أشار الدكتور "عابد فضلية " الاستاذ في كلية الاقتصاد بجامعة دمشق على حدوث العديد من الانحرافات الكمية والرقمية والنقدية والاقتصادي، بالمقابل هنالك ثلاثة عوامل أبقت الليرة السورية صامدة حتى الآن.
ثم يستشهد بقانون النقد الأساسي ليزيد من عمق المقال عمقاً وليتساءل عن أدوار المصرف المركزي المغيبة لكنها مشرّعة دستورياً وعلى مستويات نقدية ومالية واقتصادية مختلفة.
وأوضح " فضلية " أنه يتم التدخل في سوق القطع الأجنبي (عند اللزوم) من خلال طرح كميات مناسبة من القطع للتحكم بالكميات المعروضة منه ليكون بالمستوى الموازي للطلب الذي يجب أن يلبي احتياجات المستوردين وقطاع الأعمال والقطاع العائلي والاحتياجات الشخصية. حيث يتدخل المصرف المركزي إما بائعاً للقطع لزيادة العرض أو مشترياً له في حال كانت السياسة النقدية (والاستثمارية والتنموية) تتطلب ضخ سيولة بالعملة المحلية في السوق، ويجب أن يقوم المصرف المركزي بذلك في إطار سياسات وخطط نقدية مدروسة، شاملة، متوازنة، آنية، قصيرة، متوسطة وطويلة الأمد، منسجمة ومتفاعلة مع السياسة المالية والسياسات الاقتصادية والاجتماعية الأخرى، وهذا ما يتطلب بالتأكيد احتياطيات كافية كمّاً من جهة، ويستلزم من جهة أخرى وجود إدارة نقدية متخصصة، كفوءة، مستقلة، مرنة وجريئة
في وادٍ آخر
تحضرني مقولة للخبير النقدي المصري الدكتور نبيل حشاد مفادها أن "السياسات النقدية والممارسات السليمة لإدارة احتياطيات القطع الأجنبي تستطيع أن تدعم الإدارة السليمة للاقتصاد الكلي، ولو أنها ليست بديلاً عنها. كما إن عدم سلامة السياسات الأخرى يمكن أن تُعرّض مقدرة السلطات النقدية على إدارة الاحتياطيات لمخاطر بالغة" ثم وبإسقاط مفهوم وأبعاد ما ذكرته في مقدمة مقالي على الوضع في سورية، وبمقارنة وضع البيدر مع حسابات الصندوق كما تقول عامة الاقتصاديين نستطيع بسهولة أن نستنبط العديد من الانحرافات (الكمية والرقمية، النقدية والاقتصادية) حيث تُعزف الموسيقى في واد بينما العرس في واد آخر كما في بديهيات عامة العامة.
ثلاثة عوامل وراء قوة الليرة
صحيحٌ أن الأزمة الحالية قاسية ومجلجلة وأفرزت تحديات نقدية واقتصادية واجتماعية صعبة ومعقدة، وصحيحٌ أن هذه التحديات الداخلية ليست بريئة إذ يتم تأجيجها بفعل فاعل أبعد من داخلي، وأقوى من إقليمي، وأكثر من اقتصادي، وصحيح أن ما تحمّلَه وما زال قادراً أن يتحمله الاقتصاد والمجتمع السوري، وكذلك عملتنا الوطنية يفوق طاقة وإمكانات عدة دول مجتمعة. لكن علينا أن نُقرّ أيضاً بأن الفضل في خلق عوامل القوة هذه يعود إلى العديد من المقومات على رأسها ودون منازع عراقة وطبيعة وأخلاقية وطيبة وحس ووعي وعقلية وسوية سلوكية المواطن والمجتمع السوري باستثناء بضعة من تجار العملة والمضاربين بها، والبعض من الموظفين الحكوميين المقصرين أو غير الفالحين في الإدارة الرسمية للسياسة النقدية و/أو المالية و/أو الاقتصادية. كما يعود الفضل بخلق عوامل القوة لعملتنا الوطنية بالدرجة الثانية إلى الطبيعة الإنتاجية السلعية الحقيقية للاقتصاد السوري التي تشكلت وترسخت على مدى العقود الماضية، بالمعنى الذي صرخ به الفيلسوف جبران خليل جبران: بارك الله بشعب يأكل مما يزرع ويلبس مما يصنع، وبالدرجة الثالثة فقط يأتي دور مختلف الجهات الحكومية والرسمية بما فيهم (وليس على رأسهم) مصرف سورية المركزي بمختلف مؤسساته، ومنها مجلس النقد والتسليف.
