إن الواقع الفعلي للصناعة يشير إلى عدم إعطاء القطاع الصناعي العام حقه من الرعاية والاهتمام، ولاسيما ما يتعلق بالتطوير التكنولوجي والبحث العلمي وتأهيل العمالة بما يمكنها من التعرف والتعامل مع متطلبات التكنولوجيا الحديثة، ووضع دفاتر شروط تواكب التطورات الحاصلة في الصناعة، كما أن تداعيات الظروف الحالية تستوجب الحفاظ على المنشآت والتأسيس بشكل جدي لعملية إصلاحه والنهوض بمقدراته وإمكاناته.
وتالياً فإن الأزمة الحالية أفرزت مشكلات كثيرة استدعت إعادة النظر بنشاط بعض الشركات المتضررة والتفكير بتغيير نشاطها بما يحقق الجدوى الاقتصادية مع الحفاظ الكامل على حقوق العمالة، ودعم نشاطات أخرى والتوسع بها وتبني فكرة تجميع بعض الأنشطة في منطقة جغرافية واحدة تحت اسم (العناقيد الصناعية)، والإبقاء على النشاطات المتوازية التي تؤمن تشغيل العمالة الفائضة وتوفير السلع من دون أن تحقق أرباحاً.
وتالياً هذه الأمور بمجملها تتطلب إعادة النظر بأولويات المعالجة في مرحلة ما بعد الأزمة، والتركيز على الأنشطة الصناعية ذات الصبغة الاستراتيجية.
ومن هذا المنطلق تبنت المؤسسة العامة للصناعات الغذائية وشقيقتها النسيجية استراتيجية واضحة للتطوير والتحديث، ترسم من خلالها ملامح المرحلة القادمة لهذه الصناعة وفق التوجه العام للحكومة وأولويات إعادة الإعمار.
القطاع الغذائي
المؤسسة العامة للصناعات الغذائية قدمت العديد من المقترحات المهمة ضمن استراتيجية يتم من خلالها رصد الأنشطة الصناعية القابلة للتطوير وتوفير مستلزماتها لتأمين حاجة السوق المحلية من المنتجات والسلع في مقدمتها نشاط الزيوت من خلال تصفية معمل الليرمون وشركة زيوت حماة والعمل على تطوير معملي عين التل والنيرب وإقامة معمل لتصنيع زيت الزيتون في عفرين ومتابعة العمل لتنفيذ اتفاقية إقامة شركة مشتركة لتعبئة وتكرير زيت الزيتون مع الجانب الفنزويلي.
والجانب الآخر المتعلق بالاستراتيجية المذكورة كان التركيز على نشاط البيرة والمشروبات الكحولية من خلال تصفية معمل بيرة بردى وإعادة تأهيل معمل البيرة في حلب وإقامة منشآت لإنتاج البيرة الكحولية وغيرها في الساحل السوري.
ونشاط الكونسروة له نصيب أيضاً من خلال التركيز على تصفية وحدة كونسروة الميادين وتطوير كونسروة دمشق وإدلب وإقامة مشاريع في السويداء والساحل السوري.
أما فيما يتعلق بنشاط الألبان فإن المؤسسة وضعت في استراتيجيتها المذكورة تصفية معمل ألبان الشرق في حلب وشركتي ألبان دمشق وحلب وإعداد دراسة جدوى اقتصادية لإقامة شركة متكاملة بدءاً من المبقرة إلى المنتج النهائي.
في حين ركزت المؤسسة في استراتيجيتها على نشاط المياه الذي يعد من أهم الأنشطة الصناعية التابع لها إذ يتم العمل على إعداد دراسات جدوى اقتصادية لإقامة معمل لتعبئة المياه في القنيطرة وإضافة منتجات جديدة كالمياه الغازية والمياه المنكهة، وإنتاج العصائر الطبيعية و يتم إعداد دراسات جدوى اقتصادية لإقامة معمل لإنتاج العصائر الطبيعية في الساحل السوري ومحافظة السويداء والاستفادة الكاملة من الإنتاج الوفير للمادة الأولية في تلك المناطق وخاصة أن انتاج الحمضيات يزيد على حاجة القطر منها.
