كانت موائد السوريين قبل الأزمة الراهنة تعمرُ في الأعياد بشتى أطباق الطعام نظراً لانخفاض تكاليف المعيشة آنذاك، إذ كان بمقدور كل فرد العيش وفق إمكاناته المادية لكن هذا الواقع، الذي لطالما شكل مصدراً للمباهاة أصبح من الماضي الجميل بعد الابتلاء بداء غلاء أتى على الأخضر واليابس بسبب التدبير المحكم من مقتنصي الفرص وضعف أداء وزارة التجارة الداخلية المكلفة حسبما يوحي اسمها بحماية المستهلك حتى وصلت الأسعار إلى مستوى جنوني أذهب فرحة لقاء عيد الأضحى، الذي باتت موائده وإن أقيمت تقتصر على الحد الأدنى من المستلزمات التي اعتادت الأسرة على إعدادها في هذه المناسبة الكريمة.
موائد العيد الغائبة
عُرفت سورية على مدار عقود طويلة بـ«بلد الفقراء» لإمكانية عيش كل فرد مهما بلغ درجة فقره حسب إمكانات جيبه، فالأسواق كانت تجود بأصناف متفاوتة السعر والجودة إلا أن توحد الأسواق الشعبية والحديثة واشتراكها بصفة الغلاء بتفاوت محدود أحدث أزمة معيشية خانقة غيرت عادات الفقراء ومتوسطة الدخل الاستهلاكية والاجتماعية بسبب الفارق الكبير بين تكاليف الإنفاق والدخل الشهري، علماً أنه سابقاً كانت بعض العائلات تلجأ إلى الادخار بهدف تأمين احتياجات الأعياد، وهذا الأمر لم يعد متاحاً بعد قضاء ارتفاع الأسعار على قدرة المواطن الشرائية حتى بات يحتاج إلى ضعف راتبه لإكمال أيام الشهر، لذا أصبحت الأعياد في هذه الظروف تشكل عبئاً على الأسرة ولاسيما أن التجار يحرصون على الحصول على عيديتهم بالرغم من الغلاء العام عبر زيادة أسعار السلع مجدداً وكأن المواطن يجلس على كومة من المال يحاولون سلبه إياه بأي طريقة بعد أن تركتهم وزارة التجارة الداخلية يمعنون في غيهم وتحكّمهم بأمور العباد لدرجة باتوا خارجين عن السيطرة بدليل واقع الأسواق المنفلت بمناسبة حلول عيد الأضحى المبارك.. تضاعف تكاليف أعداد موائد العيد أكثر من خمس مرات عن العام الفائت بعد ارتفاع جميع السلع الجنوني سواء اللحوم بنوعيها والفواكه والخضر والحلويات والمكسرات والمشروبات كالقهوة والشاي والمتة، إذ بلغ سعر كغ الغنم بحدود 2000 ليرة والعجل بـ1500 ليرة والفروج بـ610 ليرات، وفيما يخص الفواكه والخضر وصل سعر التفاح إلى 165 ليرة والبرتقال بـ100 ليرة والعنب بـ 125 ليرة بينما بلغ سعر البندورة 100 ليرة والبطاطا 150 ليرة في حين بلغ سعر كغ الشاي 1500-1800 ليرة والقهوة 1400-1600 ليرة والمتة 225 ليرة، وارتفعت الحلويات بنسبة كبيرة، إذ يباع سعر البرازق والغريبة والمعمول المصنوع من السمن النباتي بين 800-1000 ليرة والبلورية بين 2000-2500 ليرة وسجلت المكسرات بأصنافها المختلفة ارتفاعاً جديداً بلغت نسبته 200% تقريباً، وبناء عليه تحتاج الأسرة وسطياً لأكثر من 35 ألفاً على مدار أربعة أيام.
أزمة فعلية
حرم تجار الأزمات عائلات كثيرة من عيش بهجة عيد الأضحى وسرقة فرحة الأطفال بلقائه، إذ يكلف شراء احتياجات العيد من المأكل والملبس عموماً قرابة مئة ألف بينما الراتب الشهري لا يتجاوز 25 ألف ليرة، فكيف يمكن الموازنة بين هذا الدخل المتآكل والغلاء الفاحش وفق رأي سلوى عدنان (ربة منزل) «التسوق من أجل شراء احتياجات العيد يشكل أزمة حقيقية حالياً بسبب الارتفاع غير المبرر وكأن المواطن تنقصه هموم إضافية أخرى، علماً أن هذا الواقع أجبرني على الاقتصار على الأساسيات كي لا أحرم أطفالي من الفرح بهذا العيد وضمان تقديم الضيافة للمعيدين».
بدورها اشتكت لميس خربطلي (عاملة) من أسعار السلع الكاوية، التي بات المستهلك يذهب للتفرج عليها من دون شرائها، مؤكدة محاولتها التخفيف من تداعيات الغلاء عبر إعداد الحلويات منزلياً وتحضير أطباق منخفضة التكاليف لكن بالرغم من ذلك بقى ارتفاع الأسعار مسيطراً ومطوقاً حياة السوريين من الجوانب كلها من دون أن يحرك الجهاز الرقابي ساكناً أو اتخاذ إجراءات أكثر فعالية تتماشى مع حجم الأزمة.
جشع التجار
مثلما حدث عند بدء الموسم الدراسي تكررت أزمة الغلاء في مناسبة عيد الأضحى المبارك بشكل تصاعدي غير مسوغ خاصة في أسعار الملابس والحلويات وفق رأي إياد أنيس محمد (الخبير الاقتصادي) الذي أرجع ذلك إلى عدة أسباب أولها ضعف دور الحكومة التدخلي في الأسعار الناجمة عن تحرير هذه الأسعار خلال السنوات العشر الماضية وتخليها عن أغلب صالاتها كاستثمار مباشر أو أنظمة تسمح للمؤسسات بالعمل كتاجر في السوق وإن كانت مؤسسة سندس حالياً بدأت بحملة تدخل جديدة في السوق ويضاف إلى ذلك ضعف الرقابة التموينية وضعف دور جمعية حماية المستهلك، كما أن سعر الدولار للمواد المستوردة يشكل 20% من مسببات ارتفاع الأسعار و20% تعود إلى تكاليف النقل المرتفعة بسبب غلاء أسعار المشتقات النفطية والترتيبات الأمنية على الطرقات، مضيفاً إن قلة المواد تؤدي إلى رفع أسعارها تلقائياً نتيجة ارتفاع الطلب مقابل العرض إلا أن طمع التجار المتعاظم مع استمرار الأزمة عبر الاستفادة من العوامل السابقة يبقى السبب الأبرز.