الجابر والمساعد والوافي والشامل... ليست أسماء لقواميس أو مراجع أو أمات كتب تباع في مكتبات دمشق، ويمكن أن يستفاد منها في مراجعة المخطوطات التاريخية، ولكنها مجرد استنساخ للإيحاء بأهميتها فهي مجرد نوط وكتب حلول لمواد المنهاج الجديد والمعدلّ، وتباع دون موافقات للطباعة على اعتبار أنها كراسات، ويطلبها تلاميذنا لكي يرضوا أساتذة فقدوا القدرة على التواصل مع منهاج فوق إمكانياتهم، أو وسيلة يضعها البعض كطريق للنجاح؟.
كانت فكرة الانتقال لمنهاج جديد - يعتمد نظام المجموعات الدرسية، ونظام البحث حيث تقوم مجمعات طلابية لا تتجاوز 10 تلاميذ بصناعة درسها الكترونياً، وترتيبه- فكرة سديدة في إطار إعادة هيكلة المنهاج والقائمين على إعداده، ولكن كغيرها من الأفكار الجميلة لم يجد لها أصحابها الأرضية لإنضاجها.
فلم يكن كافياً أن تقيم وزارة التربية دورات سريعة لا تتجاوز أربعة أيام لأساتذة تعلموا في الصف الخاص، وليس لديهم الخبرة للتعامل مع الحاسوب، ولا الجدية في إحداث هذه النقلة التي انتقدوها قبل الاطلاع عليها، وكانوا يعتقدون أن تجربتها على عدد قليل من مدارس العاصمة لا يعني تعميمها، وهكذا تعاملوا مع الأمر، وسبقتهم في التقصير وزارتهم التي لم تضعهم بجدبة قرارها، ولم تعامل من قصّر منهم على أنه يرمي خلف ظهره فكرة تنقل طلابنا من منهاج قديم تم استهلاكه على صعيد المعلومة وطريقة إيصالها؟.
ولن ندخل الآن على الأقل في فكرة كون المشروع جزءاً لا يتجزأ من مشروع كبير كان يراد من خلاله خصخصة التعليم في سورية ويقذف الآلاف من الطلبة الفقراء خارج مدارس الدولة في حين يحجز الأغنياء مقاعد لأبنائهم في أفضل المدارس التي ستجلب إليها أفضل المدرّسين ووسائل الإيضاح؟.
منهاج جديد... ومعدّل
استمر مشروع المنهاج الجديد رغم كل الانتقادات التي طالته من الأهالي والتلاميذ والأساتذة، وفيما بعد تم إدخال تعديلات سنوية ودورية على المنهاج، وتعامل الأساتذة معه كأمر واقع.
هذا التعديل المتكرر كما يقول بعض الأساتذة فرض جملة من الحلول الاستثنائية التي انعكست سلباً على العملية التعليمية واستغلها البعض ممن يعرفون من أين تؤكل الكلمة والحصة، وهم في الأغلب أساتذة المعاهد الخاصة والدروس الخصوصية الذين يعملون على جمع المال بطريقة ذكية، وهم ممن يعملون على حافة الوقت الأخير قبل الامتحانات النهائية، وهذا ما يجعل سعر الحصة التي تسمى (حصة التوقعات) يرتفع سقفها إلى 5000 ليرة للطالب الواحد؟.
لماذا.. «النوطة»؟
لكي لا يكون الكلام ظالماً ومجحفاً سألنا بعض ممن يؤيدون فكرة «المنوطة» والتلخيص، والكتب المساعدة للطلاب، وكتب الحلول والأجوبة الجاهزة، وكلهم طلبوا عدم ذكر أسمائهم الصريحة؟.
يرى الأستاذ (م. ع) أن من يتحمل المسؤولية هي التربية عندما اعتمدت منهاجاً غير منته، وقامت بتعديلات كثيرة، وكذلك حجم الأخطاء الكثيرة وخصوصاً في منهاجي اللغة العربية والرياضيات.
أستاذ آخر يرى أن الأمر يتعلق بأستاذ كسول وأستاذ مجتهد، وهؤلاء هم من يهاجمون الدروس الخاصة «المنوطة» لأنهم لم يستطيعوا التكيف مع الجديد، ويريدون البقاء في الخلف بمنهاج تقليدي، وطريقة بليدة لم تعد معتمدة في العالم الذي يعتمد على الحاسوب كوسيلة تعليم وإيضاح.
