ليست المرة الأولى التي يثار فيها موضوع (استبدال العملة الوطنية) فقد سبق أن اقترح بعض الصناعيين والتجار هذا الأمر على مدار السنتين الماضيتين كإجراء اقتصادي يحد من ارتفاع سعر صرف الدولار مقابل الليرة ويحافظ في الوقت نفسه على مدخرات الناس مبشرين بعودة الدولار إلى سعر صرف 40 ليرة وحتى أقل من ذلك في حال تمت العملية بنجاح.
ورغم نفي حاكم مصرف سورية المركزي الدكتور أديب ميالة وجود نية أو إجراءات تقوم بها الحكومة – سابقا واليوم - لاستبدال العملة مازالت هذه الشائعات تطارد الليرة تحت عناوين براقة تحمل اسم (مفاجأة قريبة لليرة السورية ..) و(الليرة بحلة جديدة) وتطورت الشائعات إلى حد نشر إحدى الفضائيات العربية لشكل العملة الجديدة من فئة 2000ليرة .. الخ وكأن هذا الموضوع يمكن أن يتم بسرية تامة أو يستطيع المركزي التكتم عليه..!.
ليس سراً
بالعودة إلى القانون 23 لعام 2002 الخاص بتشكيل مجلس النقد والتسليف نجد أن المادة 19منه نصت على مايلي:
- يجرى سحب فئة أو أكثر من فئات الأوراق النقدية أو تبديلها بمرسوم بناء على توصية مجلس النقد والتسليف واقتراح وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية.
- يحدد هذا المرسوم مهلة التبديل التي لايمكن أن تقل عن ثلاثة أشهر مالم تكن هناك ضرورة في استعجال السحب فيجوز تقصير هذه المهلة على ألا تقل عن سبعة أيام.
- يذاع مرسوم السحب على الجمهور بجميع وسائل النشر الملائمة.
وتضمنت المادة 20من القانون المذكور:
- إن الأوراق التي لا تقدم للتبديل قبل انتهاء المهلة المحددة تفقد قوتها الابرائية وتنزل من التداول ويقوم مصرف سورية المركزي في مركزه بدمشق خلال خمس سنوات من ابتداء مدة السحب بتسديد قيمة الأوراق التي تقدم للتبديل دون أن يتقاضى أي نفقة.
- بانتهاء مدة السنوات الخمس تسري أحكام التقادم على الأوراق التي لاتقدم للتبديل وتعود قيمتها إلى المصرف المركزي.
وبناء عليه نشير إلى أن استبدال العملة يتطلب الإعلان عن ذلك وليس إخفاءه واعتباره سراً من أسرار الدولة العميقة دون أن نغفل موضوع التمويه الذي يمارسه بعض المسؤولين قبل إصدار قرار ما مثلما حدث قبيل إصدار قرارات رفع أسعار المازوت والغاز والبنزين.
تزوير وتزييف
ونظراً لأهمية موضوع استبدال العملة الوطنية وتعدد الآراء المعارضة والمؤيدة له لا بد من توضيح بعض مبررات عملية الاستبدال– فيما لو تمت- والتي تتمثل بوجود كتلة نقدية مصدرة كبيرة تتطلب حجماً وجهداً كبيرين لتسوية المعاملات اليومية من حيث الوقت للعد والفرز والقبول والأمان.
- وجود تلف بنسبة كبيرة من العملة وخاصة الفئات الصغيرة وعدم قبولها في التداول وتشكل ثلث الكتلة النقدية تقريباً وعدم استبدالها التدريجي من قبل المركزي.
- صعوبة إجراء الحسابات من الناحية العملية والتقنية واحتمالية وقوع الخطأ سواء بإضافة صفر أو حذفه.
- محاولة عصابات تزييف العملة بشكل مستمر وضخها في السوق المحلية لتدمير الاقتصاد الوطني والتي شاعت مؤخراً.
فوائد وسلبيات عملية الاستبدال
ويرى بعض المدافعين عن عملية استبدال العملة بالقول:
- إنها إحدى مبررات السلطات النقدية في السيطرة على اتجاهات عرض النقد من خلال أدائها لوظائفها في إدارة السيولة والمراقبة والإشراف على العملة الوطنية وهدفها المالي باستقرار قيمتها وامتصاص الفائض منها الذي ينجم عن المعدلات المرتفعة للتضخم، ومن ثم تخفض من ظاهرة الوهم النقدي والتوقعات التضخمية وأيضاً العملية ضرورية لمواكبة التحولات الاقتصادية وسياسات الإصلاح الاقتصادي أو جزء من إستراتيجية طويلة الأمد للإصلاح النقدي.
