
كشفت البيانات الإحصائية الصادرة عن مديرية الجمارك العامة السورية، والتي لم تعتمد رسمياً بعد، أن الميزان التجاري بين سوريا ولبنان، الذي حافظ على أرجحية واضحة لمصلحة سوريا خلال أول عامين من عمر الأزمة السورية، سجّل العام الماضي، ولأول مرة، فائضا لمصلحة لبنان بلغت قيمته نحو 875.639 مليون ليرة سورية (نحو 6 ملايين دولار)، بينما كان الميزان مائلا للجانب السوري عام 2012 بقيمة 445.808 مليون ليرة سورية، وبتراجع شديد عن عام 2011 بلغت نسبته 97%، حيث سجل الميزان التجاري حينها فائضا وصل إلى 14.676 مليار ليرة.
وأوضحت بيانات الميزان التجاري بين البلدين، أن المستوردات السورية من لبنان تضاعفت بين عامي 2011 و2013، إذ كانت تبلغ نحو 7.419 مليارات ليرة سورية، وارتفعت بنسبة 115% في عام 2012 لتبلغ نحو 15.898 مليار ليرة سورية، ثم ارتفعت بنسبة 0.37% في عام 2013 لتبلغ نحو 15.958 مليار ليرة سورية.
وشهدت الصادرات السورية نحو لبنان،بحسب جريدة الأخبار اللبنانية، تراجعاً واضحاً، فالبيانات الأولية تبيّن أنّ قيمة الصادرات السورية إلى لبنان بلغت خلال عام 2012 نحو 16.344 مليار ليرة سورية، بتراجع وصلت نسبته إلى 26% مقارنة بعام 2011، بينما سجّلت العام الماضي نحو 15.082 مليار ليرة سورية، بانخفاض نسبته 7.7% مقارنة بعام 2012، وبنسبة 31% مقارنة بعام 2011.
وكانت بيانات «الاسكوا» المنشورة نهاية العام الماضي، قد لفتت إلى أنّ صادرات لبنان إلى سوريا بلغت قيمتها خلال عام 2012 نحو 294 مليون دولار، بينما سجّلت مستورداته ما قيمته خلال العام نفسه 266 مليون دولار، أي إنّ الميزان التجاري كان لمصلحة لبنان منذ عام 2012.
وأشارت المتغيّرات التي طرأت على تركيبة الميزان التجاري بين البلدين خلال العامين الأخيرين، إلى أن لبنان تحول إلى رئة تجارية مهمة تزود السوق السورية باحتياجاتها من السلع والمواد خلال فترة الأزمة، فالعقوبات الاقتصادية الخارجية المفروضة تدريجياً منذ منتصف عام 2011، وانخفاض معدلات الإنتاج الزراعي والصناعي نتيجة الحرب الدائرة، دفعا بسوريا إلى زيادة اعتمادها على السوق اللبنانية، لتوفير ما تحتاجه من سلع، سواء كانت منتجة في لبنان أو مستوردة من الخارج. فمثلاً تشير قائمة السلع المستوردة من لبنان خلال عام 2012 إلى تصدر مادة الاسمنت القائمة بنحو 1.9 مليار ليرة سورية، فالغاز السائل بنحو 1.2 مليار ليرة، كما يلاحظ تقدم مستوردات سلع زراعية غذائية يعرف عن لبنان أنه غير منتج لها بكميات تسمح بتصديرها من جهة، وعدم استيراد سوريا لها سابقاً عبر البوابة اللبنانية من جهة ثانية، فقد كان لافتاً تقدم مستوردات دقيق الحنطة (قمح) إلى المرتبة السابعة في القائمة بقيمة 396.3 مليون ليرة، فالسكر الأبيض المكرر إلى المرتبة الثامنة بقيمة 282.3 مليون ليرة سورية، بينما لم تتجاوز قيمتها عام 2011 أكثر من 77.8 مليون ليرة.
وبينت متغيرات الميزان التجاري، أن الصادرات السورية إلى لبنان تراجعت قيمتها تحت ضغط تراجع أداء القطاعات الإنتاجية المحلية، وصدور قرارات حكومية عدة تمنع تصدير بعض السلع، أو تقلل من كمياتها المصدرة لتوفيرها في السوق المحلية وضبط أسعارها، إضافة إلى التغير في تركيبة هذه الصادرات، فوفق دراسة أعدتها وزارة الاقتصاد والتجارة عن العلاقات الاقتصادية السورية اللبنانية قبل الأزمة، فإن أهم الصادرات المتجهة إلى لبنان عام 2008 كانت كالتالي: قضبان حديدية أو صلب، أحذية، بياضات للأسرة من ألياف تركيبية أو اصطناعية، أقمشة، خيوط، علب وصناديق قابلة للطي من الورق أو الورق المقوى غير الممزوج، ألواح وصفائح وأغشية... وغيرها، بينما اذا استعرضنا بيانات الجمارك حول أهم الصادرات السورية نحو لبنان لعام 2012 (وهي البيانات المتوافرة حتى الآن، التي لم تنشر وتعتمد رسمياً) لوجدنا أن صادرات الفوسفات تصدرت القائمة بقيمة 3.455 مليارات ليرة سورية، فالجبن الطازج بقيمة 665.248 مليون ليرة، ومن ثم مستحضرات التنظيف وإزالة الدهون بنحو 635.056 مليون ليرة، واللافت تقدم البندورة إلى المرتبة السادسة بقيمة 514.517 مليون ليرة، والجزر واللفت إلى المرتبة العاشرة بنحو 307.689 ملايين ليرة... وغيرها.
واتفقت،بحسب الأخبار اللبنانية، معظم القراءات الاقتصادية لمستقبل العلاقات التجارية بين سوريا ولبنان على أن تداعيات الأزمة ستظل متحكمة بتوجيه هذه العلاقات إلى حين استعادة البلاد لعافيتها الاقتصادية وعلاقاتها الخارجية، وذلك بالنظر إلى عدة عوامل.
وتشمل هذه العوامل، استمرار اعتماد سوريا على النافذة اللبنانية لتلبية بعض احتياجاتها من المستوردات الرئيسية، وحاجة سوريا الماسة لمزيد من المستوردات، كمّاً ونوعاً، مع توقف القتال وبدء مرحلة إعادة الإعمار، وهو نشاط لن يكون باستطاعة المرافئ السورية تلبيته وحدها، مركز كثير من رجال الأعمال السوريين في بيروت خلال فترة الأزمة، وتضرّر المنشآت الاقتصادية والإنتاجية على نحو كبير خلال السنوات الثلاث السابقة، وتالياً فإن إعادتها إلى العمل والإنتاج والتصدير لاحقاً تحتاج إلى فترات زمنية تحكمها ظروف عديدة، الأمر الذي سيسمح للعلاقات التجارية بين البلدين بأن تستمر في التحرك خارج نطاق ما عرف عنها سابقاً.