السوق السوداء هي مصطلح يُطلق على كل التعاملات التجارية التي تتم ضمن حدودها الافتراضية بهدف تجنب القوانين السائدة و التشريعات التجارية.
و من الطبيعي أن تزداد أنشطة هذا النوع من الأسواق لتصل إلى معظم نواحي الحياة الاقتصادية عند تعرض البلاد لأزمات اقتصادية خانقة، و عندما يتم فرض حظر تعامل مع أي بلد من قبل بلاد أخرى.
و مع اشتداد الأزمة الاقتصادية التي تمر بها البلاد، و زيادة الانغلاق الاقتصادي الناجم عن العقوبات الاقتصادية الجائرة التي فرضتها دول الغرب على الاقتصاد السوري، و تدخل عدد كبير من المضاربين من داخل البلاد و خارجها لزعزعة الاستقرار الاقتصادي و العمل على تراجع القدرة الشرائية لليرة السورية، كل هذه العوامل و غيرها الكثير ساهمت في نشوء سوق سوداء للدولار الأمريكي في البلاد يتم فيه تداول الدولار الأمريكي بأسعار أعلى من الأسعار الرسمية و لكن ضمن شروط ميسرة عند رغبة أي فرد الحصول على دولار.
و على اعتبار أن الدولار الأمريكي يُعتبر من أهم الأسس المعتمدة لتقييم باقي العملات و السلع و الخدمات و كل مكونات الحياة الاقتصادية، فقيام المضاربين برفع سعر صرف الدولار الأمريكي مقابل الليرة السورية في السوق السوداء سوف تلعب دوراً كبيراً في خلخلة الاستقرار الاقتصادي و سوف تجعل التخبط في سياسات التسعير و البيع سيدة الموقف، و هنا لا بد لنا من إلقاء شيء من اللوم على المواطنين الذين ساهموا في نجاح هذه الخطة من دون أن يدرون من خلال المشاركة في عمليات السوق, بشرائهم الدولار أو اليورو من المنافذ الرسمية و إعادة بيعها بسعر أعلى في السوق السوداء لتحقيق أرباح تتمثل بفرق السعر بين السوقين النظامي و السوداء، إلا أنهم كانوا و بشكل غير مباشر يخفضون من قيمة الأموال التي يمتلكونها و يتاجرون بها في سوق العملات فكلما ارتفع سعر الصرف كلما قلت القدرة الشرائية لأموالهم و هم لا يحققون هذه الأرباح بامتلاكهم القطع و إنما تتحقق هذه الأرباح عندما يقومون ببيع القطع الذي بين أيديهم و تحويله إلى الليرة السورية التي كانوا قد ساهموا بشكل غير مباشر بتخفيض قيمتها مسبقاً.
و سوف نقوم بعرض تسلسل موجز لحركات سعر صرف الدولار الأمريكي في السوق السوداء خلال العام 2013.
بداية المشوار
حيث افتتح سعر صرف الدولار الأمريكي مقابل الليرة السورية في السوق السوداء مع بداية العام 2013 بمستويات قريبة من /94/ ليرة سورية (حيث كان سعر صرفه في بداية العام تتراوح بين /93-94/) و من الطبيعي أن يكون السعر في السوق السوداء يتراوح ضمن مجال ليرة أو ليرة و نصف صعوداً أو هبوطاً، و ذلك تبعاً للشخص طالب الكمية أو حسب حجم الكمية المشتراة أو حتى حسب الوقت الذي تتم فيها الصفقة، فصفقات بعد الظهر و المساء عادةً تكون بأسعار مرتفعة أكثر من أسعار الصباح و هذا قد يلعب دور كبير في إغلاق السعر عند مستويات مرتفعة في نهاية اليوم، و بقي سعر الصرف ضمن هذه المستويات خلال الشهر بالكامل حيث أغلق مع نهاية كانون الثاني عند سعر /94/ ليرة.
و من الملاحظ أن سعر الصرف استقر عند مستويات ال /94/ ليرة لفترة طويلة نسبياً وصلت حتى منتصف شهر شباط، إلا أنه بدأ بالارتفاع قليلاً خلال الثلث الأخير من شهر شباط ليصل إلى حدود /97/ ليرة، و يبقى عند هذا المستوى حتى بداية شهر آذار.
