أسس أنس ظبيان شركة أوغاريت للاستشارات، في الوقت الذي يبدو فيه الاقتصاد السوري، متوقف عن العمل، وشركاته معطلة، لكن يرى ظبيان أن في ذلك فرصة. كيف ينظر ظبيان الراغب في ترسيخ العمل الاستشاري إلى الاقتصاد السوري عقب 3 سنوات من الأزمة؟ وما هي مطالب القطاع الخاص للحكومة؟ ولماذا يرى رئيس مجلس إدارة اوغايت للاستشارات أن الشركات الأجنبية ستدخل إلى سورية عقب الأزمة؟ وماذا قال للشركات التي ترغب في الدخول للسوق السورية؟ هذه بعض محاور لقاء خاص لموقع B2B مع أنس ظبيان.
خاص|B2B| الصحفي تامر قرقوط
كيف تنظر للاقتصاد السوري حاليا؟ وهل هو قادر على الاقلاع من جديد؟
بالتأكيد، على مدى 3 سنوات، ورغم كل ماتعرض له من ضربات مازال صامدا إلى حد ما حتى اليوم، ورغم أن الاعتماد الرئيسي على الصادرات والنفط، وغيرها، بينما العقوبات الاقتصادية، شكلت الضربة الاكبر للاقتصاد.
تتحدث عن اقتصاد صامد، ماسبب ذلك؟
تنوعه، واعتماده على مشاريع صغيرة، فالاقتصاد الذي يعتمد على مشاريع كبيرة يكون عرضة للخطر أكثر من غيره، ويواجه أزمات، كما حدث في أمريكا والدول الأوربية، بينما تنوع الاقتصاد السوري، وعدد الشركات الصغيرة و المتوسطة الكبير لديه، واعتماد الأشخاص على العمل الفردي.
لكن هذا مشكلة بحد ذاته؟
الفكرة أن كل 3 إلى 4 أشخاص يشكلون مجموعة ولديهم عمل خاص بهم، وبالنهاية هذا يعطي مفعول جيد بالناتج القومي، لكن يؤثر على موضوع المجتمع ايجابيا، فالمجتمع عندما يؤمن احتياجاته من خلال أعمال بسيطة أو عمل فردي فهو موضوع جيد للاقتصاد السوري الذي أتفاءل به.
من أين التفاؤل: معدل نمو سلبي، معدل بطالة مرتفع، توقف في القطاعات الاقتصادية الحقيقية،، توقف عدد كبير من المشاريع والشركات، وغيرها من العوامل المؤثرة سلبا على الاقتصاد؟
لانستطيع اليوم تقديم دراسة صحيحة عن الاقتصاد السوري في ظل حرب، في هكذا ظروف لايمكن أن تقدم خطة طويلة الأمد، كما كان سابقاً، لبناء المستقبل. تقييم الوضع الاقتصادي، يدل أن الاقتصاد السوري في وضع صعب، 70 إلى 80 بالمئة من شركاته متوقفة، هناك عقوبات مفروضة عليه، آبار النفط لا تعمل كلها، التصدير متوقف، ولايوجد امكانية لتقيم وضعه لننطلق إلى الأمام، بناء على هذه القاعدة. وبعد حل الأزمة الراهن، سيكون هناك تقييم لما حصل، وحجم الضرر، وسيكون هناك خطة طويلة الأمد لاعادة إحياء الاقتصاد.
تقول الحكومة إن لديها خطة الآن، لليوم الأول لما بعد الأزمة، على أي أساس بنت الحكومة هذا التصور؟
للاسف مازالت عجلة الدمار مستمرة، ويصعب تقديرها، نسمع عن تقييمات وتقديرات لحجم الأضرار بأنها بلغت 300 مليار دولار، وهي ارقام تقريبية، وغير حقيقية وليست ثابتة، لكن بالحقيقة حجم الأضرار الحقيقي يحدد عند اعلان ساعة الصفر، وإجراء تقييم شامل للمرحلة الماضية من الأزمة.
