كشف معاون وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك محمود المبيض أن هناك توجهاً حقيقياً لدى الوزارة لإلغاء تحرير الأسعار وإخضاع جميع السلع تدريجياً لقانون التسعير ووضع الأسعار بناءً على حساب التكلفة الحقيقية للسلع المنتجة محلياً والمستوردة، إذ إن البداية ستكون بالسلع التي أصابها شطط غير منطقي في أسعارها وتجاوزت الحد المقبول به.
ولم تعد سياسة تحرير الأسعار بالسياسة المجدية بعد أن اخترقت من قبل «نفر» من التجار والموردين والمستوردين حتى باعة المفرق لتتحول الغاية منها إلى التنافس على كسب الأرباح غير المشروعة واللا أخلاقية، بدلاً من التنافس على تأمين السلعة للمواطنين بأسعار تناسب جميع الشرائح، لذلك فإن السير بإلغائها ومراقبتها وإلزام الباعة بأسعار تحقق لهم هامشاً من الربح المعقول هي الطريقة الوحيدة للحد من المنافسة غير الشريفة بين التجار التي أدت إلى ارتفاع الأسعار، بعيداً عن أي منطق أو قانون تحكمه الأخلاق وبالتالي منعكس ذلك على معيشة المواطنين.
وقال المبيض وفقا لصحيفة " تشرين "الحكومية : إن إلغاء تحرير الأسعار يختلف كلياً عن التسعير الإداري الذي تعكف عدد من الجهات الاقتصادية على دراسته، فوزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك تقدمت بمذكرة إلى رئاسة مجلس الوزراء تشرح فيها الأسباب والدوافع للسير مجدداً بالتسعير بدءاً من السلع التي تلامس معيشة المواطنين بشكل مباشر وصولاً إلى إلغاء التحرير بشكل نهائي، وهذا التوجه يأتي ضمن مجموعة توجهات للوزارة وهي ترمي إلى ضبط حالة الأسواق والأسعار بالتزامن مع صدور بعض القوانين والتشريعات التي تعاقب المخالفين بعقوبات مشددة.
وسيتم التسعير حسبما أكده المبيض بناءً على دراسة بيانات التكلفة التي سيتقدم بها المنتجون المحليون، والشهادات والبيانات الجمركية بالنسبة للسلع المستوردة، وإن أي تهرب من تقديم بيانات التكلفة سيعرض المنتجين والمستوردين إلى عقوبات مشددة تصل إلى ضبط سلعهم وتسعيرها مباشرة من قبل الوزارة من دون الرجوع إليهم.
وكانت فكرة إلغاء تحرير الأسعار مطروحة خلال العام الماضي، وكانت عدة اجتماعات دعت لها الوزارة لمناقشة هذا الأمر مع الجهات والفعاليات الاقتصادية إلا أن تطورات الأحداث وتأثيرها في الشأن الاقتصادي حالت دون طرحها، مع التأكيد على أن سورية بدأت في تطبيق سياسة تحرير الأسعار على السلع والمنتجات بشكل تدريجي منذ عام 2001، وقد كانت إحدى الخطوات الهامة ضمن السياسات الاقتصادية الانفتاحية العليا للدولة، حيث كان الهدف منها تنمية الاقتصاد السوري والنهوض به إلى مراتب متقدمة وبالتالي انفتاحه على اقتصاديات العالم بشكل ينعكس إيجاباً على حياة المواطن السوري ويضمن عيشه برفاهية، وقد تحقق ذلك عبر تمكن الدولة من تأمين أهم السلع الاستراتيجية والاستهلاكية، إلا أنه وبمرور الوقت فإن بعض ضعاف النفوس قاموا باستغلال السياسة لتنفيذ مآربهم ومصالحهم الشخصية الضيقة ما شكل عبئًا إضافياً ثقيلاً على الاقتصاد السوري بشكل عام والمواطن بشكل خاص، وخير دليل على ذلك انفلات السوق والارتفاع الجنوني للأسعار بدءاً من الكبريت إلى الدولار، الأمر الذي تطلب التدخل السريع لإعادة النظر ببعض المواد المحررة أسعارها ولإخراجها من دائرة التحرير.
وبنظرة سريعة إلى الظواهر المتفشية في الأسواق المحلية من ارتفاع للأسعار وغيرها من مظاهر الاحتكار، نجد أنها من صنع هؤلاء «النفر» من التجار والمستوردين والموردين والمنتجين وغيرهم ممن استغلوا سياسة التحرير لأغراض تتنافى وتخالف الغرض الأساسي من وضعها، الأمر الذي ولد شريحة كبيرة من المتضررين الذين يكابدون الليل والنهار لتوفير لقمة العيش والحصول على حاجاتهم من السلع والمنتجات بأسعار تتناسب ودخولهم.
إذاً هنالك خرق حقيقي في سياسة التحرير من قبل فئة معينة، ولا بد هنا للدولة من أن تتدخل بسلطان قوانينها، لكبح جماح فوضى الأسعار، والضرب بيد من حديد على كل من تسول له نفسه استغلال السياسات الاقتصادية لمصلحته الشخصية ولا مبرر لترك الحبل على الغارب للأسعار في الأسواق من دون أي ضوابط.