أثار قرار “وزارة التجارة الداخلية” برفع سعر لتر المازوت من 80 إلى 150 ليرة، ورفع سعر طن الفيول من 50 ألف إلى 105 آلاف ليرة، والذي جاء بناءً على قرار اللجنة الاقتصادية من خلال اعتماد السعر العالمي لهذه المواد عبر نشرة أسبوعية للأسعار، استياءً لدى الصناعيين السوريين لما له من آثار سلبية على الصناعة ورفع الكلف بنسبة كبيرة، وهو ما سيضعفها ويزيد من مشاكلها.
وفي المقابل، اعتبر البعض القرار طبيعياً في ظل عدم قدرة الحكومة على الاستمرار بالدعم وارتفاع السعر بالسوق السوداء لعدم توفر المادة بسعر رسمي رغم تأكيده بأنه سيرفع السعر على الصناعي والمواطن.
وقال الصناعي مصطفى معاني بحسب موقع ”الاقتصادي”: “إنّ هذا السعر لمادة المازوت ليس جديداً على مستوى المواطن أو الصناعي، لأننا نشتري المازوت بسعر وسطي 150 ليرة عندما كانت التسعيرة الرسمية لليتر 60 ليرة، فما هو السعر الوسطي المتوقع أن نشتري به المازوت بعد أن أصبحت التسعيرة الرسمية 150 ليرة لليتر الواحد؟ وهل نفهم من هذا القرار أنه شرعنة للسوق السوداء؟”.
وأضاف “هذا يبيّن أن رفع سعر المازوت هو أكبر خدمة لتجار السوق السوداء والمتنفذين والقائمين عليها، فما هو المطلوب من الصناعة الوطنية الآن؟ وهل المطلوب التضييق عليها أو إيقافها كلياً؟ كما أن رفع أسعار حوامل الطاقة بشكل كبير ومتسارع هو أحد الأسافين التي تدق نعش الصناعة الوطنية”.
وضمن دراسة سابقة في مجال الصناعات الغذائية، كانت تشكل حوامل الطاقة نسبة 25% من إجمالي تكاليف الإنتاج، وهنالك بعض الصناعات التي تزيد على هذه النسبة، كصناعة الإسمنت والسيراميك وغيرها، ما سيؤثر بشكل كبير على تكاليف إنتاج كافة الصناعات السورية.
ارتفاع تكاليف وصعوبة في الإنتاج
كما أشار الصناعي عامر رنكوسي، والذي يعمل في صناعة النسيج والألبسة، إلى “أنّ رفع سعر المازوت والفيول خصوصاً، العناصر الرئيسة في صناعة النسيج، سيؤدي أولاً وأخيراً إلى ارتفاع تكاليف المنتج النهائي، وهذا ينعكس سلباً على القدرة بالمنافسة داخلياً وخارجياً، فمع السماح باستيراد الخيوط والأقمشة والألبسة القطنية من كافة دول العالم، سيكون هنالك تواجد كبير لهذه المنتجات في السوق المحلي وبأسعار أقل بكثير من المنتجات الوطنية، وبالمقابل، فعملية التصدير ستزداد صعوبة، علماً أننا نحصل على الخيوط القطنية بالأسعار العالمية، ومن الصعوبة الحصول عليها مع انخفاض الإنتاج المحلي وصعوبة الاستيراد، إضافة إلى ارتفاع كافة تكاليف الإنتاج، فسعر الكهرباء ارتفع 4 أضعاف، وأجور النقل تضاعفت لأكثر من 5 أضعاف، والآن ضوعف سعر المازوت والفيول، وبعد كل هذا يمكننا القول أنّ هذا القرار يعني شل حركة الصناعة السورية أو دفنها حية”.
وأكد عضو مجلس إدارة “غرفة صناعة دمشق”، فراس تقي الدين، “أنّ هذا القرار رغم آثاره السلبية متوقع في ضوء عدم قدرة الحكومة على الاستمرار بدعم المشتقات النفطية لما تستنزفه من القطع الأجنبي، ومعظم الصناعيين يشترون المازوت على سبيل المثال بأسعر يتجاوز 200 ليرة للتر، وفي كثير من الأوقات تكون المادة مخلوطة بالماء، والحصول عليها صعب، ومع القرار الجديد ستتوفر المادة بشكل جيد ودون غش وعن طريق مؤسسة محروقات”، متمنياً أن يتم دعم الصناعيين لتجاوز بعض العقبات التي ستعترضهم من هذا القرار.