أستاذ كبير في السن يرى أن المنهاج الجديد صعب ولا يمكن له أن يتكيف مع أساتذة تخرجوا من الصف الخاص منذ سنوات، ويعطون دروسهم بآلية قديمة وسط صفوف فيها ما يزيد عن 40 طالباً، وهذا فقط ما يتعلق بالابتدائي فكيف بالتعديلات التي طالت الصفوف والمراحل الأعلى.
إذاً كثيرون يرون أن المشكلة تتعلق بثلاثية غير متناسقة هي الوزارة والمنهاج والأستاذ... والأخير هو الحلقة الأضعف التي لم يتم تأهيلها، ووضعت مباشرة في مواجهة منهاج متطور فيه أخطاء كبيرة نتيجة التسرع في وضعه بالخدمة (كما يرى البعض).
تجارة رابحة
كان لا بد من معرفة كيف تطبع هذه الكتب المساعدة والنوط، وما هي الأرباح الحقيقية التي تصل لكل طرف.
أحد أصحاب المطابع قال إن القليل من المطابع من يعمل في صناعة هذه الكتب، فأغلبها يجهز وينفذ في مكاتب لديها مطابع( ريزو) وهذه لا تحتاج إلى (بلاك) للطباعة، وأما الكتب التي على شكل الكتاب المدرسي فهي ما تقوم المطابع بتجهيزه.
صاحب مطبعة آخر يرى أنه ببساطة يمكن أن تكتشف من يصنع هذه الكتب والنوط فهم نفس الأساتذة الذين يعرفهم الطلبة ويعتقدون أنهم يختصرون عليهم التعب والعناء، وأما من يطبع هذه «النوط» فهم أشخاص تمرسوا في هذه المهنة وموسمهم يصل إلى 8 ملايين ليرة فقط، وهذا ما طبعه هذا العام أحد هؤلاء؟.
صاحب مطبعة أوضح لنا أن لا أحد يستطيع محاسبة حتى المطابع لأنهم لا يطبعون كتباً نظامياً فتعليمات التربية تنص على عدم طباعة كتب المنهاج، وأن ما يطبع هو (كرّاس) مساعد للطالب، وهو مسموح ولا يحتاج إلى موافقات؟.
إذاً القصة (محبوكة) جيداً، وصارت هذه الصفقات مشروعة ولا تتجاوز القانون، ولكنها تدمر العملية التعليمية إذ إنها تحذف من عقل الطالب فكرة الاجتهاد والبذل... وتوسع من رزق البعض الذي صار يملك العقارات والسيارات والمعاهد الخاصة التي يمارس فيها لعبته بحرية، مع ازدياد مرعب لأقساط التعليم في المدارس والمعاهد الخاصة.
تكاليف بخسة.. أرباح كبيرة
أغلب هذه الكراسات التوضيحية كما يحلو أن يسميها المروجون لها تطبع (ريزو) أي بنظام التصوير، وهذا يعني أن تكلفتها رخيصة جداً حيث يأتي أستاذ المادة بحجة أنه يريد طباعة كراس، ومن ثم يتم توزيعه وبيعه في المكاتب، ويوجه الطلبة لشرائه لأنه هو سبيلهم للنجاح.
أحد أصحاب المطابع يقول إن المطابع تنتظر هذا الموسم الدراسي لتعمل، وهو يكفيها عن كل عمل السنة الذي لا جدوى منه، وأن الموزعين الملحقين بالمطابع هم أصحاب الحصة الكبيرة فلو افترضنا أن تكلفة الكراس هي 150 ليرة وطباعته مع غلافه 150 ليرة أخرى فإن الموزعين وهم أصحاب مطابع يبيعونه بسعر يقل عن 500 ليرة، فما بالك إن كان الطابع والموزع والأستاذ هو الشخص نفسه؟.
ايجابيات؟
في ظل كل هذه السلبيات هل يمكن أن نتخيل إيجابية واحدة... أحدهم وهم من سلك (قم للمعلم) يجيب بنعم: يستفيد من هذا الكراس الطالب غير القادر عل دفع ثمن الدروس الخصوصية والطالب الذي يعيش ظروفاً خاصة ربما تمنعه من الدوام.
المصدر: صحيفة الوطن