أصدر رئيس مجلس الوزراء الدكتور وائل الحلقي مؤخراً قراراً يقضي في مادته الأولى بإلزام جميع المصدرين بتنظيم تعهد إعادة قطع التصدير لدى أحد المصارف المرخص لها التعامل بالقطع الأجنبي، وذلك قبل القيام بعملية التصدير.
وألزمت المادة الثانية من القرار الذي يحمل الرقم 2311 وفقا لصحيفة "الوطن "المحلية الأمانات الجمركية بعدم السماح لأي مصدر بإخراج البضاعة في حال تبين عدم تنظيمه لتعهد قطع تصدير أصولي، كما يسمح القرار للمصدر في مادته الثالثة التصرف بحصيلة القطع الناجم عن عملية التصدير وفقا لأحد الخيارات التالية: أن يمول عمليات الاستيراد العائدة للمصدر نفسه، أو بيع القطع الأجنبي للمصرف المرخص الذي تم تنظيم التعهد لديه، وذلك بحسب نشرة وسطي أسعار صرف العملات الأجنبية للمصارف الصادرة عن مصرف سورية المركزي في اليوم الذي ستنفذ فيه عملية البيع وتبعا للتعليمات المنظمة لهذا الشأن.
ولم يغفل القرار عن المصدر الذي يتخلف عن تسديد التعهد المنظم لدى المصرف بشكل كامل أو جزئي، إذ فرض بحقه الجزاءات والعقوبات المنصوص عنها بالقوانين والأنظمة النافذة.
ويأتي القرار ضمن مجموعة من الإجراءات الاقتصادية المتخذة من قبل الإدارة النقدية السورية، وهي إجراءات مبررة في ظل ظروف الحرب الحالية وإن كانت تأتي متأخرة بشكل عام كما يؤكد الباحث الاقتصادي إياد أنيس محمد في تحليله لحيثيات ودوافع إصدار هذا القرار، إلا أنها برأيه تترجم نوعاً من الانسجام مع توجه الحكومة في إعادة تدخلها في العملية الاقتصادية بشكل كامل.
وهنا يبرز التأييد لصدور هذا القرار رغم أنه أتى متأخراً بعد أن وصلت صادرات سورية الخارجية إلى أدنى مستوياتها خلال الفترة الراهنة، إذ كان من الواجب العمل به بالتزامن مع تدخل الدولة في سوق القطع وتوقف معظم الصادرات النفطية السورية والصادرات الصناعية، بل كان من الأهمية العمل به بالترافق مع انتعاش الصادرات الزراعية إلى العراق بسبب الانخفاض الكبير لليرة السورية أمام الدولار، إلا أن النقاشات في هذا الموضوع أخذت عدة أشهر.
وفي الوقت نفسه يشير الباحث الاقتصادي محمد إلى وجود محاذير تجب مراعاتها عند تطبيقه، لكون القرار السابق الذي كان مطبقاً وألغي في منتصف 2009 رافقه نشاط كبير لسوق موازية للقطع الأجنبي وكان هناك ما يسمى «سوق الدولار التصديري» وله بورصة مستقلة وناشطة لتمويل مستوردات متنوعة وكان سعر دولار التصدير أكبر من سعر الدولار في السوق السوداء نفسها حتى إن مصادر المركزي عند إلغاء القرار قد صرحت أن قرار إلغاء تعهد التصدير جاء في الوقت المناسب بعد أن شكّل لمرحلة طويلة من مراحل الاقتصاد السوري أحد القيود في تنمية الصادرات وبإلغائه يكون المصرف قد خطا خطوة نحو الأمام على طريق تحرير نظام الرقابة على النقد الأجنبي.
وقد بدأ تطبيق أنظمة تعهدات التصدير وإعادة القطع الأجنبي منذ عام 1988 وفي ذلك الوقت كانت جميع عائدات قطع التصدير تباع للدولة وكان الهدف منها توفير موارد جديدة للقطع الأجنبي لدى المصارف، وفي عام1990 أصبح العائد يباع بنسبة 50% للقطع الأجنبي وأصبح القطع يعود للمصدر بنسبة 90% في عام 2000، مع أن القرار الحالي في المادة الثالثة منه سمح باستخدام قيمة الصادرات المودعة لدى البنوك السورية لتمويل مستوردات التاجر المصّدر نفسه، إلا أن إمكانية التداول وإلزام المصدّر ببيع القطع الأجنبي للمصرف المرخص الذي تم تنظيم التعهد لديه بحسب نشرة وسطي أسعار صرف العملات الأجنبية للمصارف الصادرة عن المركزي بيوم تنفيذ عملية البيع بحسب محمد قد يؤدي إلى قيام المصدّرين بالتلاعب في قيمة الصادرات وتسعير موادهم وبضائعهم بقيمة أقل من القيمة السوقية بغية التهرب من إعادة كامل المبالغ، ما ينعكس أيضاً بشكل سلبي على إحصائيات وأرقام الصادرات وإظهارها بأقل من حقيقتها.
وبالمثل في حال تم السماح بتداول قطع التصدير فإن ذلك سيرفع جزءاً من العبء الملقى على كاهل المركزي في تمويل المستوردات للمواد الخارجة عن موضوع ترشيد الاستيراد الحالي، ولكننا سوف نخلق باباً كان مفتوحاً سابقاً وتم إغلاقه للتصدير الوهمي الذي نشط لفترة طويلة وخاصة في مجال صادرات المنتجات الزراعية وتسعير المنتجات بأعلى من قيمتها للحصول على دولار التصدير.
ويؤكد الباحث الاقتصادي محمد أنه لابد لوزارة الاقتصاد والجمارك من لعب دور جيد في المتابعة والرقابة على موضوع الصادرات بشكل كامل كي يتمكن هذا القرار في تحقيق نتائج ملموسة في دعم احتياطي القطع الأجنبي، ومن جهة أخرى لا يحمل القرار في مضمونه تجنياً على المصدّر وإنما هو استحقاق وواجب وطني في هذه الظروف التي يمر بها البلد وهو التزام أخلاقي أيضاً من التجار لدعم الاقتصاد في فترة الأزمة كرد جميل لتمويل مستورداتهم في كل الفترات الماضية.