تكشف مصادر جمركية في منطقة المصنع الحدودية أن المعاملات والبيانات الجمركية منذ بداية العام 2013 وحتى الأوّل من تشرين الأول الماضي، بلغت 6 آلاف و774 معاملة، بتراجع 11 ألفًا و826 معاملة، ما نسبته 63.58 في المئة، وذلك مقارنةً مع الفترة نفسها من العام 2011، حيث بلغ حجم البيانات الجمركية أكثر من 18 ألفًا و600.
أما معاملات التصدير فبلغت خلال الأشهر التسعة الأولى من العام الجاري، 15 ألفًا و630 معاملة، بتراجع تجاوز الـ5 آلاف معاملة، مقارنة مع الفترة نفسها من العام 2011، فيما بلغ عدد معاملات إعادة التصدير والدخول المؤقت 158 معاملة فقط، علما أن التصدير البري ينحصر أغلبه اليوم، عبر معبر المصنع الحدودي.
في المقابل، سجل العام 2011 إجراء ما يزيد عن 20 ألف بيان جمركي مصدَّر من لبنان باتجاه الدول العربية وسواها، يضاف إليها 934 معاملة تعرف بالـ«إدخال المؤقت وإعادة التصدير»، علماً أن معظم هذه المعاملات كانت تعود إلى سيارات سياحية عربية دخلت إلى لبنان ثم أعيد إخراجها، ما يؤشر إلى حركة سياحية عربية جيّدة، في العام 2011.
أما في العام 2012، حين بدأ تأثير الأحداث السورية يتفاقم على حركة الشحن عند معبر المصنع الذي تحوّل إلى المعبر البري الوحيد بين لبنان وسوريا، بعد إقفال المعابر الشمالية في العبودية والعريضة والقاع، فبدأ مسلسل التراجع في حركة الشحن البري، إذ انخفض عدد معاملات إعادة التصدير والدخول المؤقت إلى حدود 650 معاملة. كما انخفض عدد معاملات الاستيراد إلى 15 ألفًا و134 معاملة، مقارنةً مع العام 2011، فيما ارتفعت حركة التصدير التي وصلت إلى حدود 23 ألف معاملة، بسبب إقفال المعابر البرية الأخرى في لبنان، وحصر الشحن البري في المصنع.
«نريد العجقة وازدحام الشاحنات والبرادات، والتعب مع السائقين والمخلصين»، صرخة عفوية يطلقها أحد العاملين في مكاتب التخليص الجمركي عند منطقة المصنع الحدودية، أمام ما تشهده المنطقة من هدوء وجمود قاتلين يلفان الطريق الدولية، حيث الساحات الجمركية شبه فارغة من البرادات والشاحنات، فيما كانت قبل الأحداث السورية، عنواناً يومياً لعشرات شكاوى السائقين والمخلصين الجمركيين، بسبب ضيقها وصغر حجمها، وعجزها عن استيعاب الشاحنات المتدفقة التي كانت تصطف على طول الطريق الدولية، في مشهد لم يعد مألوفاً الآن.
يمكن القول، إنه بعد أكثر من سنتين ونصف السنة على الأحداث السورية، أصبح معبر المصنع يتصدر قائمة المتضررين منها، ويمكن اعتبار المنطقة الحدودية الشرقية والمنطقة الصناعية في البقاع من أكثر المناطق خسارة وتضرراً من جراء تداعيات الأزمة السورية، لا سيما الطريق البرية بين البلدين التي باتت أشبه بـ«طريق أشباح»، بفعل الخوف المتعاظم من جراء الاعتداءات المستمرة على العابرين، خصوصا على الطريق الدولية السورية التي تمتد من جديدة يابوس إلى الحدود السورية الأردنية عند معبر النصيب الذي يُعدّ الشريان الاقتصادي الأساسي لأكثر من 90 في المئة من القوافل البرية الآتية من العالم العربي باتجاه لبنان.
يرتضي العاملون في منطقة المصنع بـ«قضاء الله وقدره» نتيجة تأثير الموضوع السوري في الوضع، لكنهم لا يستطيعون تحمل بعض الإجراءات الإدارية التي يعود سببها إلى غياب الكادر الإداري الأصيل في الإدارة الجمركية، إذ باتت غالبية موظفيها بالإنابة أو بالوكالة، وكل إداري أضيفت إلى مهامه الأساسية، مهام إدارية بالإنابة أو بالتكليف.
