مقدمةIntroduction :
تعتبر السياسة النقدية أحد أشكال سياسات الإستقرار التي تنتهجها الدول من أجل مكافحة الإختلالات الإقتصادية المختلفة التي صاحبت التطور الإقتصادي، وكونها تمثل الجانب النقدي للسياسة الإقتصادية العامة، فإن ذلك يتطلب درجة عالية من التنسيق مع أدوات السياسة الإقتصادية الأخرى، كذلك فإن درجة فاعليتها وأهميتها النسبية كإحدى سياسات الإستقرار الإقتصادي تختلف من إقتصاد إلى آخر في ضوء تفاوت طبيعة الهياكل الإقتصادية السائدة والتفاوت في درجة تطور الأسواق النقدية والمالية من دولة إلى أخرى، وإختلاف الحالات الإقتصادية السائدة.
وكما أن السياسة الاقتصادية تعكس الموقف الاقتصادي العام، والسياسة المالية تعكس الموقف المالي للدولة، فالسياسة النقدية تمثل الموقف النقدي، ولابد من التكامل والانسجام بين السياسات الثلاث السابقة الذكر للسير بعجلة الاقتصاد قدماً وبشكل يساير الدورات الاقتصادية الطبيعية للنظام الاقتصادي، فكما هو معلوم فإن الاقتصاد يمر بأربع دورات هي الرواج والانكماش والكساد والازدهار وهي مترابطة كالفصول الأربعة وأي خلل في السياسات المذكورة سيؤدي لخلل بالاقتصاد.
يعد موضوع النظام النقدي والسياسة النقدية من المواضيع الهامة في دراسات الباحثين الاقتصاديين، نظراً لكون النظام النقدي هو الجهاز الذي يضخ النقود في أجهزة الجسم الاقتصادي للدولة، وأي خلل فيه سيؤدي إلى تعطل في مختلف القطاعات الاقتصادية، ومن هنا نشأ الاهتمام الكبير بضرورة تطوير الأنظمة النقدية لتوفير جميع الإمكانات الاقتصادية والمالية والنقدية الضرورية لعملية التنمية.
مفهوم وتعريف السياسة النقدية:
تعتبر السياسة النقدية أكثر أنواع السياسات التصاقاً بالتمويل والاستثمار، فهي تعتبر إحدى الوسائل الهامة للسياسة الاقتصادية التي تعتمدها الدولة والتي تتخذ من المعطيات النقدية موضوعاً لتدخلها بهدف تحقيق أغراض اقتصادية مختلفة، فتوفير النقد اللازم لتمويل احتياجات القطاعات الاقتصادية المختلفة والتوسع في الأسواق تعتبر من الشروط الأساسية للتنمية الاقتصادية الفعالة، فهي السياسة التي تعنى بإدارة التوسع والانكماش في حجم النقد بغية الوصول إلى أهداف معين
ومن ذلك تعرف السياسة النقدية بأنها عبارة عن البرامج أو الإجراءات التي تنتهجها السلطات النقدية لتنظيم النقد في المجتمع وصولاً للأهداف المرغوبة، وفي معظم البلدان يقوم بهذه الإجراءات البنك المركزي.
وكذلك يعرفها George Paniente على أنها مجموع التدابير المتخذة من قبل السلطات النقدية بقصد إحداث أثر على الاقتصاد وكذلك من أجل ضمان استقرار أسعار الصرف.
أي أنها "مجموعة الإجراءات والمبادرات التي تتخذها السلطات النقدية لإدارة عرض النقود وسعر الفائدة وسعر الصرف والتأثير في شروط الإئتمان لتحقيق أهداف إقتصادية معينة".
مما تقدم يمكن القول أن السياسة النقدية هي تلك السياسة المرتبطة بالنقود والجهاز المصرفي أو التي تتحكم في عرض النقود وبالتالي في حجم القوة الشرائية لبلد ما، وعليه فهي مجموعة القوانين التي تضعها السلطات النقدية بما يكفل سرعة وسهولة تداول النقود لكي تستطيع أن تقوم بوظائفها الاقتصادية بطريقة تساعد على تحقيق أهداف السياسة النقدية بهدف تحقيق الاستقرار الاقتصادي وتفادي الأزمات التي يتعرض لها الاقتصاد الوطني.
واليوم غدت السياسة النقدية أكثر التفافاً حول هدف مركزي أساسي ألا وهو الاستقرار النقدي المتمثل بتخفيض معدلات التضخم والعمل على الحفاظ على القوة الشرائية للنقد
أهداف السياسة النقدية:
إن السياسة النقدية جزءاً من السياسة الاقتصادية، ذلك أنها تساهم في تحقيق الأهداف العامة للسياسة الاقتصادية، إضافةً لما للنقود من تأثير على المتغيرات الاقتصادية الأخرى.
