بدأت أسعار النفط الخام تشهد انخفاضاً منذ شهر حزيران الماضي، واستمرت في الانخفاض في الشهور التالية حيث وصلت نسبته في بداية شهر تشرين الأول إلى نحو 23%، أثار الهبوط الكبير نسبياً في أسعار النفط الخام خوفاً واسعاً في الأسواق العالمية وخاصة في الشهرين الأخيرين إضافة إلى تساؤلات عديدة عن أسباب هذا الهبوط واحتمالات استمراره في الشهور القادمة ونتائج ذلك على اقتصاد الطاقة في العالم، وآثاره السياسية وبشكل خاص في منطقة الشرق الأوسط، سنعرض فيما يلي تأثير أسعار النفط المنخفضة على شركات النفط الكبرى وشركات خدمات الحقول النفطية:
1- شركات إنتاج النفط: بلغ مجموع العجز للشركات الكبرى السبع (رويال ديتش، بريتش بتروليوم، إكسون موبيل، شيفرون، توتال، إيني، ستات أويل) في العام المنصرم 55 مليار دولار أميركي، وفقاً لمعلومات الأسواق المالية العالمية حيث بلغ مجموع التدفقات النقدية 207 مليارات دولار أميركي، ومجموع المبالغ المنفقة في عمليات الاستثمار 209 مليارات دولار أميركي، ووزعت تلك الشركات مبلغ 53 مليار دولار أميركي على حملة الأسهم، وتسارع شركات النفط عند هبوط أسعار بيع النفط الخام إلى تقليص أو إيقاف استثماراتها من جهة وبيع الأصول التي تملكها (حقول نفطية، مصافٍ) وقد باعت تلك الشركات الكبرى السبع في السنوات الأربع الماضية أصولاً بقيمة 150 مليار دولار أميركي، ويتوقع الماليون العودة إلى توازن الأسعار، من خلال إجراءات تقليص النفقات، في عام 2016، وتحقيق وسطي أسعار 110 دولارات للبرميل. ومن الجدير ذكره هنا أن النفقات التي لا يمكن للشركات إيقافها هي حصة حملة الأسهم. تبدأ الشركات تلك في إيقاف المشاريع، كالحفر والتطوير، عند مستوى أسعار أدنى من 90 دولار أميركي للبرميل (حسب محلل للاستثمارات في مصرف BMO) إلا أن حصة حملة الأسهم ستكون هي آخر ما يفكرون في إيقافه، لأن تسديد تلك الحصة للمساهمين يساعد في المحافظة على قيمة الأسهم (كما أن أعضاء مجالس إدارة تلك الشركات وكبار العاملين فيها هم من كبار حملة الأسهم!) وهكذا فإنه من المتوقع لجوء تلك الشركات الكبرى إلى بيع أصول تملكها بقيمة عشرات مليارات الدولارات الأميركية. ومن جهة أخرى، يرجح أن يكون الشاري الأكبر لتلك الأصول، وخاصة الحقول النفطية هي الصين التي فعلت ذلك في السنوات الماضية بهدف تأمين احتياجاتها المتزايدة للنفط، ولأنها تملك سيولة ضخمة من الدولارات الأميركية، وأيضاً الشركات الهندية ما يؤدي إلى نمو شركات مثل CNPC الصينية، وONGC الهندية وبتروناس الماليزية.
إن فكرة عودة الشركات النفطية الكبرى للعب نفس الأدوار بعد بضع سنوات، نتيجة توقف الاستثمارات، الذي يؤدي بدوره إلى عجز في إنتاج النفط الخام خلال بضع سنوات تالية، ما سيساعد على عودة الأسعار للارتفاع وبالتالي البدء بدورة استثمارات جديدة، لم تعد هذه الفكرة صالحة الآن. ذلك أن إنتاج شركات ست كبرى، هي اكسون موبيل وشل وبريتيش بتروليوم وتوتال وشيفرون وإيني، أنتجت في عام 2003 كمية 11.5 مليون برميل يومياً، أي ما شكل نسبة 14.5 بالمئة من الإنتاج العالمي، والذي بلغ 79.6 مليون برميل يومياً أما بعد عشر سنوات، في عام 2013 فقد بلغ مجموع إنتاج تلك الشركات 9.5 ملايين برميل يومياً ويساوي فقط 10.4 بالمئة من إجمالي الإنتاج العالمي البالغ 91.6 مليون برميل يومياً.
إن لجوء الشركات الكبرى لبيع أصولها سوف يحولها تدريجياً من كبرى Major إلى شركات صغرى Minor. من جهة أخرى، فقد تحقق ازدهار إنتاج النفط الصخري في الولايات المتحدة من خلال شركات نفطية متوسطة أو صغيرة، مثل: أناداركو وأباشي وأوكسيدنتال وديفون. كما أن التقدم التكنولوجي السريع في الولايات المتحدة أصبح يسمح الآن بالإنتاج من حقول- كانت غير اقتصادية في السنتين الماضيتين، مثل حوض Bakken الذي يمتد في ولايتي شمال داكتوتا ومونتانا- حتى لو وصل سعر برميل النفط الخام إلى مستوى 60 دولاراً أمريكياً. وذلك سيؤدي إلى نمو الشركات الصغرى والمتوسطة.
2- شركات خدمات الحقول النفطية: قدرت وكالة الطاقة العالمية مؤخراً أن تبلغ زيادة الطلب على النفط عالمياًً في العام القادم كمية 1.1 مليون برميل يومياً، وذلك بعد تقديراتها السابقة وخفضها بكمية 300 ألف برميل يومياً. ويشير المدير التنفيذي لشركة شلمبرجير، وهي أكبر شركة خدمات نفطية في العالم، إلى أن الطلب الراهن على النفط لم يتغير بشكل عام، وأن العرض كان متوازناً نسبياً، وأكد أن الطلب العالمي على النفط مرشح للزيادة، مقللاً من مخاوف تباطؤ الاستثمارات بسبب أسعار النفط الضعيفة حالياً. وتجدر الإشارة إلى أن قيمة أسهم شلمبرجير انخفضت بأكثر من 20 بالمئة، وذلك خلال ثلاثة أشهر، بسبب انخفاض أسعار النفط الخام! كما ذكرت شركة بيكر هيوز، وهي ثالث أكبر شركات خدمات الحقول النفطية في العالم، أنه من غير المرجح أن تتباطأ فعاليات الحفر إلا في حال هبطت الأسعار واستقرت عند مستوى 75 دولاراً للبرميل ولمدة عدة شهور.
ويذكر بعض المحللين الماليين (شركة وليام بلير) أن استقرار «مؤشر التجارة العالمي WTI» عند 80 دولاراً للبرميل لفترة قصيرة لن يؤثر على الأرجح في نمو وهوامش ربح شركات خدمات الحقول النفطية، إلا أنه إذا استمر فترة شهر أو شهرين فإنه من المؤكد أن يؤثر في ذلك، ويتوقع المحللون «الانتظار والمراقبة» تأثير المؤشر 80 دولاراً على خطط المنتجين.
يتوقع أن يكون الإنفاق على عمليات الاستكشاف في هذا العام أقل من عام 2013 السابق، وذلك بسبب انخفاض الإنفاق بشكل أساسي على المسح السيزمي.
تنفق شركات النفط والغاز الكثير من الأموال على زيادة الإنتاج من الآبار الحالية، بدلاً من البحث عن احتياطيات جديدة، وذلك بسبب مواجهتها لضغوط متزايدة لزيادة عائدات حملة الأسهم.