هل تتوقع أن تأتي شركات كبيرة للعمل بعد انتهاء الأزمة؟
هناك عدد كبير من الشركات تراسل الحكومة، ونحن كشركة تراسلنا بعض الشركات الأجنبية، وتطلب منا مسح للوضع العام بسورية، وما المواد الناقصة، والخدمات غير المتوفرة، وامكانية دخولها في المستقبل لتلبية هذه الخدمات والمنتجات..الخ، ولديها طموح كبير للدخول إلى الأسواق السورية والاستثمار فيها.
هل تصطاد الفرص؟ لأن في سؤالها عن عن الوضع الاقتصاد السوري رغبة في القدوم؟
يلاحظ أن أكبر الشركات، كانت انطلاقتها خلال الأزمات، وذلك يتضح على مر التجربة التاريخية لاسيما خلال الفترة بين الحربين العالميتين الأولى والثانية، كما أن الشركات تسعى لخلق عمل خلال الأزمات.
الشركات تخلق أزمات أحيانا؟
ممكن، الشركات تخلق أزمات، والأزمات تخلق شركات.
كيف بدأتم بتأسيس شركة في هذه الظروف الصعبة؟
الهدف الأول من تأسيس أوغاريت الاستشارية هو التحفيز على الاستثمارات والدراسات في المجال الاستشاري والاستثماري، وللاسف البيئة السورية لايوجد فيها شركة تعنى بموضوع الاستشارات الاستثمارية لادارة هذا الموضوع بشكل احترافي. ومن يريد اليوم التأسيس لمشروع استثماري يصعب عليه الحصول على معلومات كاملة، كيف يبدأ بالمشروع، والمواصفات اللازمة لذلك، والدراسات الخاصة به الادارية والتسويقية والاستثمارية، وشركة أوغاريت الاستشارية تعنى بهذا المجال، وتقديم الخدمات للمستثمر المحلي والعربي والأجنبي.
ماهي الخدمات التي تقدمها الشركة؟
تنقسم خدماتنا إلى قسمين، الأول خارجي يتعلق بتقديم كل مايحتاجه المستثمر الأجنبي من ناحية الخدمات الاستشارية الادارية الاستثمارية، ودراسات اعادة الهيكلة والجدوى الاقتصادية، أو اعادة إحياء المشاريع المتوقفة، عبر تقديم دراسات خاصة به. أما القسم الثاني فهو داخلي، الذي بدوره يتفرع إلى شقين، أولا تقديم خدمات استثمارية للمستثمرين المحليين، وخدمات ادارية واستشارية وتسويقية للشركات المحلية التي لديها ضعف بموضوع الاستثمار والتسويق،اضافة إلى خدمة اعادة هيكلة الشركات وادارة المخاطر والأزمات، ويعنى هذا الشق بموضوع الشركات السورية المتضررة من الأزمة والتي تعرضت لمخاطر عالية أو أزمة ما، إذ يمكننا اعادة هيكلة بنيتها الداخلية، ونظامها الاداري، والاسلوب الاداري( المصاريف، والمداخيل) حتى يمكن تحويلها من شركة متوقفة إلى شركة أكثر فاعلية بالسوق.
هذا الشق كبير جدا، نظرا لحجم وعدد الشركات المتوقفة الأن؟
هناك 70% من الشركات متوقفة، حسب الاحصاءات، وهي شركات صغيرة ومتوسطة، و30% الأخرى لم يصرح أصحابها أنها متوقفة فعليا، لكن هناك عدد كبير منها متوقف.
توقف عدد كبير من الشركات السورية يعود لأسباب منها، أن صاحب العمل لديه مشكلات بأنه غير قادر على اتخاذ القرار بأن يتوقف نهائيا ويصفي شركته أو يستمر بخسائر عالية. نحن نقدم الخدمات لهؤلاء وللشركات التي تحتاجها في المرحلة القادمة.