دخول المضاربين
مع بداية شهر آذار افتتح سعر صرف الدولار الأمريكي كما هو عليه في نهاية شباط بحدود /97/ ليرة سورية للدولار الواحد، إلا أنه و بعد مرور يوم أو يومين بدأ بالارتفاع بشكل تدريجي ليتجاوز و لأول مرة قيمة المئة ليرة سورية في الأسبوع الثاني من شهر آذار، ليسجل نسبة زيادة مئة بالمئة عند هذه المرحلة مقارنةً مع سعر صرف الدولار لفترات طويلة و البالغ /50/ ليرة سورية، و عند هذه المستويات بدأت رحلة الصعود لسعر صرف الدولار الأمريكي، و أصبح سعر الصرف عند مستوى المئة ليرة حلم صعب التحقق.
فبعد أن تجاوز سعر الصرف قيمة المئة ليرة سورية بدأ بتسجيل زيادات متسارعة ليصل إلى مستويات /115/ ليرة سورية مع نهاية شهر آذار، و مع بداية نيسان تجاوز سعر الصرف ال /120/ ليرة سورية ليعود قليلاً إلى مستويات أدنى و لكنها لم تقل عن /110/ ليرة سورية و في الثلث الأخير من شهر نيسان عاد سعر الصرف ليتجاوز و بقوة حدود /120/ ليرة سورية ليغلق بشكل مفاجئ مع نهاية شهر نيسان عند حدود /132/ ليرة سورية فيكون قد بدأ بتجاوز حدود ال /130/ ليرة مع نهاية شهر نيسان.
و خلال الثلث الأول من شهر أيار بقي سعر الصرف ضمن حدود /130-139/ ليرة ليتجاوز حدود ال /140/ ليرة في منتصف شهر أيار، و لكن من الملفت للنظر أن سعر الصرف لم ينتظر طويلاً حتى تجاوز حدود /150/ ليرة بتاريخ 17/05/2013 ليسجل /152/ ليرة سورية و من ثم عاد ليتراجع إلى مستويات ال /140-149/ ليرة إلا أنه آثر أن يغلق عمليات شهر أيار عن مستوى /152/ ليرة.
الصعود الكبير
افتتح شهر حزيران تعاملات سعر صرف الدولار الأمريكي مقابل الليرة السورية في السوق السوداء عند /151/ ليرة سورية ليبقى عند مستويات /150-159/ و ليصل إلى /160/ مع بداية الثلث الثاني من حزيران و ليشهد السعر فيما بعد صعوداً سريعاً ليسجل /175/ بعد أربعة أيام (أي عند منتصف شهر حزيران) و ليغلق في اليوم الذي يليه عند مستوى /181/ ليرة و ليكسر حاجز المئتي ليرة بتاريخ 17/06/2013، و عندها يكون الدولار الأمريكي قد حقق سعراً مرتفع جداً و لم يشهد له التاريخ مثيل.
بعد هذا الارتفاع الكبير و تجاوز قيمة المئتي ليرة تراجع السعر قليلاً ليصل إلى حدود /182/ ليرة إلا أنه تابع مسيرته في الارتفاع ليصل إلى /212/ مع نهاية شهر حزيران، ليكون شهر حزيران هو الشهر الذي شهد أعتى الارتفاعات في سعر صرف الدولار في السوق السوداء و خاصةً في نهايته، و هذا الارتفاع الكبير قد رسم آنذاك مؤشراً كبيراً لاحتمالية الاستمرار في ارتفاع سعر الصرف و تجاوزه لمستويات لم تخطر على بال أحد، و هنا أدرك المتعاملون في سوق الصرافة النظامية و السوداء حجم الضغط الكبير المستخدم من قبل المضاربين لرفع سعر صرف الدولار الأمريكي في السوق السوداء لمستويات مرتفعة جداً.
مستويات غير مسبوقة
و مع بداية شهر تموز استمرت الارتفاعات و بشكل كبير لتسجل أعلى ارتفاع و أكبر قيمة لسعر الصرف في السوق السوداء بتاريخ سورية يوم الثلاثاء الذي أصبح مشؤوماً و سيبقى ذكرى في بال السوريين، عند تسجيله قيمة /310/ بتاريخ 09/07/2013.
