تناول الباحث الاقتصادي زياد عربش الدمار والتخريب الذي لحق بقطاع النفط والغاز/ وكيفية إعادته إلى وضع الاستثمار والاستفادة من مشتقاته في الصناعة والنقل وتوليد الطاقة وذلك في ندوة نظمتها جمعية العلوم الاقتصادية بعنوان (مكون قطاع الطاقة: من مقيد إلى مساند ومعزز للبناء والنهوض الاقتصادي).
وقال عربش: تعرضت البنية التحتية لقطاع الطاقة (قطاعات النفط والغاز والكهرباء) خاصة في الحلقات الأولى من السلسلة لمختلف أنواع التهديم (من التهديم الجزئي إلى الدمار الكلي مروراً بسرقة أو تخريب الأصول الرأسمالية)، بالإضافة لتوقف عمل الشركات، باستثناء عمل محدود من الشركات الروسية ناهيك عن توقف عمل عدد من محطات الضخ وخطوط الإمداد قبل وبعد معامل المعالجة أو المصافي (بشكل كامل أو جزئي بحسب المنطقة) وصولاً إلى الحلقات المتقدمة، حيث انخفض انتاج النفط الخام إلى نسبة 5% مما كان عليه قبل بداية الأزمة أي20 ألف ب/ي (برميل يومياً) مقارنة بـ400 ألف ب/ي قبل الأزمة وفي الأيام الأخيرة هبط هذا المستوى إلى 10 آلاف ب/ي ، وانتاج الغاز بنسبة 40% إلى دون 20 مليون م3، وانخفضت الطاقة المركبة لإنتاج الكهرباء إلى نسبة 40% بحدود 3500 ميغا واط.
كما تعرض خط الغاز العربي إلى العديد من عمليات التخريب، مع توقف تصدير النفط الخام أو الكهرباء، واستيراد الخام ومشتقاته (عبر روسيا مع احتمال زيادة المديونية الخارجية لسورية).
وأكد أن توقف صادرات النفط الخام يعني نقصاً في الربح في حال لم تستنزفه المجموعات المسلحة بآثار سلبية تفوق قيمة ماكان سيصدر، فبيع البرميل بـ25 دولاراً لتكريره بدائياً يعني خسائر كلية تفوق بكثير سعر بيعه العالمي خاصة وأن الكلف البيئية ستكون مرتفعة جداً.
علماً بأن الاستهلاك لكافة حوامل الطاقة قد انخفض إلى 25-30% بحسب القطاع حيث توقف أو انخفض إمداد ريفي حلب ودمشق وحمص والمناطق الصناعية على سبيل المثال بمصادر الطاقة بسبب المواجهات المسلحة، كما انخفض الاستهلاك بسبب هجرة أو نزوح عدد من الأسر، ولأسباب اقتصادية بفعل ارتفاع أسعار الطاقة بالتوازي مع تقهقر القدرة الشرائية.
مخاوف من تضاعف الطلب حتى 300%
وأشارعربش إلى صعوبات في التمويل قائلاً: إن إعادة تقييم مناطق الإنتاج والاستكشاف بما فيها البحرية ودعوة الشركات الدولية للتنقيب وتطوير الحقول المتوقفة عن الإنتاج والهامشية سيكون ضمن عقود تقاسم الإنتاج دون تحمل أعباء مالية من الجانب السوري، وليقتصر التمويل على حقول السورية للنفط وإشراك القطاع الخاص تحديداً في إنتاج وتوزيع وجباية استهلاك الكهرباء، ضمن أطر التشاركية المختلفة، وبما يضمن تجاوز عقد التمويل، وإن تسوية أوضاع الشركات التي كانت تعمل في سورية قبل الأزمة من الناحية المالية والتعاقدية وطرح صيغ جديدة وابتكارية لعقود الخدمة وعقود الامتياز وعقود تقاسم الإنتاج مع الشركات الدولية سيكون مجدياً لجهة عودة الانتاج وتأمين الاستثمارات المطلوبة ضمن المحددات الوطنية.
