كشفت مصادر مطلعة في وزارة "التجارة الداخلية وحماية المستهلك"أن الوزارة بدأت إجراءاتها الفعلية بتقييد عدد من المواد والسلع وإلغاء تحرير أسعارها بعد أن وصلت إلى مؤشرات غير مسبوقة في الارتفاع، ويبدو أن الوزارة أصدرت مؤخراً قراراً ألغت بموجبه تحرير أسعار عشر سلع أساسية منها الشاي والبن والمياه الغازية والحلاوة وغيرها من السلع، وهي ماضية في هذه السياسة قدماً ليشمل إلغاء التحرير عشر سلع أخرى سيصدر بموجبها قرار خلال اليومين القادمين.
وأشارت المصادر بحسب صحيفة "الوطن" عن أن السلع التي يمكن أن يشملها القرار المنتظر هي الألبسة والمنظفات، وقالت إن سياسة إلغاء تحرير الأسعار ستشمل 80% من السلع الغذائية التي يحتاج إليها المواطنون في حياتهم المعيشية اليومية.
وعن الإجراءات التنفيذية الخاصة بتطبيق التقييد أشارت المصادر إلى أن التسعير سيتم من الوزارة على أساس الأسعار المكانية للسلع، مع التشدد في تطبيق قوانين حماية المستهلك والتشريعات الأخرى الناظمة لضبط الأسواق، مع العلم أن هذه القوانين أثبتت عدم فعاليتها خلال الأزمة التي تمر بها البلاد، فهي لم تستطع منع الغش والاحتكار ولم تتمكن من صنع طوق يضيق الخناق على التجار المتلاعبين.
ويبدو أن الوزارة في الوقت الراهن لا تمتلك الأدوات اللازمة للتحكم في الأسواق وضبط الأسعار، فكل ما هنالك مجموعة من القوانين التي حولت مراقب التموين إلى مجرد جابي أموال ينظم العقوبات التي لا تخرج عن نطاق دفع غرامة مالية تصل في أغلب الأحيان إلى 10 آلاف ليرة، فهل سياسة إلغاء تحرير الأسعار ستكون أداة فاعلة بيد التجارة الداخلية تضبط بها الأسعار وتوقف نزيف الاستغلال الذي يتعرض له المواطن بشكل يومي، علماً أنها قد تكون الأداة الأخيرة التي يمكن أن تتدخل بها في محاولة لإقناع الأوساط الشعبية بأنها تراقب ما يجري عن كثب للتغطية على محاولات حكم عليها بالفشل منذ أن خرجت الأسواق عن سيطرتها وسيطرة قوانينها.
وقد يبدو الاتجاه نحو إلغاء تحرير الأسعار غير مجد كما وصفه الباحث الاقتصادي عمار يوسف عندما علق على هذا التوجه في حديثه لـ«الوطن» إذ قال: هذه السياسة غير فاعلة على الإطلاق فالأسعار وصلت إلى مؤشرات غير مسبوقة وحالت دون السيطرة عليها عبر قوانين غير رادعة، مشيراً إلى أن أي سياسة ممكن أن تتبع لضبط الأسعار هي فاشلة ما لم يكن الاتجاه الحقيقي نحو تعديل قانون العقوبات التموينية لتصل إلى عقوبة السجن لجميع المخالفات التموينية وليس لبعضها، حيث إن التجارب أثبتت ذلك، فعندما ينظم ضبط بحق أحد التجار المخالفين فالعقوبة لا تتعدى دفع غرامة مالية هي في الحقيقة مخرجاً له من فعلته، فأياً كانت الغرامة التي سيدفعها فهي لا تشكل نسبة بسيطة من الأرباح التي يجنيها من مخالفته القوانين والأنظمة، فالأمر لا يتعلق بالأسعار فقط، بل يلجأ التجار في كثير من الأحيان إلى التلاعب بالمواصفة والأسعار تكون موحدة لجميع الأصناف، وهذا يشكل بدوره مصدر ربح فاحش للتاجر، فتعديل القوانين وجعلها صارمة أكثر هو الأداة الفاعلة التي تضع حداً لجشع واحتكار واستغلال التجار للمواطنين.
وقال د.يوسف: صحيح إن أسعار الصرف انخفضت إلى مؤشرات ربما كانت متوقعة نظراً لتحسن الوضع الأمني والسياسي، إلا أن ذلك لم يكن له أثر إلا على بعض السلع المستوردة التي تأتي عبر المرافئ وتسلك طرقاً آمنة للوصول إلى الأسواق الداخلية، فكيلو الموز أرخص من كيلو البطاطا، ذلك إن السلع المنتجة محلياً ليس لها علاقة بارتفاع أسعار الصرف وانخفاضها، على اعتبار أن تكاليف إنتاجها وإيصالها إلى الأسواق من مناطق الإنتاج التي تكون متوترة في أغلب الأحيان هو من يرفع أسعارها ومن ثم لا يمكن التعويل على انخفاض سعر صرف الدولار بانخفاض الأسعار للسلع المحلية.