وتختلف أهداف السياسة النقدية تبعاً لمستويات التقدم والتطور الاقتصادي والاجتماعي للمجتمعات المختلفة، والنظم الاقتصادية والاجتماعية السائدة وظروف احتياجات وأهداف هذه المجتمعات.
فقد تطورت أغراض السياسة النقدية مع نمو الفكر المصرفي المركزي والتغيرات في كل من سلوك وأداء الإقتصادات المختلفة، وهناك إتفاق واسع الإنتشار بأن الأغراض النهائية للسياسة النقدية في الوقت الحاضر، سواء في الدول المتقدمة أو النامية يتمثل في تحقيق إستقرار في مستوى الأسعار، وتحقيق معدلات عالية من العمالة، وتعزيز معدلات النمو الإقتصادي، ومكافحة الإختلال في موازين المدفوعات بما في ذلك حماية القيمة الخارجية للعملة من خلال الحفاظ على مستويات مستقرة نسبياً لسعر الصرف، وهذه الأغراض وإن كانت متداخلة بطبيعتها، إلا أنها تثير أيضاً مشكلة التعارض الذي قد ينشأ فيما بينها.
يتضح مما سبق أن الأهداف الرئيسية للسياسة النقدية تتمحور حول الأهداف التالية:
1_ استقرار المستوى العام للأسعار:
يعتبر هدف تحقيق الاستقرار هو الهدف الأكثر أهميةً بالنسبة للسياسة النقدية وخاصة في البلدان المتخلفة مما تعانيه من تضخم بصورة أكثر حدة من الدول المتقدمة.
2_ التوازن في ميزان المدفوعات:
تهدف السياسة النقدية إلى تحقيق التوازن في ميزان المدفوعات ومعالجة الخلل الذي قد يطرأ عليه من فائض أو عجز، وذلك عن طريق تخفيض معدلات الفائدة في الدول التي ميزان مدفوعاتها في حالة فائض وخاصة الدول المتخلفة.
أما في حالة تحقيق ميزان المدفوعات عجز تلجأ الدولة الغنية إلى زيادة معدلات الفائدة حتى تشبع تدفق رؤوس الأموال الأجنبية، علماً أن هذا التحرك لرؤوس الأموال إلى داخل الاقتصاد يعمل على التقليل من حدة العجز في ميزان المدفوعات.
3_ تقوية واستقلالية البنك المركزي وتطوير المؤسسات المالية والمصرفية:
تسعى السلطة النقدية إلى السيطرة على الأدوات النقدية، لتنفيذ سياستها النقدية المناسبة ومن ثم الوصول إلى الأهداف المحددة، فمن خلال تقوية موقف السياسة النقدية يقوى مركز السلطة النقدية ويتم اتخاذ القرارات المناسبة بمعزل عن أي سلطة أخرى، من هنا يكون هدف تقوية البنك المركزي وتحقيق استقلالية السلطة النقدية هو أحد أهم الأهداف لدى السلطة النقدية والتي تسعى لتحقيقها.
4_ تحقيق التنمية الاقتصادية:
تلعب السياسة النقدية دوراً هاماً في توجيه السياسة الإستراتيجية والاقتصادية العامة للدولة، إذ أنها تتحكم في حجم وسائل الدفع من حيث تأثيرها على حجم الائتمان وعلى سعر الفائدة وبالتالي على الاستثمار ونموه وتحقيق التنمية الاقتصادية وهو رفع معدل الاستثمار، ولما كان كل استثمار لابد أن يقابله ادخار، فإن رفع معدل الاستثمار يقتضي بالضرورة رفع معدل الادخار اللازم لمواجهة متطلبات الاستثمار، إذا المشكلة هي مشكلة تمويل الاستثمار بمعنى آخر تمويل التنمية الاقتصادية، والتمويل قد يكون محلياً كما قد يكون أجنبياً.
والحقيقة هي أن القضية الأساسية لتحقيق التنمية ليست بالضرورة المستوى الذي يرتفع إليه معدل الادخار والاستثمار، وإنما المهم هو وجود الإمكانية اللازمة لدفع هذا المعدل نحو الزيادة والارتفاع بصفة مستمرة، وهذا الارتفاع المستمر في معدل الاستثمار لا يتوقف على المستوى الذي يرتفع إليه معدل الاستثمار، لأن ارتفاع معدل استثمار دون توافر مقومات التنمية الأخرى قد لا يدفع الاقتصاد الوطني نحو التقدم، لهذا فإن الارتفاع المستمر في معدل الاستثمار يتوقف على نمط وكيفية استخدام هذا الحجم من الاستثمار، لهذا تعمل السياسة النقدية على تعبئة وتنمية أكبر قدر ممكن من الموارد ووضعها في خدمة عملية التنمية الاقتصادية مع توفير الشروط الملائمة والمناسبة وتقديم التسهيلات المطلوبة لقيام الاستثمارات وتوجيهها نحو القطاعات التي تخدم الاقتصاد الوطني.
