عند كل زيادة في الإنتاج، تطفو على السطح المشكلات التسويقية، إذ تنقلب هذه الزيادة من نعمة إلى نقمة على المزارعين والاقتصاد الوطني في ظل غياب السياسة التسويقية الواضحة سواء أكانت داخلية أم خارجية, على الرغم من الوعود والقرارات التي تتخذها الجهات المعنية (مؤسسة الخزن والتسويق والوزارات المعنية واتحاد الفلاحين وغيرها..) وتقطعها على نفسها مع بداية كل موسم تسويقي.
لكن ما إن يبدأ الموسم بالقطاف حتى يبدأ المزارعون بالقلق والخوف على إنتاجهم خشية بيعه من دون أسعار التكلفة الفعلية وهذه البوادر بدأت تظهر في أسواق الهال في محافظة طرطوس، حيث الإنتاج في بدايته، ولجأ عدد كبير من مزارعي طرطوس إلى تضمين مزارعهم خشية المشكلات التسويقية والخسارة في الإنتاج، ما دامت منافذ التسويق غير مضمونة محلياً ومركزياً في إيجاد الحل المناسب لها ومنذ عشرات السنين والدولة تحاول تسويق منتجات مزارعي الساحل من الحمضيات والنتائج تؤكد فشل تلك التجارب.!
موسم خيّر
أكد المهندس علي سقور رئيس دائرة المكاتب المتخصصة في زراعة طرطوس أن موسم الحمضيات جيد خلال هذا الموسم ومن المتوقع ان يصل إنتاج محافظتي طرطوس واللاذقية من الحمضيات بأصنافها المختلفة إلى /1.045/ مليون طن، منها /228/ ألف طن في طرطوس والبقية في اللاذقية، في حين وصل الإنتاج في العام الفائت إلى /213/ ألف طن. ووصلت المساحة الكلية المزروعة بالحمضيات في طرطوس إلى / 9368/ هكتاراً، والعدد الكلي للأشجار نحو /3.5/ ملايين شجرة، المثمر منها /3.1/ ملايين، والبقية في طور الإثمار.
أقل من التكلفة
قدّرت اللجنة المشكّلة من الزراعة واتحاد الفلاحين أن تكلفة الكيلو غرام من الحمضيات تصل إلى / 29/ ليرة للحمضيات بأصنافها - قبل رفع أسعار مادة المازوت - بينما تصل التكلفة اليوم إلى أكثر من / 30/ ليرة بعد رفع سعر مادة المازوت، وتباع أصناف الحمضيات في سوق الهال بأقل من التكلفة الفعلية لها حيث يباع الكغ الواحد من أبو صرة عادي بين / 25- 30/ ليرة و / 35/ ليرة أبو صرة شموطي، و بين / 40- 55/ ليرة للكلمنتين هجين و/ 50/ ليرة للحامض الفرنسي و/ 50- 70/ ليرة للحامض الماير الفرنسي كما يباع صنف البوملي بين / 30 -40 / ليرة، ويباع صنف ساتزوما بسعر / 30- 40/ ليرة وهذه الأسعار المذكورة سابقاً مأخوذة بتاريخ 21-22 من الشهر الحالي .
من جانب آخر أكد أحمد سليمان رئيس رابطة منطقة طرطوس – المسوّقة لأصناف الحمضيات – أن الأسعار الحالية ضعيفة ولا تتناسب مع التكلفة الفعلية للحمضيات، وليست لمصلحة الفلاحين على الإطلاق, وبين سليمان أن هناك أصنافاً كثيرة تباع بأقل من التكلفة الفعلية مثل أبو صرة وساتزوما والكلمنتين والبوملي 00 وأشار إلى أن تكلفة الكغ الواحد من الحمضيات تصل إلى أكثر / 35/ ليرة، بسبب ارتفاع أجور النقل، فأجرة السيّارة من أقرب قرية إلى سوق الهال تصل الى /2500- 3000 / ليرة وأكثر من / 45/ ألف ليرة إلى دمشق – سيّارة حمولة / 6/ أطنان و/50/ ألف ليرة إذا كانت أكثر من /6/ أطنان حمضيات.
