قبل نهاية 2013 بأيام، أثار وزير الطاقة مسألة اسعار الكهرباء، مُلمحاً الى ضغوطات تهدف الى رفع أسعار التعرفة من اجل تخفيف العجز في القطاع. فهل يكون العام 2014 عام زيادة التعرفة الكهربائية، من دون التمكّن من زيادة ساعات التغذية، والغاء الطاقة الرديفة التي تؤمنها المولدات الخاصة؟
اين أصبحت «الاحكام» الصادرة خلال الخلاف؟
تعاني المالية العامة من ضغوطات متواصلة، بسبب تراجع الايرادات وارتفاع الانفاق، وزيادة العجز الى مستويات مقلقة. وقد سجلت أرقام العام 2013 ارتفاعا قياسيا في زيادة الانفاق، الامر الذي أعطى اشارات سلبية الى كل الدوائر المالية والاقتصادية المتابعة للوضع المالي اللبناني عن كثب.
من خلال تشريح خريطة الموازنة العامة، يتضح ان قطاع الكهرباء بات يحتل المرتبة الثالثة على لائحة الانفاق، بعد الرواتب وخدمة الدين العام، بنسبة وصلت الى حوالي 23 في المئة من الانفاق العام، أي حوالي مليارين و100 مليون دولار. هذا الرقم يعتبر كارثيا على اقتصاد يدفع حوالي 3مليارات و700 مليون دولار لخدمة دينه العام.
هذا الوضع دفع البنك الدولي والمصارف اللبنانية الى التحرّك باتجاه السلطة السياسية لحثها على ايلاء هذا الملف الاهتمام الجدي وصولا الى خفض الفاتورة الكهربائية على المالية العامة.
لكن مشاكل الكهرباء لا تتصل ببند واحد، وقد بدأت الشكوك تتسرّب في شأن امكانات تنفيذ الخطة الوطنية التي أقرها مجلس النواب، خصوصا ان الخطة تتضمّن بنودا لا يبدو انها أخذت طريقها الى التنفيذ، كما هو متفق عليه.
ومن هذه البنود، مسألة دعم وسائل الطاقة المتجددة، وايجاد سبل التمويل لها. كذلك مشروع التعداد الصافي Net Metering ، وفكرته الأساسية تقوم على أن يعمد المشترك بالتيار الكهربائي إلى شراء خلايا فوتوفلطية وتركيبها على واجهة أو على سطح المنزل، أو مراوح لتوليد طاقة الرياح أو سواها، مع كافة التجهيزات والمعدات اللازمة، من اجل توليد طاقة ذاتية تُحسم من فاتورته.
وقد تحول خبر الاحتفالية التي جرى تنظيمها لتسليط الضؤ على اول منزل اعتمد هذه الطريقة، ومشاركة وزير الطاقة في هذا الحدث، الى نوع من الفولكلور الاعلامي بعدما تبين انها حالة منفردة ومنعزلة ولا تعني ان هذا النمط من التوفير في الطاقة بدأ ينتشر فعليا في البلد. كذلك لم تنجح بالنسب المطلوبة فكرة استبدال اللمبات لتوفير الطاقة، في حين ان خطة تشجيع السخانات الشمسية كانت افضل بقليل.
في موازاة هذا الواقع، يبدو القطاع الكهربائي في العام 2014 في وضع صعب. اذ أن مالية الدولة بوضعها الحالي لن تكون قادرة على الاستمرار في تأمين التمويل للكهرباء بالنسبة نفسها للعام 2013، في حين ان المطلوب كهربائيا، زيادة التمويل اذا كان الهدف فعلا زيادة ساعات التغذية بالتيار. مع الاشارة الى ان معدل كلفة انتاج الكيلووات حاليا هو حوالي 400 ليرة، في حين ان معدل بيع الكيلووات الى المواطن هو حوالي 160 ليرة، بما يعني ان كل كيلوات اضافي تنتجه مؤسسة كهرباء لبنان سوف يزيد من خسائرها، ويحمّل الخزينة عبئا اضافيا.
لكن المشكلة تكمن في أن تعديل تعرفة الكهرباء لزيادة السعر، تصطدم بواقع عدم قدرة الدولة على تأمين الطاقة 24 ساعة، والغاء المولدات الخاصة من اجل مساعدة المواطن على تحمّل عبء زيادة التعرفة. وبالتالي، سوف تواجه خطة رفع الأسعار باعتراضات شعبية، خصوصا ان القناعة السائدة هي ان التعرفة سوف تزيد، لكن التغذية بالتيار لن تتحسن، وسيواصل المستهلك دفع فاتورتين. وما يزيد في مناخات التشاؤم هي التجربة الفاشلة مع مقدمي الخدمات، والتي تبين انها تعاني بدورها من مشاكل تعيق تنفيذ مندرجاتها.
ومن المقرر ان يبدأ تركيب العدادات الذكية في شباط 2014، لكن الشكوك تسيطر على هذا المشروع، خصوصا في المناطق المصنفة عصية على الدولة. وبالتالي، لن ينجح القيمون على المشروع في تنفيذ الالتزامات وفق الاتفاقات الموقعة. وقد تنشأ خلافات تزيدالأزمة تعقيدا.
وفي المناسبة، هناك من يسأل كيف انتهى الخلاف الذي نشأ مع الشركة التركية مالكة الباخرة التي توقفت عن الانتاج قبل فترة. وهل تمّ تنفيذ "الأحكام" التي صدرت لجهة تحميل الشركة مسؤولية العطل والضرر، ام ان القضية انتهت بتسوية غير معلنة على الطريقة اللبنانية؟
من خلال الارقام التي اقترحتها وزارة المال لموازنة العام 2014 التي لن ترى النور طبعا، هناك خفض في الانفاق على قطاع الكهرباء. اذا جرى الالتزام بهذا الخفض، قد يؤدي ذلك الى المزيد من التقنين الكهربائي، واذا لم يتم الالتزام بهذا البند، فهذا يعني ان المالية العامة ستكون في مواجهة وضع اصعب من العام 2013، وستكون المخاطر أكبر.
امام هذه المعضلة، قد يستسهل القيمون على القطاع اللجؤ الى رفع التعرفة، والتخلي عن الالتزام السابق بأن الاسعار لن تُرفع قبل تأهيل القطاع وتأمين التغذية 24 ساعة. ومن المرجّح ان يدفع المستهلك من قدرته الشرائية، فاتورة المعضلة الكهربائية التي لا بوادر في الافق لايجاد حل شامل لها.
المصدر: صحيفة الجمهورية