أكد أستاذ التنمية الاقتصادية بجامعة دمشق هيثم عيسى ان الاقتصاد السوري يحتاج في عام 2014 إلى البدء بإعادة التأهيل وهو يحتاج لمجموعتين من القرارات، الأولى ترسم المسارات العريضة لتحديد هوية الاقتصاد على المدى الطويل، والثانية قرارات تكتيكية.
وأوضح عيسى أن خطط إعادة الإعمار هي خطط إنفاقية كبيرة وتشتغل على مستوى الاقتصاد الكلي والجزئي، وبالتالي لا يمكن أن تترك هذه القرارات الكبيرة لتقود الاقتصاد دون تخطيط مسبق، أما القرارات التكتيكية والتي تتفاعل مع الواقع الحالي ومن ضمنها الخطط الإسعافية لحل الأزمات الطارئة بما أن الأزمة ما زالت مستمرة ولم تزل آثارها بشكل نهائي.
وأضاف عيسى إنه بعد أن عشنا أزمات تتعلق بالغذاء وخصوصاً النقص الذي حصل في مخازين القمح، ما اضطرنا لاستيراد الدقيق من إيران وأوكرانيا وهو ما لم يكن مسبقاً وكان مخزون سورية من القمح يكفي لأعوام، ولأجل تفادي حدوث مثل هكذا أزمات في المستقبل فيجب أن يتم توجيه الاقتصاد في الفترة القادمة لأن يكون اقتصاداً زراعياً، قادراً على تأمين وإنتاج كل غذاء الشعب، كي لا تتمكن أي جهة خارجية من التحكم باقتصادنا.
ولفت إلى أنه عندما يتم التأسيس لقطاع الزراعة، فإن الحاجة للتأسيس لقطاع الصناعة التحويلية يصبح ضرورياً، لأن الكثير من مخرجات قطاع الزراعة تستهلك في قطاع الصناعة التحويلية، وبالتالي الخطوة التالية للأمام تكون بمشاريع الصناعة التحويلية وخصوصاً دعم القطاع الخاص وتطويره لكي يتم تصنيع مدخلات القطاع الزراعي للتمكن من ضمان استقرار القرار الاقتصادي، والمبني عليه القرار السياسي وحينها لن يكون هناك تأثير للعقوبات الاقتصادية والحصارات التي تفرض علينا.
وأوضح عيسى أن عملية إعادة تشغيل ما أمكن من المصانع سواء في القطاع العام أو الخاص، هي ضرورة أساسية في المرحلة القادمة بعدما التخريب الممنهج الذي تعرضت له منشآت القطاعين، لكون إعادة تشغيل ما أمكن من هذه المنشآت يساهم في طرح منتجات جديدة في الأسواق لتغطية النقص الحاصل في المواد وقلة العرض، والذي تسبب بجزء كبير من ارتفاع الأسعار، وبالتالي المساهمة في انخفاض الأسعار والجانب الآخر المفيد في هذه العملية هو التمكن من تشغيل أكبر عدد ممكن من اليد العاملة والعاطلة حالياً عن العمل والتي تقف بالطوابير للحصول على المساعدات والسلل الغذائية، والتي تعتبر حلاً مؤقتاً ولا يساعد على تحسين واقع الناس.
وبينّ، وفقا لصحيفة الوطن المحلية، أن أهم ما يجب العمل عليه في المرحلة القادمة هو تغيير عقلية المسؤولين عن اتخاذ القرار الاقتصادي، ودفعهم للنزول إلى أرض الواقع والأسواق، لتبيان حقيقة الأمر بدلاً من إصدار قرارات من وراء المكتب تهدف لحل الأزمات ولكنها بعيدة عن الواقع وهو ما حصل خلال الفترة السابقة، ما خلق فجوة بين القرارات الصادرة لحل الأزمات وما هو على أرض الواقع فعلاً، إضافة إلى ضرورة إعادة تأهيل مؤسسات الدولة لتعود للعب دور التاجر عبر هذه المؤسسات، وافتتاح مؤسسات جديدة لتنافس التجار وتساهم في تخفيض الأسعار، والعمل على إعادة النظر بقانون المنافسة ومنع الاحتكار، وهو جزء من الحلول لتحسين واقع الأسواق، إضافة إلى ضرورة زيادة كوادر الوزارات المعنية بضبط الأسواق.
من جهته رأى الخبير المصرفي الدكتور عابد فضلية أن الاقتصاد السوري ليس بحاجة لقرارات بقدر حاجته لخطط إستراتيجية وطنية عليا من أجل البدء بإعادة الإعمار، ومن ثم تأتي الخطط الجزئية التنفيذية التي تحتاج إلى قرارات من أجل تنفيذها في إطار الخطط الإستراتيجية العليا، حيث إن عملية إعادة الإعمار تتطلب قبل كل شيء استنهاض جميع الطاقات البشرية والمادية في جميع المحافظات وبكل الطرق والوسائل، حيث إنها ليست سهلة وهي مكلفة جداً، ومتوسطة إلى طويلة الآجل، وتتطلب مشاركة جميع الفئات وجهات المجتمع وليست الدولة لوحدها مسؤولة عن تنفيذها أو القطاع الخاص والمؤسسات الحكومية، بل جميع شرائح المجتمع، مشيراً إلى إستراتيجيات عليا كهذه تتطلب الاعتماد على الذات أولاً، مع ضرورة تفعيل التعاون الدولي مع أصدقاء سورية في إطار الشراكة، لأن عملية إعادة الإعمار تتطلب استثمارات هائلة، وإن كان السوريين ليسوا بقصيري حربة، ولكن مثل إستراتيجية ضخمة كهذه تحتاج لجهود الجميع.
وأوضح فضلية أنه من الضروري تفعيل القطاع المصرفي الذي سيكون له دور كبير جداً يصل إلى أكثر من 50% من عملية إعادة الإعمار بالمقارنة مع ما كان دوره ما قبل الأزمة، حيث يجب أن يكون للمؤسسات المالية العامة والخاصة دور كبير في تمويل هذه العملية، من خلال التمويل الكلي والجزئي والخاص وتقديم التسهيلات الائتمانية بكافة أنواعها.
وشدد فضلية على أن يكون للمصرف المركزي دور كبير في تأمين القطع الأجنبي لأن عملية كهذه تحتاج إلى مبالغ هائلة من القطع الأجنبي اللازمة من أجل المستلزمات الضرورية، مع الإشارة إلى أهمية ترشيد القطع الأجنبي بحيث يذهب لتأمين المستلزمات الأساسية التي تساهم في إعادة بناء البنية التحتية التي تساهم في إعادة إطلاق النشاط الاقتصادي.
ولفت فضلية إلى أن كل ما ذكر يجب أن يتم بعقلية منفتحة ومتحررة من الروتين والبيروقراطية الجامدة، لأن عملية إعادة الإعمار لا يمكن أن تنجز على رتم كل الفكر الروتيني البيروقراطي الذي كان سائداً في الأحوال العادية السابقة، وإنما يجب تحميل المسؤولية وإعطاء صلاحيات لكل الجهات ضمن ضوابط مؤسسية معينة، إضافة إلى أهمية انجاز الخطط ضمن مهل زمنية محددة، ولا يمكن أن يتم ذلك إلا بتحرير العقلية المؤسساتية لتصبح مرنة وشفافة، والتخلص من العقلية المتحجرة والروتين الإداري الهرم، وإلا سوف نبقى قرناً ونحن نتحدث وننظر في خطط إعادة الإعمار.