وأوضح الأمر ذاته عضو مجلس إدارة “غرفة صناعة دمشق”، بشار حتاحت، فالقرار، رغم تقبله، لابد من أن يوازيه رفع للرواتب والأجور، ودعم لذوي الدخل المحدود من خلال الوفر المالي المحقق من رفع أسعار المحروقات وتحريرها، وعندما ترتفع القوة الشرائية للمواطن، فلا مشكلة في ارتفاع أسعار المنتجات الصناعية الوطنية، وهو عكس ما يحصل حالياً، فرفع الأسعار مستمر ولاوجود لأي دعم للمواطنين.
نتائج سلبية
واعتبر الخبير الاقتصادي محمد وائل حبش “أنّ رفع أسعار مواد الطاقة لا يخدم الاقتصاد السوري من حيث المنافسة الاقليمية والقدرة التصديرية وكبح التضخم المحلي الذي لا يترافق مع ارتفاع في مستوى الدخل، ما يجعل رفع أسعار مواد الطاقة سلبية بكل جوانبها على الاقتصاد بشكل عام، لكن بالمقابل هناك أعباء شديدة على الحكومة من حيث توفير مواد الطاقة أولاً، ومن حيث العبء المالي باستيراد مواد الطاقة من ديزل وبنزين، فخروج آبار النفط في المنطقة الشـرقية من سيطرة الدولة، وبالتالي حرمان الشعب من الاستفادة منها، شكّل ضغطاً متزايداً على الميزانية الحكومية التي بالأصل تعاني ضغطاً جراء الأزمة”.
وأضاف حبش “أنّ العامل المهم الآخر هو التدمير المستمر في الشبكة الكهربائية داخل سـورية، والتي تعتبر من أهم البنى التحتية لأي اقتصاد وطني، ما جعل ضغط الطلب يزداد باضطراد على الطاقة البديلة وهي المازوت، لتشغيل المنشآت الإنتاجية و إنارة المناطق السكنية، ما دفع الحكومة بالمقابل لرفع سعر مادة الطاقة بغية تحقيق التوازن مع الطلب المرتفع ومحاولة تقنين استخدام الطاقة للحالات الضرورية ضمن الظروف الحالية”.
وهنالك عامل مهم أيضاً، وهو الدخول في موسم الشتاء، ما يشكل فوق كل عوامل الطلب السابقة عاملاً إضافياً لازدياد الطلب مع محدودية العرض، خاصة مع قلة توافر البدائل الأخرى للتدفئة كالحطب والكهرباء.
كما أن المشكلة الأخرى التي تريد الحكومة تقليصها هي تهريب المازوت والبنزين إلى دول الجوار، كالأردن و لبنان، والتي تتفوق على سورية من حيث اسعار مواد الطاقة، وهذا ما يجعل التهريب في عملية تناقص ومحدودية مع تقلص الفجوة السعرية بين سورية ودول الجوار.
وأخيراً، هناك عامل تقليص حجم السوق السوداء، فمع ارتفاع السعر الرسمي، تصبح هوامش الربح في السوق السوداء ضيقة، إذ لا يمكن رفع سعر المازوت في السوق بما يتجاوز دول الجوار أو بالشـكل الذي سيمتنع فيه الصناعيون والمواطنون عن شرائه نظراً لارتفاع ثمنه في السوق السوداء، لكن في النهاية، فإن المواطن المستهلك هو الخاسر الأكبر من عملية رفع أسعارمواد الطاقة، ولا شك أن مكافحة الفساد في تهريب المازوت والمتاجرة به في السوق السوداء ستضمن عدالة توزيعه واسـتقرار سعره.
هذا، وعبّر العديد من المواطنين عن استيائهم الشديد من صدور هذا القرار الذي شرّع السوق السوداء، وسيستغله الجميع لرفع سعر المازوت إلى أقصى حد ممكن طالما أن أسعار المحروقات محررة.