وتحدث عن الطلب فقال: ستشهد إمدادات الطاقة حدوث اختناقات عديدة سيما وأن عودة النشاط وبدء عملية الاعمار وإعادة تأهيل القطاعات الأخرى سيجعل الطلب يتضاعف 200-300% وهذا لا يمكن تأمينه دفعة واحدة وبالتالي حدوث أزمات متكررة في مادتي الفيول (المنزلي والصناعي) والبنزين ، و"تواتر" انقطاع التيار الكهربائي واشتداد الحمولات على الشبكة بالأصل التي وبالكاد تلبي الطلب المنخفض حالياً وتصان اسعافياً (نظام الدوائر لتأمين التغطية) ، حيث قد يؤدي كل ذلك إلى تهديد جدي في منظومة الكهرباء وإعاقة تحقيق أي معدل ايجابي للنمو.
وعن مسألة الأسعار قال: من المفروض إعادة دراسة كامل منظومة الأسعار (حوامل الطاقة وكافة السلع والخدمات)، لأنه تم في السابق وقبل بداية الأزمة تحرير مخرجات الإنتاج والاستيراد دون تحرير مدخلاته ونتج عن ذلك تشوهات سعرية ومحاباة للدعم، كما شهدنا ارتفاعات متلاحقة لكامل أسعار حوامل الطاقة (وكمواد أولية) باستثناء الكهرباء!. وهذا يتطلب دراسة مقترح تخفيف أعباء رفع الأسعار وإعادة توجيه الدعم.
واقترح إصدار قانون جديد للنفط وعقود تقاسم الإنتاج الابتكارية في المياه الدولية واليابسة لتمويل وتهيئة البيئة والاستثمارات المطلوبة دون تحمل أعباء الاستثمار، وإعادة صياغة قانون الكهرباء.
وأضاف: على الرغم من هامشية موارد سورية النفطية والغازية الحالية مقارنة باحتياطيات دول الخليج العربي، فإن سورية تقع في قلب النظام النفطي العالمي (وبدرجة أقل النظام الغازي)، حيث ستزداد مكانة سورية أهميةً في السنوات والعقود القادمة لتلبية الطلب المتنامي على هاتين المادتين في جميع أنحاء العالم، خاصةً مع امتلاك دول الخليج العربي لما يقارب ثلثي الاحتياطي العالمي للنفط ونحو ثلث الاحتياطي العالمي للغاز، ونضوبهما في مناطق الإنتاج الأخرى، وبقائهما كسلعتين استراتيجيتين بامتياز على الأقل للأجل 2030-2040، مع تزايد حاجة الدول الصناعية والصاعدة للمزيد من الإمدادات النفطية والغازية من خارج مناطقها.
وانطلاقاً من موقعها كإحدى أهم ممرات عبور النفط والغاز من منطقة الخليج العربي باتجاه البحر المتوسط ستكتسب هذه المكانة أهمية بالغة وسيجعل سورية تلعب دوراً إقليمياً مهماً في تأمين الإمدادات النفطية والغازية المطلوبة عالمياً.
وبحديثه عن الهدر والفاقد الطاقوي قال عربش إن الهدر الطاقوي تجاوز الآن نسبة (30%) من الاستهلاك الحالي.
ورأى بأن الطاقات الجديدة، هي موارد غير محدودة وغير مستغلة، مثل الطاقة الكهروشمسية حيث إن (كل 1 م2 من الأرض السورية يتلقى من الطاقة الشمسية خلال عام واحد ما يعادل احتراق برميل نفط!): ولابد من الاستفادة من الطاقة الكهروريحية أي إنشاء مصانع مكونات الطاقة الكهروريحية ومزارع كهروريحية لتأمين الطاقة الكهربائية وتحقيق الاستقلالية الطاقوية وتخفيض فاتورة الاستيراد وتوظيف العمالة ورفع النمو من خلال مزارع ريحية.
ورأى بأنه بهدف تحقيق الأمن الطاقوي وتخفيض أو تلاشي فاتورة الاستيراد وتحقيق عوائد وزيادة القيمة المضافة فلابد من إعادة دراسة مصفاة تكرير الفرقلس (بلورة المشروع من جديد 150 ألف ب/ي)، أو دير الزور (75-80 ألف ب/ي)، أو إقامة مصفاة عربية على المتوسط (طرطوس، بانياس).