الواجب الغائب للمصرف المركزي
لمن يتساءل عن أسباب انخفاض سعر صرف الليرة السورية، وعن الجهة المسؤولة عن التدخل للدفاع عنها وحمايتها ننوه إلى ما نص عليه قانون النقد الأساسي الصادر بالمرسوم 21 لعام 2011 الذي يُعد دستوراً لعمل المصرف المركزي بأن من أهم واجباته الحفاظ على استقرار قيمة الليرة السورية مقابل العملات الرئيسية، والحفاظ كذلك (وبالتالي) على استقرار أسعار السلع والخدمات كهدف نهائي للمصرف (بحسب نص المرسوم)، وأهم ما أود الإشارة إليه في هذا المرسوم هو المادة التي تنص صراحةً على واجب المصرف المركزي بدعم السياسات الاقتصادية على المستوى الكلي بتعزيز النمو الاقتصادي والتشغيل؟!
أدوار اقتصادية مركزية غائبة عن المركزي
على الرغم من أننا لا نحتاج إلى الكثير من الشرح للتنويه إلى عدم وجود مدافع قوي عن قيمة الليرة السورية في السوق كما يجب أن يكون الأمر. إلا أنه ما زال ثمة تساؤل إشكالي كبير آخر في هذا الإطار وهو: لماذا لم يسمع أحدنا ولا مرة من مسؤولي المصرف المركزي أي طرحٍ أو تصريح أو فكرة لها علاقة بدفع مستوى النمو الاقتصادي أو برفع مستوى التشغيل!؟ ولا عن مستوى أسعار السلع والخدمات، أو عن مستوى القوة الشرائية والمعيشية للمواطن السوري. هل تحدث أحدهم عن الفقر. عن البطالة. لم نسمع مرةً أن المصرف المركزي تطرق إلى موضوع تشجيع أو دعم القطاعات الإنتاجية بهدف زيادة حجم الكتلة الإنتاجية السلعية كي تُقابل الارتفاع (أو التضخم أو الزيادة) في الكتلة النقدية للحفاظ على قيمة عملتنا الوطنية أو بهدف المساعدة على استقرارها بأقل تقدير. أليس كل ما ذُكر آنفاً من مسؤولياته كما ورد بنص المرسوم المذكور أعلاه؟! سؤالٌ بسيط، وجوابه كبير.
ضوابط مفاجئة لاستيراد الفيول والمازوت
سؤالٌ آخر لكنه كبير، وجوابه بسيط: ما الحكمة التي يستند إليها المصرف المركزي عندما راح يطالب منذ بضعة أسابيع بإيقاف استيراد مادتي الفيول والمازوت من قبل الصناعيين ريثما يتمكن من وضع الضوابط اللازمة للاستيراد!؟ أليس العكس هو الصحيح. أي ضرورة تشجيع وتسهيل حصول الصناعيين على الطاقة لاستمرار إنتاجهم الذي سيدعم بالنهاية قيمة عملتنا الوطنية.
أحد المراقبين لسوق القطع قال: إن عدم تدخل المصرف المركزي في سوق القطع الأجنبي لحماية قيمة الليرة السورية يُعرّضها لتحديات كبيرة. فأردف مراقب آخر: هذا صحيح، ولكن عندما يتدخل المركزي (أحياناً) فإن الليرة قد تتعرض لهزات ليست صغيرة.
نقلا عن مجلة "المصارف والتأمين "