عقد الإصلاح الاقتصادي مثقل اليوم بالملفات الصعبة من ملف مكافحة الفساد إلى تعزيز الشفافية والثقة مرورا بملف البطالة التي تجاوزت 14٪ وخلق فرص العمل
ورفع القدرة المؤسساتية وصولا إلى إعادة دور قطاعات الاقتصاد الحقيقي للمساعدة على الإسراع في معدلات النمو وباستثناء جرعات الأمل .. يمكن القول انه العقد الاقتصادي الأصعب في الزمن الصعب حيث الاستحقاقات تحديات.
أولوية التوزيع
تفرض ألازمة الاجتماعية والمعيشية والاقتصادية وضيق فرص العمل اليوم معالجات مختلفة وسريعة لأن هذه المشكلات التي يعانيها السوريون تضاف الى مشكلات أخرى مالية أبرزها تراجع حركة الرساميل وتردي مناخ الاستثمار الذي من شأنه ان يخفف فجوة فرص العمل فضلا عن تفشي الفساد والترهل الإداري الذي يضعف قدرة المؤسسات على خلق هذه الفرص.
لكن ثمة أولويات في مقابل إنتاج عقد اقتصادي اجتماعي جديد يمكن حصرها اليوم بثلاث : هي إعادة توزيع الدخل القومي التركيز على قطاعات الإنتاج المحابية للعمالة وتعديل السياسة الضريبية الحالية.
فقضية التوزيع العادل للدخل القومي يجب أن تشكل اليوم استحقاقا رئيسا بحيث يراعى أعطاء نسبة من الناتج لمن يشتغلون بأجر ونسبة اقل لمن يستثمرون بالمال وفوائد وإرباح وذلك لجهة تلمس النتائج الحقيقية للنمو لاسيما أن حصة الرواتب والأجور في الناتج الإجمالي المحلي قد تراجعت خلال السنوات الماضية الى نحو 25٪ بينما شكلت الأرباح مانسبته 75٪ وفيما ترجمت هذه المعادلة المشوهة في واقعنا المعيشي حيث لا يحصل العمال على مداخيل تتناسب مع أكلاف المعيشة المتجهة دائما نحو الأعلى .
ويشرح مدير المصرف العقاري الدكتور عابد فضلية المرحلة إن إعادة توزيع أفضل للدخل القومي هو أهم استحقاق كون إهمال هذا الأمر سيضخم الأوضاع المعيشية والاقتصادية بشكل كبير خلال الأعوام القادمة مشيرا ان الخطة الخمسية الأخيرة لم تتضمن تشريعات محددة تؤدي إلى تحقيق هذه الأهداف إلا إذا كان لدى الحكومة الحالية نية لإعداد تشريعات جديدة تفضي إلى سياسات مالية لإعادة توزيع الدخل القومي بشكل أكثر عدالة.
لجم البطالة
ظهر إهمال قطاعات الاقتصاد الحقيقي خلال السنوات الماضية جليا في الفجوات الناجمة من حيث تركيبة الاقتصاد والأعمدة التي يقوم عليها لجهة قطاعات ريعية ذات الكسب السريع وفي المشاريع التي اقتصرت أثارها على شريحة ضيقة هم أصحاب رؤوس الأموال فيما تراجعت مساهمة القطاعات المنخفضة القيمة المضافة في الناتج كالزراعة والصناعة وتحسنت مساهمة بعض القطاعات الاخرى كالاتصالات والمصارف والتأمين وهذه الفجوات عكست معطى خطير تجلى في عملية تحول الاقتصاد الهيكلي الذي لم يخلق تنمية علما أن الإدارة الاقتصادية السابقة عملت على تغطية عجزها عن القيام باستثمارات حقيقيه باجتذاب الاستثمار الخارجي الذي وظف في المجالين السياحي والعقاري الأمر الذي زاد من أعباء الاقتصاد الوطني ومن تحولاته نحو الاقتصاد الريعي .
وبحسب المحلل المالي الدكتور وائل حبش ان تأسيس عقد اجتماعي اقتصادي جديد يتطلب اليوم بلورة سياسة استثمارية تلجم معدلات البطالة وتنعكس على المستوى الأخلاقي والمجتمعي وعلى مستوى التطور التكنولوجي والتعليم وحتى على المستوى النفسي والأمن الاجتماعي لان استمرار مشكلة البطالة لفترة أطول ستقود إلى تشوهات اجتماعية وهذه مسألة خطيرة باعتبار إن إي اقتصاد عندما يدخل مرحلة الركود وتكون البطالة مؤشرها يتحول هذا الركود إلى كارثة وبالنظر الى معدلات البطالة يتحول إلى كساد وهو الوباء الذي تحتاط له اقتصادات العالم.
مراجعة حقيقية
جملة التحديات تلك تضع عملية إنتاج عقد اقتصادي اجتماعي جديد في مواجهة استحقاقات صعبة ليس آخرها تفعيل المؤسسات لاستعادة البيئة الجاذبة للرساميل والاستثمارات لاسيما ان كل الخطوات التي اتخذت لم تفلح في تكبير حجم الاقتصاد أي لم تفلح في زيادة الاستثمارات والصادرات في الاقتصاد السوري فيما الاستمرار في السياسة الحالية سيعيد إنتاج الأزمات نفسها مايفضي بضرورة صياغة سياسة نقدية جديدة تقوم على توفير سيولة افضل للقطاع الخاص من اجل الاستثمار وبتكلفة اقل إضافة إلى صياغة سياسة ضريبية جديدة داعمة للنمو الاقتصادي .
واستطرادا قد يكون إجراء مراجعات حقيقية لأفق الاقتصاد الوطني المحكوم بخصوصيته اهم مايجب ان تسلكه المرحلة الحالية على أبواب عقد جديد من الإصلاح الاقتصادي وفي ظل وجود ملاحظات كثيرة على طبيعة النمو نظرا لعدم التحول صوب النماذج الأكثر إنتاجية ولو من باب توسيع فرص العمل