هنا تنبهت الحكومة و بشكل كبير إلى ضرورة تدخلها و بشكل فعال و جدي لحل هذه الأزمة فعملت في البداية على محاولات لتخفيض السعر إلى حدود /200/ ليرة خلال الأسبوع الذي تلا الثلاثاء الأسود لكي لا يعود السعر و يتجاوز قيمة /300/ ليرة سورية من جديد، و قد استطاعت جهود الحكومة لأن تصل بسعر صرف الدولار الأمريكي في السوق السوداء إلى /185/ ليرة سورية مع بداية الثلث الثالث من شهر تموز إلا أن حركات الارتفاع ضغطت من جديد و بشدة على سعر الصرف ليغلق عند /210/ ليرة سورية مع نهاية شهر تموز.
طريق العودة
افتتح سعر صرف الدولار في السوق السوداء مع بداية شهر آب عند /210/ ليرة سورية و تراجع في الأيام التالية لذلك ليصل إلى /205/ ليرة و يبقى عند هذا السعر لفترة جيدة و من ثم ليتراجع إلى /200/ ليرة مع منتصف شهر آب و ليتابع التراجع إلى /185/ ليرة مع بداية الثلث الثالث من شهر آب ليعود و يبدأ برحلة الارتفاع المفاجئة ليغلق عند /240/ ليرة في نهاية شهر آب بعد مروره بقيمة /285/ ليرة في 28/08/2013، و هنا و مع تسجيل آب لأعلى سعر إغلاق شهري خلال العام 2013 كنا أمام المحاولة الأخيرة من قبل المضاربين لرفع السعر قبل قيام المركزي باتخاذ خطواته، إلا أن قيام الخطوات المتخذة من قبل الجهات الرسمية لتخفيض سعر الصرف جاءت دون تحقيق المضاربين لآمالهم برفع السعر من جديد.
أيلول الأبيض
و بعد سلسلة الارتفاعات السابقة، جاء شهر أيلول ليكلل عمل و أداء الحكومة و سلطة مصرف سورية المركزي بالنجاح.
حيث شهد شهر أيلول تراجعاً لسعر الصرف و بشكل تدريجي ليغلق عند مستوى /168/ ليرة سورية مع نهاية أيلول على الرغم من أنه كان بتاريخ 29/09/2013 عند حدود /188/ ليرة سورية.
جني الثمار
و قد جاء شهر تشرين الأول ليثبت نجاح السلطات المختصة بجني ثمار خطواتها المتنوعة للمحافظة على سعر دولار مستقر، حيث افتتح سعر الصرف فيه عند /175/ ليرة سورية و أغلق عند /161/ ليرة و قد تميز سعر الصرف في شهر تشرين الأول بوجود ذبذبات صغيرة في الارتفاع ليصل إلى /184/ ليرة كأعلى سعر له خلال ذلك الشهر، بالإضافة إلى وجود تراجع ممنهج ليصل إلى هذا السعر المنخفض نسبياً مع نهاية تشرين الأول.
الآن و مع بداية شهر تشرين الثاني الذي يمكننا أن نطلق عليه حتى الآن شهر الاستقرار و الانخفاض الكبير، فقد انخفض السعر ليغلق مع نهاية اليوم الأول من الشهر عند /160/ ليرة سورية و ليصل إلى /123/ ليرة مع نهاية اليوم الرابع منه ليعود و يرتد إلى /148/ ليرة مع نهاية الأسبوع.
و من الطبيعي أن يرتد بهذا الشكل ليصل إلى /148/ ليرة و من ثم يعود و يستقر فيما بعد على أسعار أقل منها، بمعنى أن السعر بعد أن انخفض و بشكل كبير من /160/ ليرة كسعر افتتاحي و وصل إلى /123/ خلال أربعة أيام فلا بد له من أن يعود ليتربع قليلاً على مستوى مرتفع نسبياً ليعود و ينخفض بشكل منطقي و ممنهج أكثر و هذا الارتفاع و إعادة الانخفاض تعطي انطباع أفضل لكون هذا السعر سوف يكون هو السائد و ليس طفرة أو فقاعة ستبقى لأيام و يعود السعر بعدها للارتفاع.
وبذلك تكون الليرة السورية قد تراجعت مقابل الدولار بنسبة 59.57% منذ بداية العام ، حيث افتتح سعر الليرة مقابل الدولار لهذا العام عند 94 ليرة و أغلقت يوم الخميس الماضي 7/11/2013 عند 150 ليرة و بالتالي يكون سعر صرف الدولار الأمريكي في السوق السوداء قد حقق زيادة بقيمة /56/ ليرة خلال العام .