العمل الاستشاري ليس جديدا على سورية، لكن مرت مرحلة لم يكن هذا العمل مقبولا لدى كثيرين؟
كان هناك مكاتب استشارية بموضوع أزمة أو مشكلة، وكان عملا غريبا عن السوق. أغلب الاشخاص كان لديهم القناعة بأنهم قادرون على ادارة مشاريعهم بنفسهم، وتحقيق النجاح، وأخرين يديرون مشاريعهم بشكل جيد، ويحققون ربحا خفيا أو غير حقيقي، ما يوقعهم بالمستقبل بالعجز نتيجة التراكمات السابقة. حاليا يوجد وعي تجاه هذا الموضوع، والاستشاري هو الأكثر خبرة لحل المشكلات ومعالجتها.
هل رجال الأعمال السوريين اليوم أكثر ادراكاً لأهمية هذا العمل؟
بالتأكيد هناك ادراك للعمل الاستشاري، وهناك وعي ورغبة لديهم، بأن يتعلموا هذه المبادىء. التسويق قطاع جديد على قطاع الأعمال السوري، وكثيرون يريدون تعلمه والتعرف عليه، لاسيما ان الانفتاح الاقتصادي يختلف عن المرحلة السابقة، إذ توجد شركات عربية وأجنبية ستدخل إلى السوق. واي شركة تطلب من وكيلها أو شريكها دراسة جدوى السوق المحلية، وهذا يتطلب اقامة علاقة استراتيجية مع شركات الاستشارات.
ماذا تقولون للشركات والمستثمرين التي تستشيركم للقدوم إلى سورية؟
نضعهم بصورة الأزمة في سورية، والأوضاع الراهنة، ودراسة نسبية للاقتصاد السوري، كيف كان وكيف صار؟ والتوقعات المستقبلية، نحن يجب أن نكون صادقين في عملنا. الاقتصاد السوري، وواقعه، نعرضه كما هو، ونظهر الجوانب الايجابية. هذا هو عمل الاستشاري والطموح والآمال التي يمكن من خلالها أن يحقق المستثمر النجاح في حال دخوله إلى السوق.
مشكلات الاقتصاد السوري قبل الأزمة، معروفة، بطالة، ضعف معدلات النمو، التنمية غير مستقرة، وغيرها، هذه المشكلات مازالت موجودة، وتعمقت أكثر، ونحن مقبلون على مرحلة صعبة جداً، أهم موضوع فيها هو التمويل؟
أولا يجب أن يكون هناك دعم من قبل الدولة لهذا الأمر، كإحداث صندوق تمويل خاص للمستثمر السوري، تؤسسه الدولة، وإشراك القطاع الخاص به، يسمى الصندوق الوطني للتمويل، تحاول الدولة ضخ مبالغ ورؤوس أموال فيه، حتى يتمكن أصحاب المشاريع الصغيرة والمستثمرين السوريين تمويل مشاريعهم ويؤسسوا لمرحلة جديدة.
هناك تجارب سابقة، أطلقت فيها صناديق إعادة اعمار شاركت فيها دول خارجية؟
انا ضد مشاركة الدول الأخرى بهذه الصناديق، لأنها تشكل ورقة ضغط، وسورية ليست بحاجة إليها.
لكن حجم الأضرار الكبير يحتاج إلى مبالغ كبيرة لاعادة البناء، كيف سيتم تأمينها؟ وهل رأس المال السوري قادر على تأمينها؟
توجد امكانية لذلك من خلال الموارد الطبيعية وموازنات الدولة، لاسيما ان التوجه هو نحو اعادة بناء للمنشآت المتضررة، لكن الاقتصاد السوري بحاجة إلى اعادة اعمار حتى نتمكن من خلق فرص جديدة لاسيما في مجال فرص العمل. وهناك موارد طبيعية متوفرة من خلال النفط والغاز إذ من المفترض أن يخصص جزء من عائداتها لدعم صندوق الوطني للتمويل.
