انتشرت خلال الفترة الأخيرة محلات لبيع البالة بشكل واسع في مدينة طرطوس ولم تتوقف محلات بيع البالة على مراكز المدن (كما كانت عليه سابقاً) بل اتسعت لتشملَ الأرياف أيضاً، وتجاوز عددها العشرات لا بل المئات فأينما اتجهت في قرى المحافظة تشاهد محلات لبيع البالة والألبسة المستعملة «القديمة»
مرمية على الأرض، على الرغم من وجود قرار صادر عن وزارة الاقتصاد والذي يمنع بموجبه استيراد البالة ومع ذلك وتحت ضغط الحاجة للعمل وكونها أصبحت موضة الأغنياء وسترة الفقراء لذلك تشهد أسواق وأحياء وقرى المحافظة ازدهاراً كبيراً في بيع البالة، والأسئلة التي تطرح نفسها الآن، هل الضائقة الاقتصادية التي تمر فيها البلاد وراء الازدياد الكبير لمحلات بيع الألبسة المستعملة، ومن هم رواد البالة هل فعلاً الفقراء كما نسمع، أم غيرهم؟!
في أحد المحلات لبيع البالة المستعملة سألنا سيدة تشتري لأولادها الصغار من البالة عن سبب شرائها من البالة بدلاً من أن تشتري لهم ألبسة جديدة فأجابت أستطيع الشراء لجميع أبنائي عندما أشتري من البالة والقطعة في البالة مميزة لكونها أوروبية الصنع، بينما لا تستطيع ذلك عندما تشتري ألبسة جديدة، فألبسة البالة جميلة وأشكالها متنوعة َإضافة لكونها رخيصة الثمن، ويستطيع الزبون شراء ما يناسبه.
البائع منيف أبو حمزة المعروف «صاحب محل عشتار» قال: ليست جميع الألبسة المعروفة باسم البالة قديمة ومستعملة، فهناك أصناف من البالة تكون جديدة وغير ملبوسة وهي عبارة عن تصفية مولات أو شركات عالمية وهذه الأنواع تكون جديدة ومعبأة ضمن الكرتون وعليها ماركتها وتسعيرتها، وأضاف أبو حمزة تأتينا البضاعة عن طريق التهريب، وهناك أناس معنيون ومختصون يقومون بهذا العمل بنقلها من الحدود اللبنانية – السوريّة – ودفع قيمتها ونقوم كتجار بشرائها عن طريق هذا الوسيط وندفع له ثمنها ضمن المحافظة 0
وأوضح أبو حمزة أن للبالة درجات من حيث نظافتها، توجد أصناف من البالة تصلنا ضمن الكرتونة لها وهذا النوع جديد حيث ترسل إلى الدول العربية، حيث يقوم التجار العرب بتجميعها في مكابس أوروبا وبلجيكا، ومن ثم يتم فرزها على درجات ليتم إرسالها عن طريق التجار إلى الدول المطلوبة لها، وأكد البائع أبو حمزة أن دول الجوار تقوم بشراء البالة بطريقة نظامية – استيراد نظامي – بينما يقوم هؤلاء التجار المستوردون للبالة باستغلال الوضع في سورية منذ القديم لكونها دولة مجاورة ومستهلكة بشكل كبير للبالة، وبيعها لتجار سوريين عن طرق غير رسمية «التهريب» وبأسعار مرتفعة، وطالب أبو حمزة الدولة إما منعها من الدخول إلى سوريّة نهائياً، وإما السماح باستيرادها بشكل نظامي وهو الأفضل لنا وللدولة وللمواطنين ولاقتصاد البلد، وأشار البائع إلى أن هناك أموالاً كثيرة تضيع للخزينة العامة للدولة وعلى المواطنين بسبب عدم استيرادها بشكل نظامي وتساءل التاجر أبو حمزة لماذا لا يتم استيرادها بشكل نظامي أسوة بدول الجوار.؟
ولماذا تقوم بعض الأجهزة المختصة بملاحقة تجار الجملة على الحدود بدلاً من ملاحقة التجار الصغار الذين يبيعون البالة للمواطنين.؟
وأكد البائع أبو حمزة أنه لو أدخلت البالة بطريقة نظامية لكانت الأسعار أقل على المواطن، لأن هناك أموالاً كثيرة تدفع من قبل أصحاب المحلات للسماسرة والتجار وأجور نقل، حيث ندفع على سبيل المثال كأجور نقل على الحدود – من الدبوسة إلى مدينة طرطوس – أكثر من عشرة آلاف ليرة سوريّة، وتساءل لماذا لا تعترف الدولة بوجودها على الرغم من أنها موجودة فعلاً على أرض الواقع منذ أربعينيات القرن الماضي ، وهي موجودة بطريقة التهريب إضافة إلى التلاعب بسعر صرف الدولار حيث يستغل تاجر المهنة من قبل تجار الحدود ويستغلون المواطن السوريّ والظرف الاستثنائي للبلد.
