لفت رئيس الجمهورية ميشال سليمان أمس الاول، في مقر «غرفة التجارة والصناعة والزراعة في بيروت وجبل لبنان»، بعد تطويره وتحديثه ليصبح في مصاف مقار الغرف الاوروبية، الى ان لبنان يواجه مجموعة من التحديات، منها معضلة اللاجئين السوريين، التداعيات السلبية للازمة السورية، ضرورة القيام بورشة اصلاحية شاملة تهدف الى اطلاق رؤية اقتصادية خلاقة. واكد ان «الطريق الى تحقيق هذه الاهداف يمر حكما عبر مؤسسات قوية تقوم بدورها الدستوري وتلتقي انتاجيتها مع انتاجية قطاع خاص لا بد من اشراكه في وضع السياسات الملائمة، ويستحيل ذلك من دون تشكيل حكومة قادرة على ادارة الشأن العام واعادة طمأنة المستثمرين ومواكبة الاستحقاقات الدستورية»، مشيرا الى ان «للاسواق المالية ايضا دورا اساسيا في تفعيل الاستثمار». متوقعا ان «يكون لمجرد توقيع عقود التنقيب عن الغاز ردة فعل فورية ايجابية للغاية تترجم بتدفق مبالغ مهمة على لبنان»، منبها الى ان التسرع في التلزيم يحوّل نعمة الغاز والنفط الى نقمة، تحول دون الحصول على اسعار تنافسية».
شقير: حائط مبكى
استهل رئيس «غرفة بيروت وجبل لبنان» محمد شقير الاحتفال بالقول: «وما وجودكم اليوم بيننا وتدشين المقر المحدث الا تأكيد لدعمكم». مشيرا الى ما يتعرض له الاقتصاد اللبناني من تحديات. مؤكدا وقوف الهيئات الاقتصادية بتصرف سليمان «خصوصا بعد ان عقدتم العزم على اخراج البلاد من التعطيل والشلل».
واذ اشار الى ان «غرف التجارة التي اتخذت من تنمية الاقتصاد وتشجيع الاستثمار هدفا وواجبا لها، بدأت تتحول يوما بعد يوم الى حائط مبكى لرجال الاعمال. ان الوضع الاقتصادي اذا ما استمر على ما هو عليه سيؤدي الى مشاكل اجتماعية واضطرابات أمنية أشد خطورة وأوسع نطاقا. ان الحاجة والعوز يصنعان قنابل موقوتة. النزف لن يتوقف الا اذا تم تشكيل حكومة يبادر بعدها فورا المجلس النيابي بمنحها الثقة. وكلنا ثقة بأنكم ستتخذون المواقف الحكيمة في الوقت المناسب».
وقال شقير: « نواجه محاولات البعض تفتيت الغرف التجارية من اجل مصالح ضيقة. ان غرفة تجارة وصناعة وزراعة بيروت وجبل لبنان هي ركن أساسي من أركان الاقتصاد. وقد استطاعت هذه الغرفة على مدى 125 سنة ان تفرض وجودها ليس في المنطقة إنما أيضا في عواصم حوض البحر الأبيض المتوسط وحول العالم».
وبعدما عدّد بعض ما تقوم به الغرفة التي «تحولت الى وجهة تقصدها المؤسسات الوطنية والأجنبية من اجل الحصول على النصيحة وتسيير أمورها» اعتبر شقير ان تحديث وتجديد المبنى له مكانة خاصة. وعلى الرغم من هذا الإنجاز فان طموحنا اكبر ونأمل ان نحقق المزيد اذا توفر لنا الحد الأدنى من الاستقرار الأمني والسياسي».
نحاس: اعلان بعبدا
وبعد شريط مصور عن الاقتصاد اللبناني وخدمات «غرفة التجارة والصناعة والزراعة»، رأى وزير الاقتصاد والتجارة نقولا نحاس: «ان حركة التحديث هذه من أجل ان تكون فاعلة ومنتجة، لا بد من ان تواكبها عملية تحديث أنظمة المؤسسة كافة، وولوج الاسواق الخارجية، والتكيف الإيجابي مع مندرجات الاتفاقات الاقتصادية الدولية والاقليمية». وتوجه في حديثه الى سليمان «ان مواجهتكم للتحديات، خصوصا في الفترة الاخيرة، مع سعيكم الدؤوب إلى إرساء أسس ثابتة للاستقرار عبر ادارة الحوار بين اللبنانيين، التي أنتجت في أحد مراحلها الحساسة ما سمي «إعلان بعبدا»، عبر اعتماد سياسات أصبحت من المسلمات، اي سياسة النأي بالنفس عن الصراعات في سوريا، كما سياسة احترام تعهدات والتزامات لبنان الدولية».