خطط المركزي
و بعد أن استعرضنا التسلسل التاريخي لسعر صرف الدولار في السوق السوداء خلال العام 2013 و كيف أنه ارتفع و بشكل كبير خلال الأشهر الأولى من العام نتيجة لدخول المضاربين و المتلاعبين بقيمة الليرة السورية لرفع سعر الصرف، و من ثم بدأ بالانخفاض التدريجي نتيجة اتخاذ مصرف سورية المركزي لإجراءات مختلفة و متنوعة للحد من هذا الارتفاع و المحافظة على سعر صرف شبه مستقر و عند مستويات مقبولة نسبياً، فهنا سوف نستعرض و بشكل سريع لخطة المركزي التي اعتمدها للحد من هذه الارتفاعات.
اتخذ مصرف سورية المركزي مشكوراً خطة عمل تهدف إلى وقف ارتفاع سعر صرف الدولار و تعمل على إعادته إلى مستويات منطقية و تحافظ على استقراره عند هذه المستويات، و لتحقيق هذه الأهداف رسم المصرف المركزي خطته على المدى متوسط الأجل ( تمتد لأشهر) و ليس من خلال اتخاذ إجراءات آنية ترمي إلى خفض الدولار لفترة ليعود و يرتفع فيما بعد.
و قد اعتمدت هذه الخطة على ثلاثة أسس، هي:
• ضبط عمليات الاستيراد.
• ملاحقة المضاربين في السوق.
• التدخل المباشر من خلال بيع كميات من القطع للمواطنين.
فقد قام مصرف سورية المركزي عدة مرات بالتدخل المباشر لبيع القطع الأجنبي لمؤسسات الصرافة النظامية و المرخصة، بهدف قيام هذه المؤسسات بإعادة بيعها للمواطنين بهامش ربح يبلغ حوالي ليرة أو ليرة و نصف يعود لهذه المؤسسات.
و قد نجح المصرف المركزي و بشكل كبير في تلبية احتياجات السوق من القطع بهذه الطريقة، و من الملاحظ أنه في الطروحات الأخيرة للمركزي لبيع القطع لم تقدم أي شركة صرافة طلب شراء للقطع المخطط إعادة بيعه للمواطنين كدليل على أن السوق قد أُشبع حالياً بالقطع الأجنبي و لا يحتاج إلى كمية جديدة.
بمعنى أن المصرف المركزي بهذه الطريقة قد زاد الكمية المعروضة من القطع الأجنبي في السوق و بشكل كبير لمواجهة الطلب الذي كان كبير نسبياً إلا أنه بدأ بالانحسار في الفترات الأخيرة مما جعل المعروض من القطع أكبر من المطلوب الأمر الذي ساهم في تراجع سعر صرف الدولار الأمريكي في السوق السوداء.
أما من ناحية تمويل المستوردات، فقد قام المصرف المركزي في البداية بإيقاف تمويل المستوردات مؤقتاً لإعادة دراسة طلبات تمويل الاستيراد لمعرفة بعض حالات تمويل الاستيراد الوهمية و التي تهدف إلى الحصول على القطع بالأسعار النظامية و إعادة بيعها في السوق السوداء لتحقيق بعض الأرباح و انعكاس ذلك على ارتفاع في سعر الصرف في السوق السوداء، إلا أنه و بعد فترة من دراسة الطلبات عاد و استمر في تمويل عمليات استيراد المواد الأساسية عن طريق المصارف العاملة في سورية.
و نتيجة قيامه بدراسة طلبات التمويل هذه فقد أصدر أسماء التجار الذين خالفوا أنظمة القطع الأجنبي من حيث حصولهم على تمويل لاستيراد سلع و بضائع متنوعة، و لم يقوموا باستيرادها و لم يقدموا أية بيانات جمركية تثبت أنهم أدخلوا تلك السلع إلى البلاد.
و لضمان نجاح خطته في تمويل الاستيراد فقد قام المصرف المركزي بالبحث عن شركاء حقيقيين لعملية الاستيراد، فقد تم وضع خطة عمل بين وزارة الاقتصاد ( الجهة المخولة بمنح إجازات الاستيراد) و بين المصرف المركزي (الجهة التي تمول المستوردات)، و تقوم خطة العمل هذه على قيام وزارة الاقتصاد بتحديد أولويات الاستيراد من السلع و المواد الأساسية و ذلك بناءً على حاجة الأسواق المحلية، و يقوم المصرف المركزي بتمويل هذه المستوردات التي قامت وزارة الاقتصاد بالموافقة عليها حسب حاجات الأسواق و الاقتصاد.