أشار البائع مؤيد إلى أن الفرق كبير بين أسعار الألبسة الجديدة والمستعملة حيث يصل هذا الفرق لأكثر من 500% في بعض الأحيان لذا تجد المواطنين مضطرين للشراء من البالة، حيث يباع المعطف (الكبوت) النسائي من نوع جوخ مطري بسعر /2000 – 3500/ ليرة كما تباع الجاكيت المطرية العادية بسعر /2000 – 3000/ ليرة، بينما تصل أسعارها إذا كانت جديدة إلى /10- 15/ ألف ليرة، وتباع الجاكيت الرجالية بسعر بين /2500- 4000/ ليرة، بينما تصل أسعارها في الأسواق الجديدة لأكثر من عشرة آلاف ليرة، وتبقى المستعملة مرغوبة أكثر لكونها ألبسة أوروبية وسوقها (ماشي).
أشار البائع مؤيد إلى أن الأسعار تحدد حسب نظافة البضاعة وجودتها ، فهناك الصنف الأوّل والثاني – المعروف لدى تجار البالة بالكريم وسوبر كريم حيث نشتري الكيلو الواحد منه بسعر /1500/ ليرة، وأكد البائع مؤيد أن هناك إقبالاً كبيراً على شراء البالة في هذه الأيام ولجميع الطبقات الغنية والفقيرة معاً وهناك أصناف وأنواع تناسب الجميع وطالب مؤيد بضرورة تدخل الدولة واستيراد البالة بطرق نظامية كي تدخل الأموال التي تذهب للسماسرة والتجار إلى خزينة الدولة وجيوب المواطنين بدلاً من أن تذهب لبعض السماسرة والتجار.
قال البائع منيف - سوق الغمقة الغربية - إن زبائني من نوع خاص حيث أقوم بفرز البضاعة الأنواع الجيدة والجيدة جداً - التي تضاهي في جودتها الألبسة الجديدة - لأقوم ببيعها إلى زبائني وأضاف عن ارتفاع أسعار البالات فنحن نقوم بشرائها بالكيلو، حيث تباع بعض البالات بسعر/150/ ألف ليرة «نوعية التوب» وهي عبارة عن تصفية شركات عالمية ويكون وزنها بين /45 – 60/ كغ، والبضاعة التي يكون وزنها أقل تباع بين /30 – 40/ ألف ليرة سورية.
