لطالما كانت موجات المضاربة المتتالية على الليرة السورية ومنحنيات أدائها مثاراً للشك. فعدا مخالفة أداء سوق القطع للاستقراءات العلمية ومعطيات السياسة والاقتصاد، مروراً برفضها امتصاص ما يضخه المصرف المركزي –تدخلاً- من عملات أجنبية.
ها قد وصل بنا الأمر خلال الآونة الأخيرة إلى حقن قسري للدولار في السوق، دون جدوى. ومع الاعتبار للحرب، ومكانة الاقتصاد الاستثنائية على جبهاتها، لم يكن من السهل تجاهل ما يتبدى -وعلى الدوام- من ترابط مريب لاختلالات سوق القطع بما يتواءم مع مصالح التجار!
مرات عديدة، كان ليمكن للمرء تلمس ما كرسته هذه الاختلالات من نعمة على التجار، إلا أن أكثرها فضائحية، هي تلك الموجة التي تبدت كأنها قوة "من ألف فارس" هبطت فجأة لتضرب سوق القطع دفاعاً عن جشعهم في مواجهة «الفوترة» التي أصرت وزارة التجارة الداخلية على تكريسها –كحل وحيد- لما انتهجته الحكومة من سياسة تقييد لأرباح بعض السلع.
ولعل ذاكرتنا ما زالت تحتفظ بتفاصيل المعركة العنيفة التي شنها التجار -بشكل شخصي غير معهود في تقاليدهم- على كل من وزارة التجارة الداخلية وإدارة الجمارك وغيرهما ممن تجرأ على المس بما يمكن تسميته "كوتا" الأسواق التي يقبضون على مفاتيحها.
قياسا بردود أفعالهم، قال التجار رأيهم النهائي في "الفوترة" التي أضحت ناظم الأسواق الوحيد في الوقت الراهن، لكن ما اعتبرته الحكومة آنذاك إجراء مرحلياً لا بد منه للحفاظ على التوازن الاجتماعي، رأى فيه التجار عدو جيوبهم اللدود إلى حدود لا يمكن التعايش معها.
اليوم، يمكن التأكد من أن "الفوترة" تم سحقها تماما بأقدام الدولار في جولة تصاعده الدرامية خلال الأيام الماضية، ففي ظل الخلط العنيف لأوراق السوق سيكون من الصعب على الحكومة ممارسة أدنى ضبط لنسب الأرباح، وكل ما يقوله المسؤولون خلاف ذلك لا يعدو كونه "أحلام يقظة" بائسة.
وفي انتظار ما سيقوله وزير التجارة الداخلية الجديد، يمكن القول إن التجار لن يتراجعوا إطلاقاً عن المستويات الجديدة "اللا مقيدة" لأرباحهم، فهؤلاء، وبعدما استولوا على الأسواق من قبضة الحكومة، سيكون من الصعب إعادة ضبط جشعهم دون خسائر كبيرة، قياساً إلى "استماتهم" أيام إقرار "الفوترة" التي أهرق في سبيلها الكثير من الذخيرة القانونية.
وفي ظل الغياب الكلي لوزير التجارة الداخلية، يبدو أن "مصالحة" من نوع ما يجري الإعداد لها بين الحكومة والتجار، بما يدرأ "ضربا تحت الحزام" لا يبدو أن وازعا قد يمنع الأخيرين عن استخدامه للحفاظ على ما يرونه "حقاً شرعياً".
المصدر: صحيفة الوطن