لا يمكن مطالعة القروض المتعثرة في السداد بعد العام 2011 إلا كواحدة من نتائج العمل ضمن بيئة مصرفية توصف بأنها ذات مخاطر إئتمانية عالية مثل بيئة العمل المصرفي في سورية، وهي على هذا الحال منذ عامين. كما أن الثابت هو التصاق القروض المتعثرة خلال الأزمة مع سابقاتها فيما يخص المصارف الحكومية، وهذا ما يعكس بالضبط القصور الكلي في آليات التحصيل لدى المصارف الحكومية كما يعكس في جانبٍ آخر آليات منح بعض القروض بعينها وعدم استيفاء معايير الملاءة المالية المناسبة للمقترض أو إغفال تصنيفات الجدوى الاقتصادية العالية للمشروع والمحفّزة لمنح القرض. لكن هذا سياقٌ تاريخي له مباحثٌ أخرى، ويبقى المشترك في الظرف الحالي بين المصارف العامة والخاصة هو قروضٌ متعثرة تم منحها خلال الأزمة. أقلها في الخاص وأكثرها في العام. بحيث لا يتسع باب النصح هنا لأكثر من إعادة جدولة تلك القروض والبالغة تراكمياً لدى المصارف العامة والخاصة نحو 288 مليار ليرة
مليارات العقاري والتجاري المتعثرة
وصلت قروض المصرف العقاري المتعثرة عن السداد خلال العام 2012 إلى 1.8 مليار ليرة. كما أن إجمالي القروض المتعثرة والتي تراكمت في عام 2011 لدى المصرف العقاري تصل إلى 6 مليار ليرة سورية. لكن ما أقدم عليه بعض المقترضين من تسوياتٍ بالنسبة للقروض الكبيرة بالإضافة إلى الأقساط التي سددها من اقترض مبالغاً الصغيرة حسرت من موجة الخسائر التي لحقت بالمصرف نتيجة تعثر سداد القروض. لتكون كتلة القروض المتعثرة خلال عامي الأزمة 7.8 مليار ليرة سورية بشكل تقريبي. في وقتٍ نجد أن المصرف التجاري السوري يقدم صيغةً جاذبة أكثر للطمأنة حين يتحدث أن الديون المتعثرة التي سجلها المصرف خلال عام 2012 لا تُذكر مقارنةً بالأرباح المحققة والبالغة نحو 8 مليار ليرة، وهنا يقحم التجاري السوري قروضه المتعثرة في كتلة الديون الإجمالية المدوّرة منذ إنشاء المصرف في ستينيات القرن الماضي بحيث تبلغ كتلة القروض المتعثرة طيلة هذه المدة نحو 12 مليار ليرة سورية، وتؤكد إدارة المصارف في تصريحات ذات صلة أن انخفاضاً في تحصيل القروض التي مولها المصرف جرى رصده خلال العام الماضي نتيجة توقف النشاط الاقتصادي للعديد من المتعاملين كما أن بعض المقترضين تقدم لإبرام تسويات مع المصرف بموجب أحكام المرسوم رقم 51 الذي نص على إعفاء المقترضين من الغرامات والفوائد العقدية حال مبادرتهم إلى سداد ما تراكم عليهم من أقساط مستحقة في حين أن بعضهم الآخر تقدم للتسوية بموجب مراسيم وصكوك تشريعية أخرى.
تعثر الصناعي ووصفة التوفير
لم تستسغ التصريحات الراشحة عن إدارة المصرف الصناعي فصل الديون المتعثرة التي لحقت بالمصرف خلال العام 2012 عن سلفها من ديون المصرف منذ بداية الأزمة، وتشير الأرقام الراشحة عن المصرف الصناعي أن تلك الديون بلغت كتلتها خلال عامي2011و2012 قرابة 4 مليار ليرة تتكون بمجملها من القروض التي موّلها المصرف ولم يتمكن مقترضوها من السداد. أما تراكمياً فقد وصل حجم القروض المتعثرة إلى ما يقارب 14 مليار ليرة.
لكن إدارة مصرف التوفير بدورها تفضل معالجة القروض المتعثرة كلٌّ على حدا من خلال منح مهلة سداد إضافية حسب كل حالة. يذكر هنا أن مبالغ الإيداعات في مصرف التوفير وصلت عام 2011 إلى نحو 66.89 مليار ليرة في حين وصلت مبالغ الاسترداد إلى 94.99 مليار ليرة، وبالتالي فإن الصافي المتحقق من حاصل فرق طرفي معادلة الإقراض والإيداع لدى مصرف التوفير هو فرق مدين وليس دائن ويبلغ قرابة 28.1 مليار ليرة.
254 مليار ليرة قروض الخاص المتعثرة
أما المصارف الخاصة العاملة في السوق السورية والبالغ عددها 14 مصرفاً أغلبها فروع لبنوك عربية استطاعت الصمود حلال العام 2012 بعدما أدى تراجع قيمة الليرة إلى زيادة الأرباح الناتجة عن عمليات الصرف الأجنبي ، غير أن ارتفاع الأرباح لدى البنوك الخاصة يقابله انخفاض في خلها التشغيلي وتقلّص في قيمة أصولها.
وزاد من إيقاع هذه المعادلة لجوء الكثير من عملاء المصارف السورية إلى تحويل مدخراتهم بالليرة السورية إلى الدولار أو تهريبها إلى أسواق مجاورة ما يدفع بمزيد من التكهنات حول مصير القطاع المصرفي الخاص في سورية إن طال زمن الأزمة الحالية بحيث قد تؤدي الضغوط المتصاعدة الناجمة عن استمرار نزيف العائدات التشغيلية على المصارف الصغيرة إلى التوجه نحو الاندماجات أو حدوث إفلاسات واضحة، ويقدر خبراء في القطاع المصرفي نسبة القروض المتعثرة بما لا يقل عن 10% من إجمالي قروض المصارف الخاصة. أي ما يفوق 254 مليار ليرة أي حوالي 4.3 مليار دولار، وكانت قيمة أصول البنوك السورية الخاصة والحكومية تقدر قبل الأحداث بنحو 2 تريليون ليرة أي ما يعادل 43 مليار دولار. يضاف على ذلك جملة العقوبات الغربية ضد سورية خاصةً تلك التي اتخذتها شركة سويفت العالمية بشأن نظام تحويل الأموال.
إعادة جدولة القروض المتعثرة
بدورها تؤكد هيئة الأوراق والأسواق المالية السورية أن المصارف السورية ملتزمة بتعليمات المصرف المركزي بخصوص تقديم بياناتها المالية. يأتي هذا الحديث في سياق أن الجهات المقترضة والمشاريع القائمة إن لم تكن تعمل فكيف لها أن تقوم بتسديد قيمة القروض، وهذا ما أدى إلى تراجع أداء المصارف مع أن التعليمات المتعلقة بتصنيف القروض المتعثرة في المصارف واضحة، وقضية تكوين المخصصات كذلك واضحة، وتشير تحليلات متصلة الشأن أن الحل الأمثل للقروض المتعثرة لدى المصارف السورية يكمن في إعادة جدولتها لعدة سنوات قادمة كما يمكن للمصرف المركزي أو الحكومة تمويل هذه العملية.