المستفيد الوحيد
من خلال جولتنا على أسواق ومحلات بيع المفرق، رأينا أن أسعار بيع أصناف الحمضيات في الأسواق مرتفعة وبشكل مضاعف عن أسعار سوق الهال، وتفوق إمكانية المواطنين وأصحاب الدخل المحدود لشرائها، الأمر الذي جعل المواطن يقتصر في شراء أصناف الحمضيات على كميات قليلة، وهذا يعني أن المواطن والفلاح غير مستفيدين من زيادة الإنتاج وانخفاض أسعار الحمضيات والمستفيد الوحيد من انخفاض السعر هو التاجر -؟!!
إذ تباع أصناف الحمضيات في أسواق بيع المفرق بأسعار مرتفعة، ووصل سعر كيلو الحامض الماير بين /90- 100/ والماير الفرنسي بين /115- 125 / و80– 85 / للكلمنتين وبين/ 80 -100/ ليرة للبرتقال أبو صرة، و/80/ ليرة للبوملي.
/ 50- 100/ طن
لؤي سعيد نائب رئيس اتحاد فلاحي طرطوس قال : إن خطة المؤسسة العامة للتسويق – حسبما دار في اجتماع الحمضيات المنعقد في اللاذقية بتاريخ 3/9/2014 لتسويق بين / 50 -100/ ألف طن حمضيات وأضاف سعيد: إن اتحاد الفلاحين سيقوم بتسويق كميات أخرى من الحمضيات عن طريق الجمعية النباتية الفرعية، ونعوّل على المؤسسة العامة لتسويق المنتجات النباتية والحيوانية تسويق كميات كبيرة من الحمضيات.
لا تغطي التكلفة
المزارع وضاح درويش قال: تباع أصناف الحمضيات في أسواق الهال بأقل من تكلفتها الحقيقة فالأسعار متدنية، ولا تتناسب وأجور النقل المرتفعة وأسعار العبوات، حيث يصل سعر الصندوق «جديد» بين /90- 100/ ليرة و/70 -80/ ليرة للقديم وأجور نقل السيّارة الواحدة بين /2000- 5000/ ليرة داخل المحافظة وبين /45- 55/ ألف ليرة خارج المحافظة ويأخذ تجار سوق الهال كمسيوناً 6% إضافة إلى أجور القطاف – والسماد والأدوية والتعشيب، وأوضح المزارع درويش أنه لولا عمل الأسرة بكاملها في زراعة الحمضيات لما استطاع أيّ فلاح الاستمرار في العمل الزراعي، فالمزارع يعمل بشكل مجاني, ويستفيد فقط من أجور يديه وأسرته, واقترح المزارع علي سقور زيادة الأسعار وفتح أبواب التسويق الخارجي وإعطاء قروض للمزارعين، مع ضرورة توفير المحروقات بأسعار مدعومة للمزارعين، وتأمين العبوات اللازمة لعملية التسويق عن طريق مؤسسة الخزن والتسويق وبأسعار مناسبة للفلاحين.
انخفاض معدل الاستهلاك
أكدت مصادر البحوث العلمية الزراعية – انخفاض معدل استهلاك المواطن السوري من الحمضيات إلى أقل من 20 كغ سنوياً – بينما يصل في بعض الدول المتقدمة مثل دول أوروبا وأميركا الشمالية والولايات المتحدة الأميركية إلى أكثر من/ 100/ كغ سنوياً، وفي ألمانيا 80 كغ وهذا يعود إلى عدة أسباب – حسب البحوث - أهمها: ارتفاع تكلفة الحمضيات المنتجة محلياً من جهة ، وضعف الوعي الصحي عند المواطن والعادات الغذائية بأهمية تناول أصناف الحمضيات على البودرة المستوردة من جهة ثانية، مع عدم وجود سياسة تسويقية خارجية أو داخلية واضحة لدى الدولة حتى الآن...؟ وهذا يعني اقتصادياً أنه لو كان معدل استهلاك المواطن السوري مثل المعدل العالمي أو قريباً منه لما كان لدينا فائض في إنتاج الحمضيات ولسوقت جميع منتجاتنا من الحمضيات داخل القطر حسب قنوات التسويق الداخلية.