مر ما قاله وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية د. همام جزائري في مؤتمره الصحفي الأخير مرور الكرام، وكأن البعض سلم بحقيقة عدم جدوى الحوار والنقاش مع حكومة تصر على "صناعة واقع اقتصادي افتراضي وعدم الاستماع للآخرين"، فيما البعض الآخر مقتنع فعلاً بما قاله الوزير الشاب، سواء كان ذلك انطلاقاً من أن الغاية هي الأهم في النهاية، أو "قناعة" بأن ذلك هو الواقع بعينه.
ووفقا لموقع "سيرياستبس" فإن معظم ما ورد على لسان د. جزائري يستحق التحليل والنقاش، إلا أن الرقم الذي أعلنه، والمتعلق بقيمة الصادرات السورية يومياً، يجذب الانتباه والاهتمام أكثر من غيره، أو لنقل إنه يحظى بالأهمية نفسها لما ذكره الوزير عن قوة "المنظومة الزراعية"، والتي ستكون عنواناً لمقال قادم.
يؤكد وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية أن قيمة الصادرات السورية فعلياً تصل إلى نحو 20 مليون دولار يومياً، أي ما يقرب من 7.300 مليارات دولار سنوياً...
دون أدنى شك، فإن هذا الرقم مفاجئ...ويصبح أكثر مفاجأة إذا ما قارناه بقيمة الصادرات السورية المسجلة رسمياً في العام 2010، إذ يتبين لنا أن تقديرات وزير الاقتصاد لصادرات هذا العام تشكل ما نسبته 64.14% من صادرات ما قبل الأزمة، والبالغة قيمتها نحو 11.381 مليار دولار في العام 2010..!!.
هذا يعني بوضوح أن 42 شهراً من الحرب والدمار، واستهداف المنشآت الاقتصادية والخدمية الخاصة والعامة، وتوقف آلاف المعامل الصناعية عن الإنتاج وسرقتها وتهريبها، وخروج استثمارات بمليارات الدولار من البلاد، وفقدان أكثر من مليونين ونصف المليون عامل لمصدر رزقهم، والتراجع الهائل في إنتاج البلاد من المحاصيل الزراعية، والنقص الحاد في مستلزمات الإنتاج.... كل ذلك لم يؤد إلا إلى تراجع قيمة الصادرات السورية بنسبة 35% فقط!! وأن مكمن الضرر الذي لحق بالصادرات تمثل فقط بتوقف الصادرات النفطية، أما الصادرات الصناعية والزراعية فقد حافظت على مستواها أو أنها هذا العام عادت لمستواها قبل الأزمة!!... فهل هذا منطقي؟ وهل هناك من مقاربة مختلفة للرقم الذي ذكره وزير الاقتصاد؟.
وحتى لو أخذنا الحد الأدنى لتقديرات قيمة الصادرات السورية اليومية، والبالغة وفق تصريح الوزير 15 مليون دولار، فإن نسبة ما تشكله من قيمة صادرات العام 2010 تصل إلى 50%، الأمر الذي يعني أن نسبة تأثر الصادرات الصناعية والزراعية نتيجة الحرب الدائرة لم تتجاوز 20% تقريباً، بعد إخراج قيمة الصادرات النفطية!!.
وليس هذا فحسب...
فلو أضفنا تقديرات قيمة الصادرات السورية البالغة يومياً نحو 20 مليون دولار، إلى قيمة الحوالات الخارجية البالغة نحو 7 ملايين دولار، وفق ما صرح به منذ فترة مصدر مصرفي، فهذا يعني أن إيرادات البلاد من القطع الأجنبي تبلغ نحو 27 مليون دولار يومياً، ونحو 9.8 مليارات دولار سنوياً..إذاً لماذا يرتفع سعر صرف الدولار أمام الليرة السورية إذا كانت قيمة الإيرادات أعلى بكثير من قيمة ما تحتاجه السوق المحلية من قطع أجنبي؟ وإذا كان ذلك الارتفاع نتيجة عمليات المضاربة أو ارتفاعاً وهمياً وفق تسمية المصرف المركزي...فلماذا يجري تثبيته بعد فترة كسعر نظامي؟!.
مشكلة الحكومة الحالية أنها عندما تريد بث رسائل "طمأنة" حول واقع الاقتصاد السوري، أو توضيح بعض قراراتها، أو الترويج لما تعتبره "إنجازات"، فإنها تسلك الطريق الخطأ، وتتعامل مع المواطن كمتلقي ليس أمامه من خيار سوى الانصات لما تقوله أياً كان...
لذلك كان من الطبيعي أن يكثر منتقدو الأداء الحكومي، وتزداد الأسئلة المثارة حول جدوى السياسات المتبعة لجهة تأثيرها الإيجابي على المواطن، هذا عوضاً عن الاهتمام بكسب تأييد المواطن، وتخفيف "الاحتقان" الشعبي حيال قرارات تمس بشكل مباشر قوت الفقراء وأصحاب الدخل المحدود..
هامش1: حديث الوزير جزائري عن أن الرقم الرسمي للصادرات أقل من الرقم الحقيقي، يذكرنا بقصة الارتفاع المفاجئ لقيمة الصادرات السورية عام 2006 بنحو ملياري دولار، وكانت الحجة الحكومية آنذاك أن الزيادة نتيجة لتصحيح بيانات الصادرات!.
هامش2: للتوضيح فإن مدير عام هيئة تنمية وتشجيع الصادرات إيهاب اسمندر كان قد أكد في وقت سابق أن قيمة الصادرات تبلغ يومياً وبشكل وسطي نحو 4 ملايين دولار، مع العلم أنه في بعض أيام الذروة وصلت قيمة الصادرات إلى 40 مليون دولار يومياً..
نقلا عن موقع سيرياستبس – زياد غصن