ولخص نحاس المسارات بـ«دعم الجيش كما حصل اخيرا مع الهبة المشكورة للمملكة العربية السعودية، وكما سيحصل عند انعقاد المؤتمر الدولي لدعم الجيش المزمع عقده في ايطاليا. ودعم الاقتصاد والمؤسسات اللبنانية عبر إنشاء صندوق إئتماني مع البنك الدولي، وأخيرا، الحصول على مساعات لاحتواء اللاجئين السوريين، وسوف يعقد لهذه الغاية مؤتمر خاص قريبا في الكويت». مؤكدا طموح اللبنانيين الى «ان يعود لبنان مركز استقطاب اقليمي للاعمال، ولكن كان للازمات السياسية رأي آخر ومنهج مختلف، فضاعت الاولويات واختلطت المفاهيم وتاهت البوصلة «.
سليمان: حكومة تطمئن المستثمرين
والقى سليمان كلمة اعتبر فيها حفل الافتتاح انه «حدث ينطوي على معان عديدة»، مشيرا الى «مجموعة من التحديات، ومنها معضلة اللاجئين السوريين، والتداعيات السلبية للأزمة السورية. كذلك يتوجب علينا، تكثيف الجهود لضبط الأمن ووقف التفجيرات الإرهابية، وجمع الشمل وذلك في إطار «إعلان بعبدا»». ورأى ان التحدي الثالث، فهو ضرورة القيام، بورشة إصلاحية شاملة، تهدف إلى إطلاق رؤية اقتصادية خلاقة، تتناغم مع الواقع، وتعد لمستقبل حاضن لتنمية مستدامة، تكافح البطالة والفقر وتؤمن الرفاهية والتقدم. إن الطريق لتحقيق هذه الأهداف، يمر حكما عبر مؤسسات قوية متراصة، تقوم بدورها الدستوري على الصعيدين التشريعي والتنفيذي، وتلتقي إنتاجياتها بإنتاجية قطاع خاص، لا بد من إشراكه في وضع السياسات الملائمة، بعيدا من السياسة، ويستحيل ذلك من دون تشكيل حكومة قادرة على إدارة الشأن العام، وإعادة طمأنة المستثمرين، ومواكبة الاستحقاقات الدستورية، من انتخاب رئيس للجمهورية، وتنظيم انتخابات نيابية، تشكل على أثرها حكومة، يفترض بها إعادة بناء الثقة وصوغ بيان وزاري، تبرز فيه المراحل العملية الواجبة التنفيذ، تمكينا لاستكمال عملية الاستنهاض والانقاذ».
وسأل سليمان: «هل يسمح لنا ان نكون اقل حرصا على وطننا من حرص المجتمع الدولي والدول الشقيقة على استقرارنا السياسي والأمني والاقتصادي؟ بالله عليكم هل يعقل ان تكون مبادرة المجموعة الدولية والمملكة العربية السعودية وايطاليا قريبا، لدعم لبنان وجيشه تهدف الى التمديد؟ او الى المقايضة بحكومة من لون معين وشكل معين؟ سياسية كانت؟ ام تكنوقراط؟ ام حيادية؟ هل نستطيع اقناع الناس، ان هذه الدول، هي بحاجة، من اجل استقرارها الى التمديد لرئيس الجمهورية ام الى حكومة معينة في لبنان»؟ وتابع سليمان التساؤل: «هل انه في حال عدم التوافق على حكومة جامعة كما اردت طوال عشرة شهور يحتم علينا ان نبقى من دون حكومة؟ الا يحق للبنانيين الذين لا ينتمون الى اطراف واحزاب سياسية، ان يساهموا من ضمن حكومة حيادية بإنهاض البلد وحمايته؟ هل يقتصر دور رئيس الجمهورية على ان يستمر في رفض التشكيلات التي يقترحها رئيس مكلف من قبل 124 نائبا؟ المواطن اذكى من ذلك. المواطن يعلم كيف تم تعطيل الاستحقاقات. رغم ذلك، فإن باب التشاور ما زال مفتوحا ونأمل في ان يتوصل رئيس الحكومة المكلف في اقرب وقت ممكن الى ايجاد صيغة جامعة تخرج البلاد من ازمتها الدستورية».
وقال الرئيس سليمان : «لقد قامت الدولة منذ مطلع هذا العهد، بطرح إطار شامل، للعمل الوزاري والتشريعي الخاص بالشأن الاقتصادي. تم التأكيد أولا، أنه لا بد من وضع تصور يسمح بالحد من التقلبات، من طريق تركيز مصادر الثروة الإنتاجية، من صناعة وتجارة وزراعة، وذلك لإعادة توازن فقد لمصلحة الاقتصاد الريعي والخدمات على أن يبقى الحرص قائما على الحفاظ على حيوية القطاعات العقارية والمصرفية. إن أول شرط لذلك، هو استقطاب الاستثمار، وإقرار قانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص، لتسهيل وتسريع تطوير البنى التحتية والخدمات العامة، إلى القيام بتحديث شامل للهيكلية الضريبية، لتأمين استمرارية في تحديد العبء الضريبي على المستثمر، والسماح له بالتخطيط على الأمد الطويل. ينتج عن ذلك، ضرورة إعادة نظر في المبادئ كما في آليات وضع موازنة الدولة».