استخدام أدوات السياسة النقدية:
في الفجوات التضخمية:
تنتج الفجوة التضخمية نتيجة ارتفاع الطلب الكلي عن العرض الكلي (AD > AS)، ويمكن القضاء على هذه الفجوة عن طريق تقليل الطلب الكل، وفي هذه الحالة يتم استخدام "السياسة النقدية الانكماشية" (Contractionary Fiscal Policy) كما يلي:
1- عمليات السوق المفتوحة: وتتضمن هذه الأداة قيام البنك المركزي ببيع السندات الحكومية إلى الأفراد والبنوك التجارية والمؤسسات المختلفة، حيث أن عملية البيع هذه ستؤدي إلى انخفاض كمية النقد المتداول في الاقتصاد، مما يعمل على تخفيض القوة الشرائية للأفراد وتقليل حجم الإنفاق الاستثماري الذي يقوم به قطاع الإنتاج، وبالتالي ينخفض كل من الإنفاق الاستهلاكي (C)، والإنفاق الاستثماري (I)، مما يعمل على تخفيض الطلب الكلي إلى أن يصل إلى مستوى العرض الكلي.
2- سعر الخصم: يقوم البنك المركزي برفع سعر الخصم مما يعني انخفاض حجم القروض المتوفرة لدى البنوك التجارية، والتي بدورها ترفع سعر الفائدة على الودائع والقروض، مما يعنى ارتفاع حجم الأموال المودعة في البنوك (حيث أصبح العائد على الأموال المودعة أعلى من السابق)، وانخفاض حجم القروض (بسبب ارتفاع تكلفة الإقراض). ويؤدي هذا إلى انخفاض حجم الإنفاق الاستهلاكي (C)، والإنفاق الاستثماري (I)، مما يعني انخفاض الطلب الكلي. وتستمر هذه العملية لحين عودة الطلب الكلي إلى مستوى التوازن.
3- الاحتياطي القانوني: يقوم البنك برفع نسبة الاحتياطي القانوني مما يعني انخفاض قدرة البنوك على توليد الائتمان ونتيجة لارتفاع نسبة الاحتياطي القانوني ينخفض الإنفاق الاستهلاكي (C)، والاتفاق الاستثماري (I)، إلى أن يتساوى الطلب الكلي مع العرض الكلي.
في الفجوات الانكماشية:
تنتج الفجوة الانكماشية بسبب انخفاض الطلب الكلي عن العرض الكلي (AD < AS). ويمكن القضاء على هذه الفجوة عن طريق تحفيز وزيادة الطلب الكلي، أي يتم إتباع "السياسة النقدية التوسعية" (Expansionary Fiscal Policy) كما يلي:
1- عمليات السوق المفتوحة: وتتضمن هذه الأداة قيام البنك المركزي بشراء السندات الحكومية من الأفراد والبنوك التجارية والمؤسسات المختلفة، حيث أن عملية الشراء هذه ستؤدي إلى ارتفاع كمية النقد المتداول في الاقتصاد، مما يعمل على زيادة القوة الشرائية للأفراد وزيادة حجم الإنفاق الاستثماري الذي يقوم به قطاع الأعمال، وبالتالي يرتفع حجم كل من الإنفاق الاستهلاكي (C)، والإنفاق الاستثماري (I)، مما يعمل على زيادة الطلب الكلي حتى يصل إلى مستوى العرض الكلي.
2- سعر الخصم: ويقوم البنك المركزي بتخفيض سعر الخصم مما يعني تشجيع البنوك التجارية على الاقتراض وبكميات أكبر من البنك المركزي. وتقوم البنوك التجارية بتخفيض سعر الفائدة على الودائع والقروض مما يعنى انخفاض حجم الأموال المودعة في البنوك (حيث أصبح العائد على الأموال المودعة اقل من السابق)، وارتفاع حجم القروض (بسبب انخفاض تكلفة الإقراض). وتكون المحصلة النهائية أن يرتفع حجم الإنفاق الاستهلاكي (C) والإنفاق الاستثماري (I)، مما يعني ارتفاع الطلب الكلي وتستمر هذه العملية لحين ارتفاع الطلب الكلي إلى مستوى العرض الكلي.
3- الاحتياطي القانوني: يقوم البنك برفع نسبة الاحتياطي القانوني، مما يعني انخفاض قدرة البنوك التجارية على توليد الائتمان (تذكر قانون مضاعف النقود). ونتيجة ارتفاع نسبة الاحتياطي القانوني ينخفض كل من الإنفاق الاستهلاكي (C)، والاتفاق الاستثماري (I)، إلى أن يتساوى الطلب الكلي مع العرض الكلي.