و ترافقت هذه الإجراءات مع حملة تطهير واسعة لأسواق الصرافة في جميع المحافظات، حيث تمت متابعة و ملاحقة عدد كبير من الصرافين غير الرسميين الذين يتلاعبون بسوق الصرف في سورية حيث تم ضبطهم متلبسين في جرم التعامل بالقطع الأجنبي من دون وجود رخص لذلك لتقديمهم إلى الجهات المختصة، كذلك الأمر فقد تم ضبط عدد من المخالفات المرتكبة من قبل مؤسسات صرافة مرخصة و عاملة في القطر و تم إغلاق بعض هذه المؤسسات و تقديم الأشخاص المسؤولين عنها للعدالة لينالوا جزائهم.
و قد كُللت هذه الإجراءات بصدور المرسوم رقم 54 لعام 2013 و الذي يُمنع بموجبه التعامل بغير الليرة السورية، كوسيلة للمدفوعات أو أي نوع من أنواع التداول التجاري أو التسديدات النقدية، وسواء كان ذلك بالقطع الأجنبي أو بالمعادن الثمينة, و ذلك بهدف إيقاف محاولات العديد من التجار من دولرة الاقتصاد السوري.
حيث جاء في المرسوم أنه يُعاقب بالحبس كل من يتعامل بغير الليرة السورية كوسيلة للمدفوعات من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات والغرامة المالية بما يعادل مثلي قيمة المدفوعات أو المبلغ المتعامل به أو المسدد أو الخدمات أو السلع المعروضة على ألا تقل عن مئة ألف ليرة سورية أو بإحدى هاتين العقوبتين، و تكون العقوبة الأشغال الشاقة المؤقتة من ثلاث إلى عشر سنوات و الغرامة المالية بما يعادل مثلي قيمة المدفوعات أو المبلغ المتعامل به أو المسدد على ألا تقل عن مليون ليرة سورية، إذا كان المبلغ المتعامل به أو المسدد خمسة آلاف دولار فأكثر أو ما يعادله من العملات الأجنبية الأخرى أو المعادن الثمينة.
نبض الشارع و مطالب محقة
لدى متابعتنا لصدى هذه الانخفاضات و بسؤالنا عدد من الأشخاص حول رأيهم بانخفاض سعر صرف الدولار في السوق السوداء نلاحظ انقسام آراء هؤلاء الأشخاص بين مصدق و آخر مشكك.
فهناك من شكك بصدق و موضوعية هذا الانخفاض و بأننا نراه فقط على شاشات التلفاز و أخبار الصحف و أضافوا بأنه على الرغم مما نسمعه من أخبار عن انخفاض سعر الصرف إلا أنهم متأكدون من عدم قدرتهم على شراء القطع الأجنبي إذا أرادوا ذلك إما لعدم وجوده فعلياً أو لوجود شروط تعجيزية على حد زعمهم تحول دون حصولهم على القطع، إلا أن جزء كبير من الأشخاص قد عبروا عن سرورهم بالأخبار التي سمعوها عن انخفاض سعر صرف الدولار الأمريكي و أكدوا بأنهم كانوا ينتظرون مثل هذه النتائج بعد قيام السلطات المختصة باتخاذ الإجراءات اللازمة للحد من الارتفاع.
إلا أنهم جميعاً مشككون و مصدقون لهذا الخبر قد اتفقوا على ضرورة انعكاس هذه الانخفاضات في سعر صرف الدولار على أسعار السلع و البضائع على مختلف أنواعها في الأسواق، و بأن ما تم يمثل خطوة أولى من النتائج و لا بد أن يلحق هذا الانخفاض إعادة تسعير للسلع و المواد الأساسية في المستقبل القريب.
الآن و بعد نجاح المصرف المركزي بمهمته في عودة سعر صرف الدولار لمستويات منطقية و معقولة نسبياً، فلا بد من قيام جهات أخرى كوزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك بدورها في ضبط الأسعار و عدم التهاون بجشع التجار و العمل على استقرار الأسعار في الأسواق المحلية و لا سيما مع انخفاض سعر الصرف الذي كان ذريعة كبيرة للتجار لكي يقوموا برفع أسعار السلع بشكل كبير.
