أوضح الخبير الاقتصادي "الدكتور دريد درغام" أنه في ظروف سورية الحالية من الطبيعي أن يستمر انخفاض سعر صرف الليرة أمام باقي العملات.
بالاعتماد على تاريخ السياسة النقدية في تثبيت السعر الرسمي لليرة نتساءل هل تستمر نعومة التخفيض التدريجي للنصف الأول من 2014 أم أن ما تم اتباعه سنة 2013 برأي المعنيين أفضل؟
أظهرت حركة الأسعار في السوق السوداء في السنة الماضية أن الارتفاعات الكبيرة كانت في جلها مضاربات فقد انخفض السعر من 300 إلى 150. ولكن الشكل يوضح أن ارتفاع الدولار وإن لم يكن حاداً (كما يرجو مضاربون) فقد كان "حقيقياً" وليس وهميا (كما يروج مسؤولون).
وبما أن ارتفاع الدولار حقيقي ومتوقع يبقى الأمل بأن بتخفيف اللجوء للإدارة بالأماني وأو الإدارة بالتجريب والتركيز على "تلطيف" حدة انخفاض الليرة مع ضمان أولويات المواد الأساسية والابتعاد عن سياسات منفعلة أكثر منها فاعلة.. ومع التقدير الكبير للضغوط والظروف التي تارة من خلالها السياسة الاقتصادية ما زلنا بانتظار تغييرات جذرية تتجاوز فكرة الضغط الشكلي للنفقات وتتجاوز موضة اللقاءات بالمواطنين أو التباهي بعدم نقصان السلع وإن كانت الأسعار لذوي الياقات البيضاء. ننتظر إجراءات جذرية على مستوى الأزمة التي لم تبدأ بعد والتي تفترض استباق آثارها السلبية الهائلة القادمة.
أما تركيز السياسة النقدية على تعدد أسعار الصرف وتناسي أهمية باقي أدوات السياسة النقدية وتناسي أهمية تفعيل باقي جوانب السياسات المالية والاقتصادية والخدماتية بطرق تتناسب مع المرحلة الحرجة الحالية فلن يؤدي إلا للمزيد من التشويش الذي لن يفيد إلا بدعم قدرات هوامير الداخل والخارج.
والتهديدات قد تنفع مع المضاربين لفترة ولكن إكثارها غير محمودٍ. ولنتذكر أن المعركة مع المضاربين ضرورةٌ إن وجدوا. والمضاربة عادة تتم إن وجدت ظروف استثنائية تسمح لهم بتحقيق أرباح استثنائية. وهذه الظروف إن وجدت ليوم أو أسبوع (أو شهر أو سنة..!) فإن ديمومتها وديمومة المضاربين عليها تجعل العلة في أماكن أخرى وإلا أصبح الاستثناء قاعدة. فالمسؤول قد تلهيه مكافحة المضاربة لفترة لكن يفترض به على الأمد المتوسط والطويل البحث عن الأساليب الوقائية واستباق السوق وليس الخضوع لموجاته وتقلباته.
أخيراً، الاقتصاد لا يدار بالأماني ولا بالتجريب وإنما بالإعلان الصريح عن برامج عمل "غير فضفاضة" إن تبين فشلها أو وصولها لنتائج تعاكس ما أعلنت عنه فإنها تفسح المجال لبرامج وطواقم بتوجهات مختلفة.. وليس متخلفة..!
مختصر: تثبيت سعر الصرف غير ممكن ولكن ما يجب العمل عليه هو تلطيف انخفاض سعر الليرة من جهة وعند التمكن من تلطيف الهبوط الآمن يكون الأهم الانتهاء من البالون الإعلامي المتركز على سعر الصرف والذي جعلنا ننسى باقي القضايا المرتبطة بباقي جوانب السياسات النقدية والمالية وغيرها من جوانب التنمية المرتبطة بتحريك عجلة الاقتصاد بإشراف من الدولة وليس بالفلتان الحالي في التسعير والبناء العشوائي وغيره..