الدكتور محمد عمران دكتور واستشاري في الأمراض الجلدية في المحافظة حذر المواطنين من شراء البالة، وأكد ضرورة تعقيمها بشكل جيد قبل لبسها واستخدامها، وأضاف الدكتور عمران: إن البالة تحتوي على الأمراض المعدية مثل الفيروسات التي تنتقل عند تجريب الألبسة المستعملة والجديدة لاسيما الألبسة الداخلية، والأمراض الجلدية الأخرى التي تنتقل عن طريق البالة أيضاً – حسب رأي الدكتور عمران - الجرب والقمل والتّالول وغيرها، وأضاف كما تنتقل الفطور عن طريق الأحذية المستعملة، وأكد الدكتور عمران ضرورة غسيل وتعقيم الألبسة المستعملة قبل لبسها واستخدامها بشكل جيد وتعرضها لأشعة الشمس لعدة أيام مشيراً إلى أن البالة تحتاج إلى اهتمام ومراقبة خاصين من قبل الدولة والبائعين والموطنين أيضاً، ويجب اتخاذ الإجراءات الوقائية وغسلها بشكل جيد، وأضاف لا نستطيع القول للمواطن لا تشتر من البالة بسبب الضغط المادي والاقتصادي على المواطنين، فتجدهم مضطرين للشراء من البالة لكون أسعارها أقل من أسعار الألبسة الجديدة.
المحلات غير مرخصة
المهندس سامي محمد رئيس الدائرة الصحيّة في مجلس مدينة طرطوس قال: لا يتم الترخيص لمحلات بيع الألبسة المستعملة عن طريق المجلس، يصل عدد محلات البالة في طرطوس إلى الآلاف، وأضاف تنحصر مهمة مجلس المدينة بإصدار قرارات الإغلاق بحق أصحابها كونها محلات غير مرخصة.
وأضاف ضمن الظروف الحالية التي تعيشها البلاد فإننا نتساهل مع أصحاب هذه المحلات، حيث يوجد آلاف العائلات التي تعيش على هذه النوع من التجارة، وطالب المهندس محمد بضرورة تنظيم تجارة البالة وإدخالها إلى سورية بشكل نظامي.
50% رسوم الاستيراد
أكد مصدر مسؤول في مديرية الجمارك أن البالة ممنوعة من الدخول إلى القطر منذ سبعينيات القرن الماضي، ويأتـي قرار المنع من قبل وزارة الاقتصاد لأسباب اقتصادية وصحية، بغرض حماية الصناعة الوطنية، وأضاف المصدر المسؤول: لكن وبسبب الظروف الأمنية والسياسية التي تعيشها البلاد، وتدمير العدد الكبير من المنشآت الصناعية بسبب الأعمال الإرهابية التخريبية وحالات الاستغلال المادي التي يتعرض له المواطنون من قبل تجار الألبسة الجاهزة وضغط الحياة الاقتصادية، ووجود آلاف العائلات الفقيرة من أبناء المحافظة والوافدين من بقية المحافظات الأخرى يعملون بتجارة الألبسة المستعملة، مجموعة هذه الأسباب مجتمعة جعلتنا نتساهل مع العاملين بتجارة الألبسة المستعملة، وطالب المصدر المسؤول في مديرية الجمارك بضرورة إعطاء التراخيص النظامية للبالة، والسماح بإدخالها إلى القطر بشكل نظامي لأن الحاجة والواقع الحالي يقتضي ذلك، وإدخال رسوم استيراد على البالة تصل إلى نسبة 50% على الخزينة العامة للدولة، وهي تشكل رقماً كبيراً في الخزينة العامة للدولة تذهب إلى جيوب السماسرة والتجار على الحدود، وأكد المصدر المسؤول ضرورة تنظيم تجارة البالة، والسماح باستيرادها بشكل نظامي لتوفير الأموال على المواطنين وعلى الخزينة العامة للدولة.
المهندس عاطف أحمد معاون مدير تموين طرطوس قال: تبقى تجارة البالة غير مرخصة لأن القانون لم يسمح بترخيصها، وأضاف دورنا كمديرية تموين القيام بجولات ميدانية بين الفترة والأخرى، وتنظيم ضبوط عدلية، وعدم الإعلان عن السعر ونقص المواصفات، ليتم تحويل هذه الضبوط إلى المحكمة، ومن ثم المصالحة عليها من قبل أصحابها، وأضاف المهندس أحمد هناك آلاف العائلات التي تعيش على مهنة تجارة البالة، وهذه التجارة تحتاج إلى التنظيم والمراقبة من قبل الدولة.
المصدر: صحيفة تشرين الحكومية