عاود تجار السوق السوداء في دمشق نشاطهم غير آبهين بالعقوبات الرادعة المنصوص عليها بقانون سعر الصرف الحديث، وبدؤوا ببيع الدولار صباح أمس على سعر 260 ليرة سورية واشتروا بـ 230 ليرة.
كشف تاجر مخضرم بـ"الفوركس " عن سعيهم إلى رفع سعر الدولار عن حاجز 270 خلال أيام، وذلك نظراً لتوافر كميات لا بأس بها من القطع الأجنبي بخزائنهم، دون أن يخفف التاجر من المواجهة الصعبة المحتملة لتسعيرة شركات الصرافة المحدّدة من المصرف المركزي السوري التي سجّلت أمس انخفاضاً قدره عشر ليرات عن اليوم الأسبق 240 ليرة مبيع و237.6 شراء؛ وعن سرّ معاودة نشاطهم دون أي قلق يذكر خلافاً للسابق، ألمح أكثر من تاجر إلى أنها بمنزلة فترة لجسِّ نبض "المركزي" الرقابية ومدى متابعته وتطبيقه للقانون -وكل شيء الآن انكشف وبان– على حدّ تعبير أحدهم، هكذا قالها وبكل وقاحة.
مصدر مسؤول في شركة صرافة "لم تُمْنَحْ شركته موافقة واحدة من المركزي للحصول على الدولار" حسب الشريحتين الأخيرتين 247.5 ليرة و273.6 ليرة، قال على ذمّته: عودة مضاربي السوق السوداء أتت بإشارة من موظفين كبار متواطئين مع السوق السوداء "يعني وبكل صراحة المضاربين مطّمنين وحاطين رجليهم وإيديهم بمي باردة".
وبحسب صحيفة " البعث" الحكومية وخلال جولة بعد صدور قانون المتاجرة بالعملات وتعديلاته لاحظت حذراً وحرصاً كبيرين لدرجة الرعب بمجرد الحديث عن عمليات بيع أو شراء حتى إن تاجراً يقع محلّه بمدخل الصالحية أخذ يبيع "جلابيب" نسائية مركونة على الرفوف منذ تسعينيات القرن الفائت، وكذلك فعل صاحب محل أحذية رجالية مجاور للأول، في عمليات تمويه مفضوحة لا لبس فيها!، وهنا عدة أسئلة تطرح نفسها، وهي برسم "المركزي"، لماذا عاودت السوق السوداء نشاطها بهذا الزخم؟ وهل يتحمّل "المركزي" لاحقاً تبعات استقطاب "السوق غير النظامية" بما ضخّه من دولارات؟ وإذا كانت عمليات ضخ الدولار "الإيجابية حتماً" المستمرة حالياً، تعتبر أقصى ما يمكن أن يفعله "المركزي" في مثل هذه الظروف، فماذا بإمكانه أن يتخذ من إجراءات إذا عادت الفوضى من جديد إلى سعر الصرف؟!.
إلا أن ثمة من يرى باستمرارية "المركزي" في عملية بيع مؤسسات الصرافة للدولار مع رفع قيمة الليرة أمامه بشكل تدريجي، طريقة مثالية لضرب تجار "الفوركس" بيد من حديد، وإجبارهم على أحد أمرين لا ثالث لهما: إما خفض تسعيرتهم إلى حدود ما يرغبه ويتمناه "المركزي"، وذلك بعامل الخوف من تكبّدهم خسائر فادحة بعد أن اشتروا بأسعار بدأت مطلع الشهر الماضي بـ 250 ليرة وتجاوزته إلى حدود 300 ليرة، أو إيقاف نشاطهم ريثما تتضح الصورة بالسوق النظامية، وقياس مدى قدرة "المركزي" على الوفاء بحاجة الموردين التجار ومتطلبات المواطنين، ويشير نادر الشعار مدير مكتب الشعار للصرافة إلى أن توجهات "المركزي" تنحو بالدولار إلى مشارف الـ 200 ليرة خلال أسبوعين على أبعد تقدير، لافتاً لـ"البعث" إلى أن جميع مؤشرات التسعير الصادرة من المصرف تؤكد إصرار الحكومة على استقرار سعر الصرف، وبالتالي خفض أسعار السلع والمواد، مبيّناً أهمية أخذ وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك دورها لتحقيق الغاية الأساسية من خفض سعر الدولار مقابل الليرة السورية، وتساءل الشعار: ما الجدوى من تدني سعر صرف العملات الأجنبية دون أن يلمس المواطن انعكاساته الإيجابية على الأسواق عامة.
وانتهى "اجتماع مصرف سورية المركزي" أمس الأول مع شركات الصرافة بقرار بيع الشركات دولاراً بكمية تتراوح بين 100 و200 ألف دولار بسعر 237.63 ليرة، على أن تباع للشركات والأفراد بسعر 240 ليرة، بارتفاع قدره 2.5 ليرة، وحصل أمس عدد من الشركات على المبالغ المخصصة من الدولار، وبدأت ببيع الدولار للمواطنين وبدأت شركات الأدهم والشعار والجاجة وحنيفة وبيكو والديار والمتحدة في دمشق، بينما يتوقع أن تلتحق شركات أخرى اليوم بعمليات البيع.
وكان حاكم "مصرف سورية المركزي" أديب ميالة، أشار إلى دعم المصرف للمستوردات الحكومية والخاصة، مؤكداً أن أعلى سعر صرف للدولار وصل إليه، بالنسبة لمستوردات الدولة 130 ليرة سورية، ما يعني أن مؤسسات التجارة الخارجية تأخذ القطع الأجنبي من "المصرف التجاري السوري" بـ130 ليرة سورية للدولار، وبالتالي فإن هوامش ذبذبة الأسعار المطبّقة على مؤسسات الدولة، التي تقوم بالاستيراد قليلة جداً ولا يجب أن يكون أي تأثير للسعر على المستهلك.
وأقرت اللجنة الاقتصادية المصغّرة برئاسة رئيس الحكومة وائل الحلقي في وقت سابق، مشروع قانون تشريعي يقضي بتجريم كل من يتعامل بغير الليرة السورية عبر فرض غرامات مالية وعقوبة بالسجن تتراوح بين 3 إلى 10 سنوات، وذلك بهدف ردع المتلاعبين بالأسعار في السوق واستغلال حاجة المواطنين على أن يتم عرضه على الجهات المعنية ليتم إصداره أصولاً.
وكان الدولار في السوق السوداء ارتفع مؤخراً إلى سعر قياسي لم يتحقق في تاريخ سورية، حيث وصل في بعض الحالات إلى 300 ليرة للمبيع، ما أدّى إلى ارتفاع كبير في أسعار المنتجات والمواد في الأسواق، وشعور المواطنين السوريين بالضيق من هذا الارتفاع الكبير وخاصة مع بدء شهر رمضان.
وجاء هذا الارتفاع بعدما قفز سعر الدولار 18 الشهر الماضي إلى سعر 205 ليرات للمبيع و200 ليرة للشراء، وما لبث أن انخفض 15 ليرة خلال يومين ثم عاد للارتفاع تدريجياً حتى وصل إلى هذا السعر.