يتمتع لبنان بثروات متعددة منها البشرية والمائية والنفطية وهي على مستوى عال من الاهمية. لكن العقلية السياسية الاستفزازية ما زالت تحجب الرؤية الصحيحة.
مع التخبط السياسي والاقتصادي والمالي في لبنان، تبدو المرحلة الراهنة محفوفة بالمخاطر، غير ان عامل اللبنانيين المغتربين العاملين في الخارج وتحويلاتهم السنوية المهمة من جهة، وعامل تحوُّل قسم من النشاط الاقتصادي السوري الى لبنان من جهة اخرى، ما زالا يوفران للبلاد صمام الامان والجسر المالي والاقتصادي لتجاوز الظروف الصعبة التي كانت لتبدو مميتة لولا هذين العاملين. وما زال حجم الاستهلاك الداخلي يوفّر بعض الطلب في الاسواق التجارية وعلى قطاع الخدمات بصورة خصوصية. ويتقدم القطاع الخاص بأشواط كثيرة مقارنة مع تقديمات القطاع العام.
كما يساهم مصرف لبنان المركزي في تحريك العجلة الاقتصادية من خلال توفير السيولة للقطاع المصرفي. فهو، وعلى مثال البنوك المركزية في كل من الولايات المتحدة الاميركية واوروبا واليابان وبريطانيا وغيرها، يتبع سياسات تحفيزية للاقتصاد، رغم ان هذه السياسات هي سياسات انتقائية وغير شاملة كما هو الحال في الدول المذكورة سابقا.
وما زالت المبادرات الخاصة تلعب الدور الاساسي في ابقاء محركات الاقتصاد تعمل ولو بنسب متفاوتة. وهناك تقدّم مُحقق على مستوى الاقتصاد الرقمي، أكان ذلك من قبل وزارة الاتصالات من جهة او من قبل القطاع الخاص، وكان احدثه التعاون المشترك بين شركة سوليدير وشركة مايكروسوفت العالمية في اطلاق خدمات الحوسبة السحابية. وفي الموازاة، تزدهر في البلاد موجة تأسيس وتشغيل المراكز التجارية الاستهلاكية الكبرى والتي تتوزع في كل المناطق شأنها مثل سلسلة المطاعم والمقاهي والاندية الليلية.
كما يبقى نبض الاعمال في قطاعات مختلفة قويا نسبيا. ويذكر على سبيل المثال لا الحصر قطاع الاعلام والاعلان وقطاع التأمين والقطاع الطبي والتجميلي والقطاع التربوي. ويتقدم كل هذه القطاعات القطاع المصرفي الذي يلعب دورا اساسيا في تمويل مختلف الانشطة المذكورة سابقا، وذلك الى جانب دوره الاساسي في تمويل القطاع العام.
ولم يكن مؤتمر النفط الثاني الذي عقد في بيروت مطلع الشهر الجاري سوى صورة عن هذه الحركة والابعاد الاقتصادية والمالية التي تقرأ من خلالها فتتفاعل قطاعات المصارف والتأمين والجامعات ورجال القانون مع هذه التحضيرات، بما يخلق نوعا من الديناميكية التي لا تقف عند العوائق والصعوبات الامنية والسياسية.
اذ ان الجميع بات مقتنعا بأن زمن التنقيب واستخراج وتصدير النفط والغاز الطبيعي بات قريب جدا. والجميع يريد ان يكون جاهزا للمشاركة في هذه الفرص الاقتصادية ذات الابعاد التجارية والمالية المغرية لمن هم في الداخل وفي الخارج على حد سواء.
كل ذلك رغم اعتبار مرجعية وطنية كبرى ومن الدرجة الاولى ان الملف النفطي لا يمثل ملفا ملحا ويمكن ارجاء عقد جلسة لمجلس الوزراء للنظر بما يمكن للحكومة عمله لتسهيل اطلاق الاعمال وتسريع ولوج لبنان الى زمن الافادة من ثروته النفطية التي يبدو ان حجمها يفوق كل التوقعات. ان الملف النفطي هو ملف وطني فائق الاهمية. وقد يمثل خشبة الخلاص لعدم وقوع الدولة اللبنانية في العجز عن الايفاء بديونها ولتحسين التقييم الدولي للبنان ولمصارفه.
تستدعي الاهمية الوطنية للملف النفطي العمل الحثيث لفك ارتباطه مع الملفات الوطنية الشائكة الاخرى اكانت ملفات سياسية او امنية او غيرها من الملفات التي قد تعيق اطلاق الاقتصاد النفطي في لبنان. والى جانب الثروة البشرية التي يتميز بها لبنان ويصدر من خلالها الادمغة والشباب المتعلم والمتخصص الى مختلف بقاع العالم، يتوجب على اللبنانيين ايضا التركيز على ثروات وطنية كبرى اخرى. ومن هذه الثروات هناك ما اصبح يدعى مؤخرا بالذهب الازرق اي «مياه لبنان».
هذه الثروة المائية سوف تزداد قيمتها في العقود المقبلة نظرا للأزمات المائية في منطقة الشرق الاوسط والتي سوف ترفع الطلب على المياه اللبنانية. الامر الذي يفترض جهوزية لبنان على تخزين واستثمار هذه الثروة الاساسية ومع ظهور ثروات جديدة في المياه الاقليمية اي الذهب الاسود او النفط يمكن القول ان لبنان الاتي في العقود الزمنية المقبلة سوف يكون بلدا غنيا.
مع بدء ظهور ملامح التسوية في منطقة الشرق الاوسط، اللبنانيون مدعوون الى التحلّي بالحكمة لادارة بلادهم وثرواتها بما يتماشى مع افضل سبل الادارة، مع الارتقاء في التعاطي السياسي في الداخل والخارج الى درجة تجنيب لبنان الأزمات الأمنية والعسكرية المتكررة، خصوصا تلك التي تخدم مصالح الخارج دون الداخل.
التعليقات
المصدر: جريدوة الجمهورية اللبنانية