في موازاة ذلك، يزيد غياب المراكز المخبرية عن منطقة المصنع الحدودية، الأعباء المالية التي يعمل حالياً مخلّصون على خفضها لاستمرار عملهم وتوفير انسياب أكبر عدد ممكن من الشاحنات، إلا أن المشكلة تتمثل في «معهد البحوث الصناعية» الذي يعتبره مخلّص «مقبرة مؤقتة لعشرات البيانات الجمركية التي تحتجز لأيام وأيام، يدفع التاجر ثمنها، إضافةً إلى خسارة الوقت الضائع في تصريف السلع». والأخطر من ذلك، ما يردده بعض المخلصين الذين يتشاركون في الشكوى من أحد العاملين في المعهد الذي «يبتزنا» وفق تعبير أحدهم، و«إن لم نرضخ له يتأخر خروج الشاحنة لأيام تصل فترتها الزمنية في بعض الأوقات إلى أكثر من عشرة أيام».
لا أحد في المصنع يطلب من الدولة اللبنانية حلّ معضلة الطريق الدولية السورية التي تبدو عصية على كل الإجراءات، إنما يطالب السائقون «بإجراءات تسهيلية عبر هذا المعبر البري الوحيد حالياً، لما تبقى من حركة شحن برية، وفي مقدمة هذه الإجراءات تجهيز المنطقة الحدودية بمختبرات تعمل على تسريع مسار المعاملات، لا سيما المتعلقة منها بمعهد البحوث الصناعية».
الأزمة الأسوأ
يعتبر المخلص الجمركي عبد اللطيف عبد الفتاح أن الأزمة التي يشهدها المعبر، تعد الأسوأ في تاريخه، إذ يعود عمره إلى حقبة الأربعينيات، موضحاً لـ«السفير» أن «سبب الأزمة الحدودية الخوف والإشكالات المتلاحقة على طول خط العبور البري، على الرغم من الإصرار الرسمي للنأي بهذه الطريق والشحن البري عن الإشكالات الأمنية».
ويلحظ أنه «لم يسجَّل عند معبر المصنع أي خلل إداري أو قانوني»، مضيفاً «على الرغم من تردي الوضعين الأمني والسياسي، إلا أن منطقة المصنع ومعبرها لا يزالان ملتزمين القوانين المرعية الإجراء في ظل رقابة شديدة نظراً للظروف الأمنية في سوريا».
إلى الشحن البحري
يترافق ارتفاع كلفة الشحن البري مع الإشكالات الأمنية المتلاحقة، وما تلاها من إقفال للطريق البرية أكثر من مرّة، ما دفع عشرات التجّار والمخلصين الجمركيّين إلى اعتماد الشحن البحري الذي ارتفع عدد معاملاته الجمركية، وفق ما يقول المخلص الجمركي جاد حمزة، «مقابل تراجع حركة الشحن البري التي لم تعد آمنة ومكلفة أيضًا».
يشير حمزة إلى أن «كلفة الشحن البري تضاعفت كثيراً منذ بداية الأزمة السورية إلى اليوم، بدءاً من أجور السائقين التي ارتفعت من حدود 5 آلاف و500 ريال سعودي (حوالي 1500 دولار) إلى ما يتجاوز 15 ألف ريال (حوالي 4 آلاف دولار)، كما أن شركات التأمين ضاعفت رسومها المالية، فيما لم تقدِم على تأمين الشاحنات تأمينًا كاملاً، ما دفع عشرات المصدّرين إلى الإحجام عن إرسال قوافلهم عبر البر، ما ألزم المصدّرين بالتوجه صوب الشحن البحري».
يسرد سائقون مآسيهم المستمرّة منذ بداية الأحداث، إذ تعرّضت شاحنات وبرّادات عدة إلى حوادث أمنية وعمليات سلب وابتزاز، وان تراجعت وتيرتها مؤخراً بعد سيطرة النظام السوري على أغلب الطرق البرية الدولية، خصوصاً طريق درعا.
وإذ يرون أن «حركة التصدير والاستيراد شبه جامدة»، يقولون إن «معظم التجّار يحجمون عن التصدير والاستيراد عبر الطريق البرية السورية، لا سيما الممتدة من الحدود الأردنية وصولاً إلى دمشق جراء الإشكالات الأمنية المتلاحقة، بحيث انحصر العبور على هذه الطريق بشاحنات تنقل خضاراً وفاكهةً، وبعض السلع الصناعية الأخرى المعدودة التي لا يمكن الاستفادة من سلبها».
المصدر: السفير اللبنانية