرورة تشكيل خلية أزمة اقتصادية وطنية لإدارة الاقتصاد الوطني، يتفرع عنها لجان على مستوى الوزارات ويمثل فيها المديرون العاملون فيها وبعض الشخصيات الإدارية ذات الخبرة الواسعة.
إضافة للتشجيع على الاستهلاك للسلع المحلية، من خلال التركيز على كمية ونوعية المنتجات الزراعية المحلية ومنتجات الصناعات الغذائية وتشجيع زيادة الاستثمار، والإنتاج عبر تقديم تسهيلات تمويلية وإجرائية وتسهيل شراء حصص الأجانب في المشروعات الأجنبية.
وأكدت الدراسة أهمية تنفيذ خطة الترويج الطموحة المعدة من قبل "هيئة تنمية وترويج الصادرات"، والتي تركز على أسواق الدول الصديقة وتفعيل عمل صندوق دعم الصادرات، وعقد المزيد من اتفاقات التبادل التجاري سواء كانت تفضيلية أو مناطق حرة لتأمين حاجة البلد من المواد، شرط أن تكون مدروسة وتخدم مصالحنا.
وجاء في الدراسة أن ارتفاع سعر الصرف الأجنبي، كان من أكثر تبعات الحصار الاقتصادي المفروض على سورية وتداعياته على المواطن فبعد الاستقرار النسبي فيه، ارتفع سعر الصرف الدولار أمام الليرة في عام 2011 من 46.5 ل.س إلى أكثر من 64.3 ل.س للدولار وسطيا عام 2012، وحاليا "المقصود هنا بداية الشهر الماضي" قارب السعر 100 ل.س، وبالسوق السوداء يتراوح بين 150و153ل.س للدولار، أي بنسبة -230 % وهذا الارتفاع الكبير بسعر الصرف أدى لآثار سلبية متعددة أهما حسب ما بينت الدراسة:
انخفاض القدرة الشرائية لليرة السورية بنسبة 69.7% حسب أسعار السوق الحرة في فترة الأزمة، وبالتالي تدهور كبير جدا في القدرة الشرائية للدخول خاصة لذوي الدخل المحدود، وبداية تشكل دولرة الاقتصاد السوري بسبب انعدام الثقة بالعملة المحلية بقصد أو بغير قصد، وهذا أمر خطير جدا كون الليرة السورية من مقومات السيادة الوطنية ولا يجب المساس بها والتحرك بسرعة وجدية حيال ذلك.
وسبّب ارتفاع سعر الصرف ارتفاعاً كبيراً في معدل التضخم وزيادة كبيرة جداً في الأسعار المحلية، حيث بلغ معدل التضخم "22,5%و33.4%و41.2%و51.5%"خلال أرباع عام 2012 مقارنة بـ 4,24% عام 2011. وتعود هذه الزيادة بشكل رئيسي لارتفاع مساهمة مكون الأغذية والمشروبات غير الكحولية، وأسعار المشتقات النفطية والغاز، إضافة لارتفاع أسعار وكلف السلع المستوردة بشكل عام مما أدى لتوقف عجلة الإنتاج.
وبينت الدراسة أن حظر التعامل المالي مع المصارف المحلية أفرز صعوبات كبيرة، أثرت على عملية تمويل المستوردات مما زاد من تكاليف المواد المستوردة لاضطرار المستورد لتأمين تمويله بطرق غير مباشرة، أكثر كلفة ناهيك عن فرق سعر الصرف، بين السوق الرسمي والسوداء إلى جانب العقوبات المفروضة على فتح الاعتمادات المستندية والكفالات المصرفية، كل ذلك كان له تداعياته على تأمين المواد والسلع الإستراتيجية "السكر والرز والشاي والأدوية والإطارات ومستلزمات الإنتاج"، وارتفاع أسعارها لتحمل المواطن أعباء إضافية.
كما بينت الدراسة ارتفاع تكاليف الإنتاج من جهة أخرى، وتراجع حجم الإنتاج المعد للتصدير من جهة ثانية تراجعت قيمة الصادرات السورية من 12,2 مليار دولار عام.
2010إلى 10,5 مليار دولار عام 2011 ولتتراجع بشكل حاد إلى حوالي 4 مليارات دولار عام 2012 "حسب إحصاءات الانكتاد، نظرا لعدم صدور الإحصاءات الرسمية بعد" أي بنسبة 61.9% وذلك في ظل تراجع إنتاج النفط بالدرجة الأولى، وشبه توقف عجلة الإنتاج والتصدير وهذا بدوره سيؤثر سلبا على قيم الناتج المحلي الإجمالي، ومن ثم معدل النمو الاقتصادي، وبالتالي تراجع في الإنتاج والدخول وزيادة البطالة لينعكس هذا بالنهاية سلبا على حياة ومعيشة المواطن.
أما بالنسبة للمستوردات السورية فقد ارتفعت من 17.4 مليار دولار عام 2010إلى 19.9 مليار دولار 2011 أما في عام 2012 ،فتشير التقديرات إلى تراجعها الكبير لحوالي 7.8 مليار دولار بنسبة 60.8 رغم ارتفاع سعر الوحدة للسلع المستوردة.
ومن هذه الآثار تراجع معدلات النمو الاقتصادي ففي عام 2011، بلغ معدل النمو الحقيقي -3.6% أما في عام 2012 لا توجد إحصاءات رسمية، ولكن يعتقد أن الانخفاض سيكون بنسب مرتفعة جدا، وتدمير الكثير من الممتلكات السكنية والتجارية والبنى التحتية ومرافق الحياة، مما أدى لحركة نزوح وهجرة واسعة وارتفاع تكاليف نقل البضائع داخل البلد والسلع المستوردة، بسبب ارتفاع هامش المخاطرة لدى الناقل بمختلف أنواعه وإيقاف تمويل المشاريع الاستثمارية العربية في سورية.