من التحديات الكبيرة التي تواجه اقتصادنا خلق 250 ألف فرصة عمل سنويا، ولكن هناك من يرى أننا بحاجة إلى عمالة في الفترة القادمة؟
يوجد في سورية 4.5 ملايين عاطل عن العمل، وهو رقم تقديري، هناك من خرج من البلد وهناك من يدخل سنويا، وهناك عدد كبير قبل الأزمة يعملون في الخارج، يقدر عددهم في لبنان مثلا بنحو نصف مليون عامل. العمالة السورية تستطيع تغطية مرحلة اعادة الاعمار، وإذا كان هناك حاجة لعمالة أجنبية، فبرأيي الأولوية تكون للدول الأقرب إلينا، كالعراق، والدول الصديقة الأخرى. كما أن العمالة الأجنبية كلفتها أعلى من العمالة السورية، وسيؤدي إلى تحميل كلف عالية على أي مشروع استثماري، ولذلك من الأفضل أن نغطي حاجتنا من خلال عمالتنا، فالعمالة الأجنبية على المدى البعيد تخلق أزمة ويصعب اخراجها.
هناك آراء تذهب إلى اقصى اليمين وترفض دخول شركات أجنبية؟
في المرحلة الأولى من الصعب رفض ذلك، لأن على المنظور السياسي سيكون هناك تسوية، أي شروط سياسية واقتصادية...الخ، واتفاقيات حول ذلك. ورفض دخول الشركات الأجنبية بعيد عن الواقع، الشركات الأجنبية ستدخل.
البعض يتخوف من النموج الاقتصادي القائم، برأيك ما النموذج الاقتصادي الذي يناسب المرحلة القادمة؟
الانتقال من الاقتصاد المخطط إلى اقتصاد السوق الاجتماعي سبَب أزمة بالمجتمع للأسف، لكن اقتصاد السوق الاجتماعي هو الأنسب الأن لكل المجتمعات الصغيرة، لسنا كأمريكيا يناسبها سوق راسمالي، السوق الاجتماعي هو الأنسب للاقتصادات الصغيرة والمتوسطة.
هناك أصوات وقوى ترفض ذلك؟
الفكرة يكون اقتصاد سوق اجتماعي، ونمذجته على المجتمع السوري.
كيف ذلك، ماهي الصيغة التوفيقية؟
هذه الصيغة يمكن ايجادها من خلال حوار كبير لجميع الاقتصاديين والدولة والجهات التخطيطية، حتى نخرج بنموذج يناسب حاجة المجتمع السوري. يجب أن تكون هناك نظرة شاملة للأسواق المجاورة، وبناء اقتصاد يناسب النسيج السوري والوضع بالمنطقة.
برأيك ما هي القطاعات التي ستكون أكثر جذبا للاستثمارات؟
بمعزل عن الحديث عن البنى التحتية وقطاعات الكهرباء والنفط والغاز..الخ، سيكون قطاع البناء أكثر جذبا، وأيضا قطاع تخطيط المدن والسكن، والأمل من الجهات الحكومية أن تضع خطة لذلك وتنظم اعادة الاعمار، فهناك شركات اسكان واعمار سورية موجودة على الأرض، وجاهزة للبدء، لكن لايوجد مخطط واضح للمدن، والاعمار، ونتمنى حل هذه المشكلة.
ماذا تطلبون من الحكومة حاليا؟
نتمنى أن يكون هناك إشراك أكبر للقطاع الخاص بمختلف جوانب العملية الاقتصادية.
الحكومة تقول إن الباب مفتوح، والقطاع الخاص يقول إنه جاهز، أين نقطة الإلتقاء؟
نقطة الإلتقاء بحاجة إلى مبادرة، ونحن نعمل على موضوع ملتقى اقتصادي، ننظمه بدمشق، نتمنى أن يكون مشتركا بين الحكومة والقطاعات الاستشارية.