أضاف «إن للأسواق المالية أيضا، دورا أساسيا في تفعيل الاستثمار، لأنها تسمح للادخار الوطني، كما لصناديق الاستثمار، بتمويل الشركات المحلية، ولاسيما الصغيرة والمتوسطة منها، من دون إثقال أعباء المصارف الائتمانية. فمن الضروري إذن، تفعيل الجهاز الذي أحدث لهذا الغرض في العام الفائت، واشتراك هيئات القطاع الخاص، من غرف ومنظمات اقتصادية في هذا التفعيل».
تابع: «على صعيد آخر، نتوقع أن يكون لمجرد توقيع عقود التنقيب عن الغاز، ردة فعل فورية إيجابية للغاية، تترجم بتدفق مبالغ مهمة على لبنان. لذلك نرى من الضروري، التوصل إلى حل سريع لأي نزاع على الحدود البحرية، بشكل يحفظ حقوق لبنان. هذا مع التنبيه ان التسرع في التلزيم، يحول نعمة الغاز والنفط الى نقمة. التخمة تحول دون الحصول على اسعار تنافسية، كما تقضي الفورة النفطية على سائر القدرات الاقتصادية».
وقال سليمان: «يحتاج لبنان اليوم، وفقا لما أظهرته الدراسات، إلى ما يقارب سبعة مليار دولار، لمجابهة عواقب الأحداث في سوريا على مجمل الاقتصاد اللبناني. وقد وضع البنك الدولي، خريطة طريق مفصلة، وإننا نعمل منذ اجتماع المجموعة الدولية لدعم لبنان في 25 أيلول الفائت، على المواكبة السياسية الدولية والمحلية، لتأمين الدعم لهذا التمويل. كذلك، اقترحنا إصدار سندات خاصة بالاستثمار في تحسين البنى التحتية حصرا، يضمنها عدد من البلاد المانحة».
واكد سليمان «أن اللامركزية الإدارية تبقى، أفضل سبيل لدفع عجلة الاقتصاد المحلي، تساهم بامتصاص بطالة الشباب، وتوفير الإنماء المستدام والمتوازن وقد تسمح اللامركزية بالمحاسبة والمساءلة، بصورة أفضل مما يبدو عليه الحال، على مستوى الدولة المركزية ككل.
وبعدما اشار الى دور الغرفة محليا وعربيا، دعا الى الاستفادة منها «لإبرام اتفاقات ثنائية لتشجيع الصادرات، وفتح أسواق العالم للسلع والخدمات الوطنية، مستفيدة من مكانة الجاليات اللبنانية، التي تشكل عنصرا أساسيا فاعلا وثروة اقتصادية لا تقدر». وقال: «لقد حان الوقت لمجابهة كل هذه التحديات من خلال إدارة سليمة للمعادلة الإنتاجية بكامل عناصرها، من قطاع عام ومن جمعيات ونقابات عمالية وهيئات اقتصادية».
وهنّأ سليمان مجلس ادارة الغرفة واعضاءها على ما أنجزوه في سبيل الاقتصاد اللبناني، معاهدا بأن «لا نوفر أي جهد، كي نعطي الأولوية لهناء المواطن وأمنه واستقراره، آملا في أن لا يسمح الشعب اللبناني، بخطف أحلامه وتعريض مستقبله ومستقبل أبنائه للخطر، من قبل من يسعى لجرّه نحو منزلقات الفتنة والاقتتال».
وبعدها، قدم شقير الى سليمان درع الغرفة، ثم أقيم حفل كوكتيل للمناسبة.
الحضور
القاعة التي اطلق عليها «قاعة الرئيس الشهيد رفيق الحريري» غصت بالمدعوين الرسميين: الرئيس المكلف تشكيل الحكومة تمام سلام، الرئيس فؤاد السنيورة، نائب رئيس حكومة تصريف الأعمال سمير مقبل، الوزراء: الاقتصاد والتجارة نقولا نحاس، السياحة فادي عبود، الداخلية والبلديات مروان شربل، الصناعة فريج صابونجيان، والاعلام وليد الداعوق، الوزير السابق رئيس الهيئات الاقتصادية عدنان القصار، رئيس اتحاد الغرف اللبنانية رئيس غرفة بيروت وجبل لبنان محمد شقير، الوزير السابق ميشال فرعون، رئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي روجيه نسناس، رئيس الاتحاد العمالي العام غسان غصن والامين العام سعد الدين حميدي صقر، وحشد كبير من اعضاء السلك الديبلوماسي والفاعليات الرسمية والامنية والاقتصادية والاجتماعية.
لوحة تذكارية
وصل سليمان الى مقر الغرفة، عند الثالثة والربع بعد الظهر حيث استقبله رئيس الغرفة محمد شقير. وفور وصوله، ازاح وشقير الستار عن لوحة تذكارية باسمه وضعت في قاعة الاستقبال في المدخل الرئيسي للمبنى، ومن ثم جال يرافقه شقير على الطابق الاول والثاني واطلع على الاعمال المنجزة، ثم دوّن كلمة في سجل الغرفة الذهبي.
المصدر: صحيفة السفير اللبنانية