مشروع سلسلة الرتب والرواتب الذي قدمته اللجنة النيابية الفرعية الى الامانة العامة للمجلس النيابي الاسبوع الماضي، لا يمكن أن يمر مرور الكرام، لأنه يحدّد مصير موظفي القطاع العام والهيئة التعليمية في لبنان، ولكنه يلامس أيضا مصالح كل اللبنانيين، على اعتبار انه يطاول المالية العامة. والسؤال، أين أصابت اللجنة وأين لم تصب، وهل ما جرى تقديمه من اقتراحات قابل للتطبيق من دون مخاطر على الاقتصاد؟
ما كان لافتا في تشكيلة اللجنة الفرعية التي تولت دراسة ملف سلسلة الرتب والرواتب الذي حوّلته الحكومة الى المجلس على عجل، انها مؤلفة من اربعة أعضاء، اثنان منهم لـ8 آذار واثنان لـ14 آذار، ويرئسها النائب ابراهيم كنعان. وتكون اللجنة بذلك، قد راعت التوازنات السياسية، وصار مسموحا لها أن تعمل وتتخذ قرارات.
وقد ظهر ذلك بوضوح من خلال حرص كنعان على التأكيد أن اللجنة عملت كفريق متجانس، وأن ما تضمنه التقرير الذي وضعته، وما أُرفق به من مستندات، كان نتيجة جهد مشترك من قبل جميع أعضاء اللجنة في الدرس والمناقشة، وفي تقديم الاقتراحات البديلة عند الحاجة.
هذا الموقف حرص كنعان على تمريره في أعقاب كلام لرئيس كتلة التغيير والاصلاح العماد ميشال عون تحدث فيه عن انجاز مشروع السلسلة من قبل اللجنة الفرعية، وكأنه انجاز يُسجل للتيار الوطني الحر، الأمرالذي أدّى الى لفت نظر من قبل اعضاء اللجنة لرئيسها الى ضرورة عدم تجيير المشروع الى فريق سياسي، لأن ما أنجز لا علاقة له بفريق سياسي محدّد، والا سيضطر الاعضاء الى اتخاذ موقف.
هذا من حيث الشكل.أما من ناحية المضمون، فان التقرير يتضمّن شقين. شقٌ يتعلق بالسلسلة وطرق تمويلها.
وشقٌ يتطرّق الى مظاهر الفساد وضرورة تطبيق الاصلاحات. ورغم ان الحديث عن الاصلاحات، يبقى مجرد تمنيات لا تقدّم أو تؤخّر، الا أن اعادة تسليط الضؤ على هذا الموضوع، قد يساعد على التوعية الى مخاطر ما يجري. على سبيل المثال، اطلعت اللجنة على تقديرات أولية للهدر المالي الذي يجري على مستوى تحصيل الرسوم الجمركية، جراء وجود ما يُعرف بالخطوط العسكرية التي يستخدمها حزب الله. وقد تبين ان وقف هذا الهدر الذي تفرضه حاليا قوى الامر الواقع، يمكن ان يوفر للخزينة ما لا يقل عن 750 مليار ليرة سنويا.
كذلك اطلعت اللجنة على الوضع في الادارات العامة لجهة الشغور في الوظائف، حيث تبين أن "عدد المراكز الشاغرة في كافة الفئات يبلغ 15344 وظيفة، من أصل 22029 وظيفة ملحوظة في الملاك الإداري العام، أي أن هناك 6685 وظيفة مشغولة فقط. بما يعني إن نسبة الشواغر في الملاك الإداري الدائم تبلغ تقريبا 70% ! كذلك تبين إن عدد الموظفين الموجودين في تنظيم قديم أو أُلغيت إدارتهم أو لم تلحظ وظائفهم في الملاكات الجديدة ولم تتم إعادة توزيعهم هو 1965 وظيفة.
وهنا، تُطرح اسئلة حول المصلحة في ملء هذه الشواغر، ما دام الفساد مستشريا. لأن مثل هذا المشروع يسمح للأطراف السياسية باقتسام جبنة التوظيف، ويرفع كلفة القطاع العام الى مستويات قياسية، من دون وجود اية ضمانة بزيادة الانتاجية. وبالتالي، قد لا تكون التوصية في ملء الشواغر في محلها، الا اذا جاءت مقرونة بالتنفيذ بعد انجاز الاصلاح، وهو مشروع لا يزال بعيدا في هذه الظروف.
أما من حيث مصادر التمويل، فان اللجنة نجحت في القسم الاكبر من الاقتراحات، في تجنُّب ما قد يثير حفيظة ارباب العمل او الموظفين لجهة الرسوم والضرائب الاضافية. لكن بقيت بعض النقاط الغامضة التي تحتاج الى توضيح، خصوصا ما يتعلق منها بالتعديلات المقترحة على تعديل المواد 32، 72، و73 من قانون ضريبة الدخل. هذه التعديلات يفترض ان تؤمّن في مجموعه حوالي 210 مليار ليرة سنويا.
هذه المواد لها علاقة بمعدل الضريبة على أرباح المهن التجارية والصناعية وغير التجارية، الضرائب والرسوم على توزيع ارباح شركات الاموال اللبنانية، والضرائب والرسوم على الدخل او الريع الخاضع للضريبة بما خصّ الاسهم والسندات المالية . ومن خلال حجم الايرادات المقدرة من التعديل، يتضح ان بعض القطاعات التجارية والمالية قد يتم تحميلها اعباء ضريبية جديدة قد لا تكون قادرة على تحملها في هذه الحقبة على الأقل.
كذلك فان الايرادات المقدّرة من رفع سعر الدخان واتخاذ اجراءات لمنع التهريب، ومنها وضع علامة فارقة على المنتجات المستوردة شرعيا عبر الريجي قد لا تكون كافية، على اعتبار ان المستهلك يبحث احيانا عن المنتج المهرّب بعقلية انه قد يكون أجود. وقد جرت تجربة سابقة لرفع اسعار التبغ، وأظهرت النتيجة تراجعا في مداخيل الريجي والخزينة نتيجة زيادة التهريب، الامر الذي دفع الجهات المسؤولة الى التراجع، واعادة خفض اسعار التبغ الى مستويات لا تشجّع على التهريب.
وهناك أيضا تساؤلات عن بعض تفاصيل البناء الاخضر، خصوصا ان الايرادات المقدّرة من هذا البند تصل الى 1400 مليار ليرة سنويا، وهو رقم ضخم. فهل ان اتباع مواصفات البناء الاخضر ستكون مجرد غطاء على الطريقة اللبنانية لزيادة عامل الاستثمار للأبنية الجديدة، بما سيرفع نسبة الباطون المدني الى مستويات قياسية جديدة؟
في النتيجة، يبدو تقرير اللجنة الفرعية أفضل بكثير مما سبقه في هذا الملف، لكنه يحتاج بدوره الى تعديلات ودرس اضافي، خصوصا ان المالية العامة صارت في وضع حرِج، ولا أحد يرغب، خصوصا الموظفين المستفيدين من زيادة الرواتب، أن تتحوّل "السلسلة" الى الشعرة التي تقصُم ظهر البعير.
المصدر:جريدة الجمهورية