أكد الدكتور حيان سلمان معاون وزير الاقتصاد في حديثه لتشرين أن أهم عوامل التضخم الذي تشهده سورية منذ عام 2011 وحتى الآن، هي الحرب التي تشهدها سورية، ذلك أن معدل التضخم قد بلغ في عام 2010 (8.4%) أما اليوم فقد زادت نسبته بشكل كبير.
بالاضافة غلى تدمير أغلب المواقع الإنتاجية للمنشآت ولاسيما المشاريع المتوسطة والصغيرة التي شكلت 65- 70% من حجم الناتج المحلي الإجمالي ، الأمر الذي أدى الى عرقلة عرض المنتجات في الأسواق، فزاد الطلب عليها وارتفعت أسعارها وزادت مستويات التضخم.
إضافة الى أن العقوبات الاقتصادية الجائرة التي فرضت على سورية، قللت من المستوردات فتراجعت نسبتها الى ما دون 9%، فبقيت الكمية المعروضة من البضائع المستوردة تعرض بكميات محدودة، فزاد الطلب عليها.
ويؤكد سلمان أن التضخم الحاصل هو تضخم من جهة العرض وليس من جهة الطلب معتبراً د.سلمان أن أحد عوامل نقص العرض الحاصل هو تباين الأسعار الذي يشهده المستهلك بين منطقة وأخرى.
التضخم لا يحدث بين ليلة وضحاها بل هو نتيجة تراكم عوامل اقتصادية ونقدية متعددة هذا ما أكده د. عابد فضلية إذ قال: إن الزيادة في الطلب على العرض وارتفاع الأسعار الناتج عن ارتفاع أسعار التكلفة وعن زيادة عرض النقود والزيادة في الطلب مع عدم نقصان العرض إضافة إلى أن عدم ازدياد الطلب يؤدي الى نقصان العرض.. هي الأسباب الفعلية للتضخم
فالاقتصاد السوري تعرض الى هذه الأسباب مجتمعة حيث انخفض العرض والطلب معا وبشكل كبير لكن الطلب ظل أكبر من العرض، فارتفعت تكاليف الانتاج بسبب ارتفاع أسعار الوقود والطاقة ابتداء مما سبق الأزمة وذلك الارتفاع كان بنسب كبيرة خاصة لمادة المازوت ما هزّ كيان الاقتصاد فازدادت تكلفة الانتاج وارتفعت الأسعار فطالب العمال بأجور أكثر وطالب الحرفيون بأتعاب أكبر فانتشرت ثقافة الغلاء وعمّ مناخه.
كما أوضح فضلية (عميد كلية العلوم الإدارية في جامعة شام الخاصة) أن عملية التمويل بالعجز من شأنها زيادة نسب التضخم الذي ضرب الاقتصاد السوري إلاّ أن ارتفاعات الأسعار عملت على امتصاص الكتلة النقدية الناشئة من هذا التمويل.
ومع التحدي الكبير الذي فرضته الأزمة على الاقتصاد السوري تحول العاملان اللذان من شأنهما رفع نسبة التضخم الى عاملين للجمه إضافة لعامل ثالث تمثل في لجوء الناس الى شراء القطع الأجنبي الدولار ما شكل نسبة كبيرة من الثروة غير الجاهزة للإنفاق موجودة على شكل ذهب وقطع ما ساعد على لجم التضخم.
تحصل موجات التضخم تبعاً لأسباب مختلفة، ذلك أن لكل حالة تضخم أسباباً تختلف عن الأخرى فلا يمكن التعامل مع التضخم ومعالجته بشكل فعّال من دون معرفة الأسباب الرئيسة والثانوية له هذا ما أوضحه د. رسلان خضور- عميد كلية الاقتصاد في جامعة دمشق حيث قال: يحصل التضخم عادةً بفعل عوامل العرض إذ ينجم عن ارتفاع تكاليف مدخلات العملية الانتاجية، انخفاض سعر صرف العملة الوطنية، وانخفاض انتاجية عوامل الانتاج.
أو بفعل عوامل الطلب: حيث ينجم عن فائض الطلب، وتكون هناك زيادة في الطلب على العرض.
وقد يحصل نتيجة عدم التناسب بين الكتلة النقدية والكتلة السلعية، حيث يزداد الإصدار النقدي بنسب تزيد على حاجة الاقتصاد الوطني للتداول وهذا يعني بالنتيجة إيجاد قوة شرائية لا يوازيها توفير سلع وخدمات وبالتالي يحصل فائض في الطلب.
أو أن يكون التضخم مستورداً ناجماً عن ارتفاع أسعار السلع الغذائية ومدخلات الانتاج المستوردة.
وبرأي خضور فقد أدت العقوبات الاقتصادية والحصار الخانق الى صعوبة تأمين بعض مدخلات العمليات الانتاجية وارتفاع تكاليف الشحن والتأمين وتكاليف التحويلات والاعتمادات المالية.
