"طرق التمويل الصحيحة للمساهمة في إعادة إعمار سورية" كانت محور النقاش في الندوة التي أقامتها جمعية العلوم الاقتصادية اليوم، حيث انقسمت الآراء إلى 4 توجهات، فأصحاب التوجه الشيوعي رفضوا التمويل الخارجي للمساهمة في إعادة الإعمار وأيضاً رفضوا مساهمة القطاع الخاص المحلي في ذلك، أما الليبراليون فلم يروا بداً من الاستعانة بالخارج، فيما طرح الدكتور محمد العمادي وجهة نظر أخرى توازي بين الطرفين تحكي عن ضرورة الاستعانة بالخارج ولكن بشروط سورية وبشكل لا يجعل سورية تتبنى السياسات الاقتصادية للدول الممولة.
أما ممثلو القطاع الخاص فأشاروا إلى طريقة أخرى للتمويل، إذ أكد رئيس غرفة تجارة دمشق غسان القلاع أن التمويل المحلي هو الأساس لإعادة الإعمار شريطة أن يشارك فيه القطاع الخاص المحلي والمواطنين أصحاب المدخرات عبر طرح سندات الخزينة أو من خلال الأسهم بحيث يصبح لدى المالك حس المحافظة على ممتلكاته دون أن يفرط فيها، ورفض بالمطلق اللجوء للتمويل الخارجي على شكل قروض وسندات يحمل تبعتها الأولاد والأحفاد.
هوية الاقتصاد... ضرورية أم لا:
وحسب وجهة نظر أصحاب الفكر الشيوعي، فإن الباحث الاقتصادي د. منير الحمش رأى بأن من يطرحون من الخارج الآن خططاً لإعادة الإعمار هم أنفسهم الذين ساهموا بخراب الاقتصاد السوري، لذا لابد من طرح نموذج وطني سوري لإعادة الإعمار بعيداً عن مشاريع الخارج بحيث تلتف حوله فئات المجتمع السوري، ولتحقيق ذلك لابد من العمل على تحقيق مبدأ العدالة الانتقالية ومحاسبة المسؤولين عن الفساد وإنصاف المتضررين، ولابد كذلك من تحديد هوية الاقتصاد السوري لأنها البوصلة التي تقودنا للهدف المنشود.
وقال الحمش: الدستور السوري يعرف الاقتصاد السوري على أنه مخطط يساهم بتحقيق تنمية متوازنة مستدامة، وعليه فإنه لا يمكن الرهان على الاستثمار الخارجي في تحقيق التنمية ولابد من الاعتماد على الموارد الوطنية المحلية الحكومية حصراً، معتبراً أن قانون التشاركية الجديد لأنه ينص على مشاركة القطاع الخاص في استثمارات البنى التحتية ، إذ لا يجب السماح للشركات الخارجية والمستثمرين المحليين الذين يتعاملون معها بمشاركة الدولة في مجال البنى التحتية وخاصة أن هذه التجربة أثبتت فشلها حينما سمحنا لشركتين بتوقيع عقدين في مرفأي اللاذقية وطرطوس ولكنهما تركتا مواقع الاستثمار فيما بعد وساهمتا بتكبيد الحكومة خسائر فادحة مطالباً بالتحقيق في هذا الموضوع.
وأكد الحمش أن بلدنا ليس فقيراً وحكومتنا لم تفلس ويمكن فعلاً إعادة الإعمار بمواردنا المحلية الخالصة، في حال استبعاد الفاسدين وطرح ضرائب جديدة بشكل عقلاني وسليم تحقيقاً وتحصيلاً كما لابد من اللجوء لجهات دولية لطلب تعويضات من الدول التي صدّرت الإرهاب لسورية، كما يمكن التمويل من خلال صندوق إعادة الإعمار وتشرف عليه جهات نزيهة ويشارك في إدارته المتضررون أنفسهم، كما يفترض برأيه توسيع سلة الصادرات والتقليل من الاعتماد المفرط على الاستيراد والتركيز على القدرات والطاقات الوطنية.
ووافقه رئيس الجمعية د. كمال شرف حينما قال: إن رؤوس الأموال التي كونت ثروات في سورية ثم هربت لا يجب أن يكون لها دور في إعادة الإعمار، لكنه من جهة أخرى رأى أن الإمكانيات المحلية غير قادرة على إعادة إعمار الدمار في البنى التحتية وأن الاعتماد عليها فقط يعني إعادة الناس لسياسة تقشف الثمانينات في حين أننا لانستطيع أن نقول للناس حالياً استعيضوا عن محارم الورق بمحارم قماش مثلاً.
سكر: حديث "الحمش" مؤسف
فيما كان للباحث الاقتصادي د. نبيل سكر رأي مختلف في هذا الموضوع فهو وفق توجهه الليبرالي لا يجد مشكلة في عدم تحديد هوية للاقتصاد السوري، لأن طرح هذه الهوية في مرحلة إعادة الإعمار يعني إعادة الدخول لمتاهات اقتصاد السوق الاجتماعي، مشيراً إلى أن حديث الحمش عن ضرورة العودة إلى الاقتصاد المخطط المركزي مؤسف جداً لأن العودة للوراء غير ممكنة.
وتحدث سكر عن ضرورة مشاركة القطاع الخاص في إعادة الإعمار، ورأى أن مواردنا المحلية لا تكفي في حال لم نستدن من الخارج، معتبراً أن الاستدانة شر لابد منه شريطة أن لا تكون على حساب استقلالنا الذاتي، أما رفع الضرائب فهي سياسة ترهق المواطن أكثر وتعني بقاؤه فقيراً لمدة عشرين عاماً قادماً.
وأضاف: مالم نشارك القطاع الخاص في إعادة تأهيل البنى التحتية، فإن الحكومة لاتستطيع تمويلها لوحدها، معتبراً أن قانون التشاركية الأخير يحقق توازناً جيداً بين القطاعين العام والخاص ويمكن له أن يضمن تعاوناً مناسباً وسليماً لإعادة الإعمار.