واصلت أسعار صرف الدولار في السوق المحلية انخفاضها التدريجي، لتسجل جلسة التدخل التي عقدها يوم أمس "مصرف سورية المركزي" نتائجها السريعة على السوق والتي حد من خلالها من بعض المضاربات وخروج بعض التجار من السوق، ليتراجع سعر الدولار إلى مستويات ما بين 150-152 ليرة للشراء و153-154 ليرة للمبيع في دمشق ، كما وشهدت تعاملات يوم أمس انخفاض مستوى الفروقات السعرية بين ما بين سعري البيع والشراء مما يؤكد انخفاض الطلب على الدولار في جميع المحافظات السورية ليتراجع الفرق ما بين البيع والشراء إلى ليرة واحدة في أغلب المحافظات.
جاء هذا الانخفاض بعد ان سجل الدولار ارتفاعاً خلال الأيام الماضية فوق 158 ليرة أمس الأول، إذ هذا لم يكن أبداً محاولات لتحفيز مرحلة تراكم تداول جديدة، بل لتفرق التجار الذين بدؤوا بالخروج من السوق فوق ذلك المستوى، لتنخفض أسعار الأمس إلى 154 ليرة نهاراً في ترقب تدخل المصرف المركزي، ليواصل انخفاضه في السوق السوداء إلى 152/153 مساءً بعد أن اجتماع المصرف مع مكاتب وشركات الصرافة، حيث تم الطرح على سعر 148.5 للشركات و150 للعموم.
وهذا ما يشرح كل التصورات التي تشطح بمجرد ارتفاع الدولار بضع ليرات أمام الليرة، في ظل ضغوط يومية على السوق ليست بجديدة تكون مسؤولة إلى جانب باقي العوامل الاقتصادي (المتعلقة بالإنتاج والبطالة والتضخم) والسياسية عن دولار عند 150 ليرة، وهذا ما يعني بلغة الأرقام انخفاضاً في قيمة الليرة بمعدل يتجاوز 69.3%، ساهم بارتفاع الأسعار بأكثر من 4 أضعاف، أي انخفاض القدرة الشرائية للمواطن بحدود 75%. وبمجرد إيجاد تفعيل التنسيق بين الاقتصاد والمركزي رفع نسبة التمويل من إجمالي طلبات الاستيراد المقدمة للوزارة سوف تتحسن الليرة أكثر وإلى مستوى قريب من 100 ليرة.
وهنا نستشهد بموجة الارتفاع الحادة في النصف الأول من حزيران 2013 عندما ارتفع الدولار أكثر من 100 ليرة في 4 أيام، ثم عاد وخسرها في 4 أيام أيضاً.
أمام ارتفاع الدولار بحدود 5% خلال أيام أو مناورته ضمن هامش 150 و158 ليرة فهذا أمر مرتبط بالمضاربات على المدى القصير، وهذا هو السقف لها خلال الفترة، علماً أن حاجز 160 قوي جداً، وحتى لم تم تجاوزه، فلن يدوم لأكثر من ساعات، ولمستوى محدود جداً، وهذا ناجم عن تحليل زخم العرض والطلب منذ تشرين أول 2013 وحتى الأمس، كما يمكن أن ينخفض الدولار إلى 145 (-5%) من أجل عودة «الديليرية» إلى الشراء بأسعار منخفضة، ثم الخروج عند 158 بربح يقارب 10% كأقصى حد ممكن، وهذا أمر مضبوط بقوة من قبل السلطات النقدية مثلما فعل المصرف المركزي يوم أمس.
وفي أسعار الدولار في إغلاقات بعض المحافظات السورية، فقد سجل الدولار في حلب عند 154 /155 ليرة وريف حلب عند 153/153.50 ليرة، أما اللاذقية 153.50/155 ليرة وجبلة 154/155 ليرة، دير الزور انخفض سعرالدولار فيها غلى 152.50 و153.50 ليرة، درعا هي الاخرى سجلت انخفاضا إلى 152.50/153.50 ليرة ، القامشلي بلغ سعر الدولار فيها 153/153.75 ليرة، الرقة 153.153.75 ليرة.
فيما بلغ سعر الدولار لدى مصرف سورية المركزي عند 144.04/144.9 ليرة
حيث عقد مصرف سورية المركزي جلسة تدخل حضرتها شركات ومكاتب الصرافة بغالبيتها العظمى، حيث تم التداول حول وضع سوق الصرف وحركة العرض والطلب، واستقرار سعر صرف الليرة السورية.
فكما هو معروف في تحليل اتجاه أسعار الصرف؛ يتأثر السعر في المدى القصير بالعرض والطلب، وهذا ما يقود السعر إلى مستويات يطلق عليه الاقتصاديون صفة (غير مفسرة) نظراً لعدم ارتباطها بأي عوامل ومؤشرات اقتصادية أو سياسية، ويؤكد هذا الأمر عودة السعر إلى مستواه التوازني سريعاً، لأن هذا المستوى الذي يتحدد على المديين المتوسط والطويل إنما يتفاعل بمؤشرات الاقتصاد والسياسة.
وفي تحليل حركة صرف الدولار مقابل الليرة فإن الظروف والمعطيات الحالية هي المؤثر الرئيسي ، كما أن خصوصية كل منها في المديين القصير والمتوسط، وبين هذين التفسيرين تدور رحى المضاربات، ويخسر المندفعون، ويربح المنسحبون والحذرون.
تبدأ القصة بالإشاعة، وهذا ما يؤسس لمرحلة تراكم التداول (وهو مسمى علمي في تحليل اتجاهات الأسعار) حيث يبدأ بجس نبض السوق وإثارة تصريحات غير رسمية حول ارتفاع سعر الدولار (في مثالنا عن الدولار مقابل الليرة)، وهنا يتم تراكم طلبات الشراء استجابةًً للمحفزات، ويتحدد مستوى الطلب وفق أوامر الشراء، فإذا كانت كبيرة، تدل على مستوى عال للمخاطرة في السوق على المدى القصير، أي شهية عالية لدى المندفعين للشراء لتقبل المخاطر.
وهنا تنتقل السوق إلى مرحلة المشاركة العامة، حيث يتم تشارك التحليلات والتوقعات حول ارتفاع السعر إلى مستويات قياسية، متجاهلين كل العوامل الأساسية (اقتصادية وسياسية) تنفي صحة تلك التوقعات، لكن على المدى القصير-ونحن نتحدث عن أيام قليلة- تكون الكلمة لمشاعر المتعاملين في السوق، ولا يكون هناك أثر للعوامل الأساسية، لذا يتم تأجيج السعر وتحول السوق إلى سوق اندفاعية- صاعدة (يقال عنها ثيرانية نظراً لتحكم الثيران المندفعين بالسعر)، ومع ازدياد زخم التداول وتأجيج السعر يخرج صناع السوق أو «الديليرية» وينتظرون ارتفاع السعر إلى المسويات المرتقبة للبيع وجني الأرباح على حساب خسارات المندفعون وراء السعر، وهذه تسمى مرحلة تفرق التجار، وعند نقطة الخروج (البيع) يبدأ السعر بالانخفاض، أي تصحيح مساره عائداً إلى مستوياته التوازنية التي انطلق منها، أو قريباً منها، لأن هذه المستويات هي التي تعكس أثر العوامل الاقتصادية والسياسة.