كما أن ارتفاع أسعار بعض المنتجات في السوق العالمية (تضخم مستورد) أدى لارتفاع كثير من أسعار السلع في السوق العالمية خلال السنوات الماضية الى التضخم، وأضاف: إن هناك عوامل عديدة أدت الى انخفاض سعر الصرف بعضها اقتصادي له علاقة في الطلب والعرض على العملات الأجنبية لتغطية المعاملات والصفقات وهناك المضاربات الداخلية والخارجية على سعر صرف الليرة كان لها التأثير الأهم والأكبر على انخفاض سعر صرف الليرة من دون أن يكون هناك إجراء رادع من قبل المصرف المركزي يردع المضاربين.
إن الحالة المعقدة في سورية لم تنتج تضخماً صافياً عادياً بل أدت إلى ركود تضخمي- وهو عبارة عن أحد الأمراض الاقتصادية التي يعيشها الاقتصاد بالتزامن مع الحروب والأزمات وهو حالة ركود اقتصادي يترافق مع ارتفاع أسعار السلع والمنتجات ويقابله طلب ضعيف.
هذا ماأوضحه د.موسى الغرير رئيس قسم الاقتصاد في جامعة دمشق حيث قال:
إن الأزمة المركبة (سياسياً، اقتصادياً، أمنياً،داخلياً وخارجياً) التي تعيشها سورية اليوم أظهرت ركوداً اقتصادياً من جانب، وتضخماً نقدياً في الجانب الآخر أي ما يسمى (الركود التضخمي) وإذا كان التضخم يفسر بأنه زيادة في الطلب على العرض يكون علاجه عن طريق سياسة تقشفيه تقوم على الحد من عرض النقود في السوق فإن الانكماش(الركود) يفسر بأنه زيادة في العرض على الطلب ويكون علاجه عن طريق سياسة توسعية بزيادة الانفاق الحكومي وزيادة في العرض النقدي وبالتالي فإن علاج الأول هو عكس علاج الثاني.
ويضيف:حالة الركود التضخمي التي تعيشها سورية اليوم أضحت معروفة إذ إن السبب الرئيس فيها هو الخلل القائم بين الكتلة النقدية التي ازدادت بأكثر من 20% خلال الأزمة وبتراجع الاقتصاد الحقيقي ممثلاً بالناتج بحوالي 4% وبأن المعالجة التي تتم من جانب الحكومة بالتركيز على الجانب النقدي في زيادة عرض النقد وإهمال الجانب الاقتصادي الحقيقي من شأنه أن يفاقم هذه المشكلة ويزيد من صعوبة معالجتها.
وفي ظل عوامل متشابكة متداخله يصعب الفصل بينها أنتجت ركوداً تضخمياً معقداً أثقل كاهل الاقتصاد السوري، ما الذي يجب على الحكومة أن تفعله؟
وما الإجراءات الإسعافية والسياسات التي يجب اتباعها للتخفيف من حالة التضخم والركود اللذين لازما الاقتصاد السوري؟
يقول د.الغرير: إن الإجراءات التي تقوم بها الحكومة اليوم لجهة تشديد الرقابة على المضاربة التي تتم في سوق العملات هي لاشك مطلب ضروري تستدعيه الظروف والوقائع، وقد أدت إلى استقرار سعر الصرف بشكل لا بأس به، إلا أن الاستقرار القلق الذي يحتاج تثبيته إلى العمل بالتوازي مع تشجيع أصحاب رؤوس الأموال بمن فيهم المضاربون لتوجيه اهتمامهم إلى الاستثمار الانتاجي طويل المدى الذي يزيد في التنمية ويحفز الطلب على قوة العمل ويعيد ترميم ماتم تخريبه كأولوية ملحة لا تحتمل التأجيل.
من جانبه د. رسلان خضور يؤكد أن هناك مجموعة من السياسات والإجراءات يمكن العمل عليها للحد من ارتفاع معدلات التضخم وهي:تحفيز ودعم كل نشاطات الانتاج المادي والعمل على دعم وتأمين عمليات الانتاج ومساعدة المنتجين إضافة الى تخفيف القيود على الصناعات وإزالة العوائق أمام المنافسة والحد من سطوة الاحتكارات وتقديم دعم ائتماني تشغيلي قصير الأجل للمنتجين في المناطق الآمنة.
فضلاً عن مساعدة المصدرين في الوصول الى الأسواق الممكنة عبر اتفاقيات مع إيران – العراق – الصين – روسيا واتخاذ إجراءات رادعة من قبل المركزي والحكومة لردع المضاربين بسعر الصرف كما يجب الاستمرار في التدخل المباشر لمؤسسات التجارة الحكومية في عمليات الاستيراد والتوزيع وصولاً الى المستهلك النهائي.
وأخيراً، يصر الدكتور خضور على فرض ضرائب على من ترتفع دخولهم بشكل سريع ومعدلات عالية ودعم من تبقى دخولهم ثابتة أو منخفضة.
وفي الختام يشير د. حيان سلمان الى وجود سياسات اقتصادية مستدامة تعمل على القياس الدوري لمعدل التضخم وربطه مع معدل النمو الاقتصادي ويقول: هناك توجهات اقتصادية للحكومة السورية من أجل قياس معدل التضخم في كل فترة زمنية وهناك توجه حقيقي ملموس من أجل زيادة معدل النمو الاقتصادي الذي يعد أساس المؤشرات الاقتصادية الأخرى.