يتبادل بعض المتابعين للشأن الاقتصادي توقعات بانخفاض تدريجي لسعر صرف الدولار أمام الليرة، وهذه التوقعات بناها معظم الخبراء والباحثين الاقتصاديين على إجراء اتخذه مصرف سورية المركزي مؤخراً وصف بالإجراء «القوي» عندما أوقف منح التسهيلات الائتمانية بالليرة السورية مقابل تأمينات نقدية بالقطع الأجنبي عبر المصارف المرخص لها التعامل بالقطع، وألمحوا إلى أن الإجراء المذكور يضاف إلى إجراءات المركزي الرامية إلى إعادة سعر الصرف لمستوى متوازن كان عليه من قبل عبر أدوات وأساليب لوقف المضاربة التي من شأنها التأثير في قيمة الليرة نحو الهبوط.
في البداية عندما أصدر مجلس النقد قراره بالسماح بمنح تسهيلات بالليرة السورية مقابل تأمينات نقدية بالقطع الأجنبي لاقى هذا القرار أصداء إيجابية في الأوساط الاقتصادية بل نوعاً من التأييد له، على اعتبار أن التسهيلات التي سيتم الحصول عليها مقابل التأمينات بالقطع الأجنبي ستوظف لأغراض تخدم تنشيط أي عمل تجاري أو اقتصادي في السوق، وذلك بحسب الباحث الاقتصادي إياد أنيس محمد و«الخازن في اتحاد المصدرين» بعد قراءة مفصلة للقرار المذكور، ولكنه أكد لصحيفة "الوطن" المحلية أن إلغاء القرار لم يكن عبثاً بل تقف وراءه أسباب ومعطيات توافرت لدى مصرف سورية المركزي دفعته إلى وقف العمل به.
وبالعودة إلى تفاصيل القرار بوقف منح تلك التسهيلات نجد أن المركزي اكتفى بتعليل أسباب الإلغاء عندما قال: «إنه لدى دراسة التفاصيل الأولية لقرار المنح لوحظ نمو ملحوظ في هذا النوع من التسهيلات وإن الأمر بحاجة إلى استكمال الدراسة الخاصة بها»، قد يتبادر إلى الأذهان سؤال عما إذا كان المركزي يتخذ أي إجراء أو قرار دون دراسة أو قراءة أولية للنتائج المحتملة؟.
ويعود محمد ليقول لـ«الوطن»: إن أحد الأسباب التي لا يمكن التثبت من صحتها وتبقى رهناً بمعرفة ودراية المركزي تقف خلف إلغاء القرار هو استخدام التسهيلات التي حصل عليها البعض في قنوات غير شرعية كالمضاربة على الدولار والليرة في آن معاً.
أي إن البعض ساهم بشكل أو بآخر في تحويل قرار السماح بمنح التسهيلات المذكورة إلى قناة شرعية لممارسة أعمال المضاربة، فعلى سبيل المثال عندما يقوم أحد المضاربين بوضع تأمينات نقدية لدى أحد المصارف المرخص لها التعامل بالقطع الأجنبي بقيمة 100 ألف دولار ويحصل مقابلها على تسهيلات ائتمانية بالليرة السورية بقيمة 20 مليون ليرة، فإنه يستخدم جزءاً من هذه التسهيلات أو جميعها بشراء الدولار بالقيمة ذاتها التي وضعها في المصرف ومن السوق السوداء، وبالتالي فإن ذلك سيشكل ضغطاً على الكتلة النقدية السورية التي يضخها المركزي في السوق، وإن ذلك الضغط سيولد زيادة في الطلب على الليرة وفي المقابل سيرتفع سعر صرف الدولار الذي سيستفيد منه الحاصل على التسهيلات فيقوم ببيع ما اشتراه من دولار بالتسهيلات التي حصل عليها بالسعر الجديد ليكون أرباحاً فائضة تذهب لجيبه، وهذا بالعرف المفهوم هو نوع من المضاربة على الليرة والدولار معاً، وبمعنى آخر استخدام أموال المصارف في المضاربة، وإذا كان قرار المركزي بإلغاء منح التسهيلات -والحديث لمحمد- تقف وراءه مثل هذه المعطيات فهو قراء صائب وإيجابي، لأن المضارب في هذه الحالة لا يستخدم أمواله في أعمال وممارسات المضاربة بل أموال المصارف، وبهذه الطريقة يحقق أرباحاً خيالية وفائضة في كل مرة يرتفع فيه سعر الصرف.
ولم يخف محمد أن تزامن صدور القرار مع سياسة الترشيد سيؤدي حتماً وخلال أيام قادمة إلى هبوط تدريجي بسعر الصرف، فقرار المركزي سيشكل ممانعة قوية ضد التأثيرات المحتملة لأعمال المضاربة وبالتالي لانتقال من هذه المرحلة إلى مرحلة الانخفاض التدريجي بسعر صرف الدولار إلى الأسعار التي يحددها المركزي لأن شعوراً سائداً لدى المضاربين مازال يقودهم إلى سعر صرف قد يصل إلى 300 ليرة للدولار وهذا شعور افتراضي لا أكثر.
ويختم إياد محمد قراءته لقرار المركزي بقوله: إن المركزي عندما سمح للمصارف بمنح التسهيلات بالليرة السورية مقابل تأمينات نقدية بالقطع الأجنبي الهدف من ذلك هو تنشيط العمل الاقتصادي والتجاري ولكنه جير لأغراض غير مخصصة ولغايات أخرى من قبل المضاربين، فالمركزي لا يمكن أن يغامر بقناة يمكن أن تستغل لمصلحة أعمال المضاربة على الليرة السورية.