- تساهم في حصول العملة الوطنية على قوتها القانونية والحد من عملية الدولرة في النشاط الاقتصادي المحلي خصوصاً مع إهدار فئات كبيرة من العملة المحلية.
- تخفيض تكاليف طباعة العملة الورقية وصك العملات المعدنية على المديين المتوسط والطويل في حال تخفيض الكتلة النقدية الناجم عن إصدار أوراق نقدية بفئات أكبر من الحالية.
- تبسيط القيود في سجلات المحاسبة وسهولة التعبير عن القيم النقدية عن طريق التخفيض الكبير في حجم المعاملات وضمان الكفاءة في نظم الدفع مثل استخدام أجهزة الصرف الآلي.. وأمنيا تقلل المخاطر التي تترتب على حمل مبالغ كبيرة.
- إن استبدال العملة سيخلق أثراً نفسياً لدى المواطن بتقوية عملته واعتمادها بشكل أوسع بدلاً من العملة الأجنبية.
- ستساهم في رفع قيمة العملة الوطنية وتقلل من نسبة الطلب على العملة الصعبة وستؤدي إلى إعادة التوازن بين القيمة المحلية والأجنبية للعملة وستعطيها قوة سوقية في الداخل والخارج.
- إيقاف دولرة الاقتصاد والتي تعد واحدة من أهم التحديات التي تواجه صناع السياسة النقدية في البلدان النامية عموماً.
- خفض معدلات التضخم بالأمد المتوسط على نحو يتناسب مع سعر الصرف الحقيقي لاحتواء التوقعات التضخمية.
سلبيات محتملة
أما بالنسبة لسلبيات عملية استبدال العملة الوطنية فتتمحور وفق رأي بعض خبراء المال حول الأتي:
- انخفاض أسهم البورصة بمعدل 20% لأن عملية الاستبدال ليست أمراً تنظيمياً فحسب بل تتعدى ذلك حيث تتسبب في إعاقة التعاملات المالية.
- استبدال العملة يعتبر تغييراً وهمياً لقيمة النقود والعملة الحالية قد يساهم في خلق حالة من الوهم النقدي، لكنه لن يغير من القيمة الشرائية الحقيقية للعملة، ناهيك عن مخاطر تسرب العملة الأجنبية إلى الخارج، حيث إن مزادات المركزي للدولار ساهمت بشكل كبير في خروج كميات كبيرة من العملة الأجنبية من البلاد.
- عملية الاستبدال ستكلف ميزانية الدولة مبالغ كبيرة، زد على أن مشروع استبدال العملة ربما يكون باباً من أبواب الفساد المالي، وزيادة حالات الهدر في المال العام، الى جانب عدم معالجتها لمشكلة التضخم المالي لأن السوق أصبح مستورداً لمعظم السلع والخدمات من الخارج ما يعني استنزافاً للعملات الصعبة.
- التغيير الاسمي في قيمة العملة الوطنية، قد يسبب أثراً عكسياً وهو التحول إلى الاحتفاظ بالعملة الأجنبية التي يراها الفرد أنها أصبحت رخيصة، وهنا تتولد ضغوط على الاحتياطات من العملة الأجنبية المتوافرة في المركزي وقد تسبب زيادة الطلب على السلع والخدمات، فضلا عن التغيير الذي يحصل في قيمة العملة الوطنية.
أسئلة مشروعة
من هنا فإن عملية استبدال العملة الوطنية لا بد أن تترافق مع تكثيف الحملة الإعلامية للتعريف بنتائجها المحتملة على الاقتصاد وعلى قيمة العملة من خلال وسائل الإعلام المختلفة وتنظيم الندوات والمؤتمرات التي تطمئن المواطنين والتجار ورجال الأعمال أن القيمة الشرائية للعملة لن تتغير وتهيئة المواطن لتقبل العملة الجديدة وتبديد الخوف الذي يشعر به وإيضاح أن العملية استبدال للعملة فقط دون إعادة تقييم لها وسعر صرفها والإجابة على أسئلة من قبيل هل العملية ستتم مع الإبقاء على شكل العملة أم إن شكل العملة سوف يتغير وما الفئات النقدية الجديدة التي سوف يتم تداولها وطبعها؟ .. كل ذلك يجب أن يعرفه المواطن.
المصدر: صحيفة تشرين الحكومية