حال الأسواق
عند قيامنا بجولة سريعة على بعض أسواق دمشق لمعرفة أثر انخفاض سعر صرف الدولار على أسعار البضائع و السلع، لاحظنا عدم تأثر الأسعار بشكل كبير بعد.
فأسعار السلع الغذائية الأساسية كالسكر و الأرز و الشاي و خلافه بقيت كما هي باستثناء انخفاض صغير قد طرأ على أسعار بعض أنواع الزيوت و الزبدة المستوردة، أما عن أسعار الخضار و الفواكه و طفرة صعود أسعارها فإنها لم تتوقف على الإطلاق بل بقيت أسعار الخضار و الفواكه في مستوياتها المرتفعة على اعتبار أن أسباب ارتفاعها كانت و ما تزال تتعلق و بشكل رئيسي بارتفاع تكاليف النقل و صعوبة إيصالها للمدن و لا علاقة لها بارتفاع أو انخفاض سعر صرف الدولار، أما فيما يتعلق بأسعار أجهزة الجوال على سبيل المثال فمن الملاحظ وجود إحجام من قبل تجار هذا القطاع عن البيع و عدم قيامهم بتسعير الأجهزة بأي عملة، و عند محاولاتنا الاستفسار عن أسعار بعض الأجهزة كان سؤالهم الأساسي عن الرغبة الحقيقية لدينا في الشراء و عند شعورهم بعدم الرغبة بالشراء رفض الكثير منهم أن يسعر الأجهزة في الوقت الحالي متذرعاً بأن سعر الدولار وهمي واعداً إيانا أن يقوم بالبيع بشكل جدي مع بداية الأسبوع القادم، في حين أن بعضهم تذرع بأن المورد الرئيسي لهذه الأجهزة قد توقف عن تسليمه أجهزة جديدة منذ بداية الأسبوع مع بدء بوادر انخفاض سعر صرف الدولار.
إذاً يمكننا القول بأن حالة شبه جمود ضربت بعد قطاعات الاقتصاد نتيجة للانخفاض الكبير في أسعار صرف الدولار، الأمر الذي جعل عدد كبير من التجار يتريثون في البيع ريثما تتضح الصورة بشكل أفضل و لا سيما أنهم كانوا قد قاموا بشراء جزء كبير من البضاعة المتواجدة لديهم بأسعار مرتفعة نسبياً تجعل الكثير منهم يبيع بخسارة في حال قام بالتسعير وفقاً لأسعار الصرف الجديدة، و إذا استمر الانخفاض بهذا الشكل فإنهم سوف يكونوا أما خيارين لا ثالث لهما: الأول عدم البيع و الانتظار على أمل عودة سعر الصرف للارتفاع، و الثاني أن يقوموا بالبيع بسعر التكلفة أو حتى بخسارة.
و في نهاية المطاف و بناءً على ما سبق ذكره، يمكننا القول بأن قيام مصرف سورية المركزي بوضع خطة محكمة للحد من تلاعب المضاربين بسعر صرف الدولار الأمريكي و ما إلى ذلك من عملات أجنبية قد أعطى نتائجه بشكل إيجابي و بقيت أسعار الصرف ضمن الحدود المعقولة، إلا أن شعور التجار بقدوم هذا اليوم قد جعلهم يبتعدون قليلاً في الفترات الأخيرة عن ربط أسعارهم بالدولار بشكل كبير لتوخي مثل هذه الأزمات و أصبحوا يسعرون بناءً على أسعار وهمية أو أسباب واهية في كثير من الأحيان، و هنا و ضمن هذه المرحلة لا بد من قيام الجهات المختصة بمتابعة سياسات التسعير و البيع لدى التجار للحد من التلاعب و ضبط الأسواق و الأسعار.
إلا أننا نتساءل بيننا و بين أنفسنا، و على اعتبار أن سعر صرف أي عملة أجنبية مقابل العملة الوطنية يعكس و بشكل كبير قوة الاقتصاد المحلي و مدى تنوع مصادر دخله و أمواله، و بعد أن عانى الاقتصاد السوري و ما يزال يعاني من الأزمة التي يمر بها و أضرارها الكبيرة على البنية الاقتصادية للبلد، فهل ما تبقى من دعائم للاقتصاد السوري تكفي لأن يكون سعر صرف الدولار الأمريكي مقابل الليرة السورية ب/125/ ليرة كما يتوقع الكثير من المحللين؟
نضع هذا السؤال الرئيسي بين أيدي متخذي القرار و صناع السياسات في البلد.