الصناعة النسيجية
لهذا القطاع أبعاد مختلفة رصدتها المؤسسة العامة للصناعات النسيجية وخاصة لجهة تغيير النشاط الصناعي للشركات التي كانت متوقفة قبل الأزمة الحالية بأنشطة صناعية جديدة تحمل الصبغة الاستراتيجية في مقدمتها إعادة النظر بنشاط شركة حرير الدريكيش، إضافة إلى إنتاج أقمشة الجينز والبشكير في مصانع حمص وتالياً تحققت قيمة مضافة عالية.
والأمر الثاني يتركز في إعادة تأهيل شركات الغزل والنسيج في حلب وفقاً لاستراتيجية صناعية حديثة تأخذ بالتكنولوجيا الحديثة أساساً في عملها وإنشاء معمل للأقمشة القطنية بطاقة إنتاجية مقدارها/14/ مليون متر حيث يحتاج هذا المشروع لأكثر من 40 مليون ليرة إضافة لمشروع آلات دباغة وطباعة بكلفة تجهيزات وآلات قيمتها الإجمالية تقدر بنحو/25/ مليون ليرة.
أما الأمر الثالث فيكمن في إعادة تأهيل وتطوير شركات النسيج بكلفة إجمالية تقدر قيمتها بنحو/540/ مليون دولار وذلك بسبب التقادم التكنولوجي في خطوط الإنتاج لمعظم شركات النسيج التي يزيد عمرها على /35/ عاماً وذلك من أجل مواكبة التطورات في صناعة النسيج من حيث الإنتاجية والجودة لتستطيع هذه الصناعة المنافسة في السوق المحلية والخارجية.
وتضيف المؤسسة النسيجية أن شركة الشهباء للمغازل والمناسج في حلب تحتاج لإقامة معمل للغزول المسرحة والتوربينية بطاقة إنتاجية مقدارها أربعة آلاف طن بالعام الواحد من الغزول المسرحة وحوالي ثلاثة آلاف طن سنوياً من الغزول التوربينية وبكلفة إجمالية قدرت قيمتها بنحو 50 مليون دولار.
وإضافة إلى معمل نسيج بطاقة انتاجية تقدر بنحو 10 ملايين متر وبكلفة مالية مقدارها 30 مليون دولار، مع عدم تجاهل تأهيل المباني الحالية لتواكب الأعمال الحديثة.
أما الشركة الأهلية للغزل فهي تحتاج الى إنهاء استلام وتشغيل معمل غزل العوادم وإنشاء صالة نسيج ممزوج بكلفة إجمالية مقدارها 50 مليون دولار والشركة العربية للملابس الداخلية يمكن دمجها مع شركة زنوبيا وشمرا لقربهما من بعضهما والخروج من صناعة الألبسة الجاهزة، إضافة لإعادة تأهيل وتجديد معمل حلب والسويداء لإنتاج السجاد بشراء ستة أنوال وبقيمة إجمالية مقدارها 15 مليون دولار، وبذلك تكون الكلفة الإجمالية لتحديث وتطوير الشركات التابعة للمؤسسة العامة للصناعات النسيجية بحدود 305 ملايين دولار باستثناء إعادة تأهيل المباني التي دمرت، حيث لم تستطع الجهات المسؤولة تقدير قيمة التخريب نظراً لصعوبة الوصول إليها في الوقت الراهن.
وبذلك تكون المؤسسة العامة للصناعات الغذائية والنسيجية قد رسمتا الملامح الأساسية للاستراتيجية التي تتبنى عملية التطوير والتحديث لبنيتهما التصنيعية خلال المرحلة المقبلة/ التي تؤمن خلالها حاجة السوق المحلية والوصول بمنتجات نوعية إلى الأسواق الخارجية متسلحة بمواصفات وجودة عالية وأسعار منافسة على أقل تقدير.
المصدر: صحيفة تشرين