أوضح المحلل الاقتصادي رسلان خضور، أن هناك عوامل عدة تكمن وراء التضخم شديد الارتفاع الذي يواجه الاقتصاد السوري في الفترة الحالية، أبرزها العوامل الاقتصادية مثل ارتفاع التكلفة نتيجة ارتفاع تكاليف النقل والتأمين المستوردات، مع الإشارة إلى أن ارتفاع التكاليف غير مرتبط بارتفاع تكاليف المستوردات نتيجة سعر الصرف، بالنظر إلى السلع المنتجة محلياً شهدت ارتفاعاً في تكاليف مدخلات الإنتاج، على الرغم من أن أغلب مدخلات الإنتاج محلية.
وأضاف لصحيفة "الوطن" المحلية، إن تراجع العرض وفائض الطلب سببين رئيسيين إضافيين للتضخم، بسبب تعطل قسم كبير من نشاط الإنتاج المادي بفعل التدمير للبنية التحتية والمؤسسات الإنتاجية العامة منها والخاصة، إضافة إلى عمليات السطو على الطرق العامة، ناهيك عن الحصار الاقتصادي والعقوبات الاقتصادية.
وأشار في الوقت نفسه إلى دور العرض النقدي في التضخم الحاصل، بالنظر إلى تراجع معدلات النمو في ظل ضعف مرونة الجهاز الإنتاجي، يضاف إلى كل ذلك انخفاض سعر صرف الليرة السورية نسبياً كنتيجة للطلب والعرض على العملات الأجنبية، لتغطية المعاملات والصفقات وكذلك المضاربات الداخلية والخارجية على سعر صرف الليرة، بما لها من تأثير في تخفيض سعر الصرف.
رسلان خضور أشار إلى أن التضخم الحاصل حالياً يعود في قسم منه إلى أسباب غير اقتصادية، لجهة تدمير قسم لا بأس به من البنية التحتية والمؤسسات الإنتاجية العامة، وسطوة الاحتكارات والسوق غير التنافسية، بالتوازي مع انخفاض كفاءة وفاعلية الأجهزة الرقابية وقوانين منع الاحتكار ومديريات وجمعيات حماية المستهلك، لعدم فاعليتها في ضبط الأسواق والتأثير فيها سواء من خلال التدخل المباشر في عمليات الاستيراد والتصدير، أم من حيث البيع والتسويق، وعدم قدرة هذه الأجهزة على ترجمة قانون المنافسة ومنع الاحتكار إلى إجراءات ملموسة على الأرض.
ولفت إلى أن ضبط الأسواق لا يقتصر على السعر فقط، بل يمتد إلى الجودة والمواصفة النوعية ونوعية المكونات والصلاحية للاستهلاك البشري وفترة الصلاحية، مؤكداً أن الاحتكار الحكومي لبعض السلع والخدمات المنتجة يختلف عن الاحتكار الخاص من حيث مال العوائد والإرباح المحققة جراء ذلك، إذ تذهب عوائد وأرباح الاحتكار الحكومي إلى الإنفاق العام في البنية التحتية والصحة والتعليم ودعم السلع الضرورية، والذي يستفيد منه أغلبية المواطنين على حين تذهب عوائد وأرباح الاحتكار الخاص إلى جيوب المحتكرين فقط وهم الذين لا يدفعون إلا جزءاً من الضرائب المترتبة عليهم بفعل هذا الاحتكار.
رسلان خضور ذكر عينة من نسب ارتفاع بعض السلع والخدمات، حيث ارتفعت أسعار السلع والخدمات بنسب متفاوتة تصل إلى أقل من 100% مثل السيارات وإيجارات المنازل، على حين ارتفعت سلع وخدمات أخرى بين 100% إلى 200% مثل البنزين والمازوت وبعض أنواع الخضار والفاكهة، وارتفع الحمص والعدس بنسبة تتراوح بين 200-300%، وأخرى 300-400% مثل الغاز.
أما بقية السلع التي ارتفعت أكثر من 400% فذكر خضور منها المتة التي ارتفعت بنسبة 750%، معتبراً أن ارتفاع أسعار هذه السلع متناسب مع ارتفاع سعر صرف الدولار واليورو والعملات الأجنبية الأخرى، منوهاً إلى أنه من غير الطبيعي أن ترتفع بعض أسعار السلع المستوردة بما يفوق نسب ارتفاع سعر صرف القطع الأجنبي، أو أن ترتفع الأسعار بنسب تفوق ارتفاع تكاليف الإنتاج للسلع المنتجة محلياً.
واعتبر أن كل السلع والخدمات التي ارتفعت بنسبة تفوق 200% يسيطر على إنتاجها وتوزيعها أو استيرادها مجموعة محدودة من الاحتكارات، مضيفاً إن من الممكن ردع هذه الفئة من خلال إلزامهم بدفع ما هو مترتب عليهم من التزامات ضريبية، بما يتناسب مع حجم أرباحهم المحققة فعلاً بالتوازي، مع تفعيل وتطبيق قانون المنافسة ومنع الاحتكار.
خضور بيّن أن أبرز تداعيات التضخم وارتفاع الأسعار هو انخفاض القدرة الشرائية، بالنظر إلى وجود شرائح غير قادرة على التعويض عن انخفاض دخولها الحقيقيةـ نتيجة التضخم مثل أصحاب الرواتب والأجور والمتقاعدين والفقراء الذين يعيشون من التحويلات، إضافة إلى بعض المهن والحرف، إضافة إلى ما نتج عن التضخم من زيادة معدلات الفقر بأشكاله المختلفة، مؤكداً أن ما يجري حالياً ليس مجرد عملية تضخم بل هو عملية تجريف ممنهج للدخول والثروات لمصلحة الأغنياء، وأصحاب الريوع على حساب المنتجين والشرائح متوسطة ومنخفضة الدخل والفقراء.
وأشار إلى مجموعة من الإجراءات الممكنة للحد من التضخم وانخفاض القدرة الشرائية، مثل تحفيز ودعم كل نشاطات الإنتاج المدي، ومساعدة المصدرين في الوصول إلى الأسواق الممكنة واتخاذ إجراءات رادعة بحق المضاربين بسعر الصرف من "مصرف سورية المركزي"، والتدخل المباشر لمؤسسات التجارة الحكومية في عمليات الاستيراد والتوزيع وصولاً إلى المستهلك النهائي، إضافة إلى الإبقاء على دعم السلع الأساسية وفرض ضرائب على من ترتفع دخولهم وأسعارهم بشكل سريع وبمعدلات عالية.