أكد الدكتور والباحث الاقتصادي عابد فضلية أن العدو الذي يحارب سورية يحاربها في عدة جبهات منها السياسية والاجتماعية والثقافية وأهمها الجبهة الاقتصادية والتي يعمل جاهداً لتدمير الاقتصاد السوري وللأسف نحن السوريين لم نعر هذا التوجه الكثير من الاهتمام وهذا بالتأكيد مشكلة كبيرة, علماً أن الجبهة الاقتصادية لا تقل ضراوة عن الجبهة العسكرية.
حديثه هذا جاء خلال الجلسة الحوارية التي أقامتها أمس جمعية العلوم الاقتصادية بعنوان «التغير في أسعار الصرف وأثره على التضخم ومستوى المعيشة» والتي أكد فيها أنه لا يستقيم الحديث عن قيمة العملة الوطنية ما لم يقترن ببحث عوامل التضخم ومستوى الأسعار والقوة الشرائية للدخل وبالتالي فإن أهمية هذا الثالوث تكمن بأن متغيراته تؤثر في أركان الاقتصاد الوطني، ويهز تفاقمها مستوى معيشة المواطن وقوته اليومي.
وفي هذا المجال أكد فضلية أن أسباب ارتفاع أسعار القطع الأجنبي وانخفاض قيمة العملة الوطنية تكمن في عدة أمور في مقدمتها
1- انحسار أو قلة العرض من القطع الأجنبي إذ تراجعت حصيلة التصدير من القطع الأجنبي، نتيجة تدهور إنتاج النفط (إلى أقل من 20%)، وتراجع إنتاج وتصدير القطن والقمح والعديد من المحاصيل الاستراتيجية الأخرى، وتقلص وانكماش جميع أنواع الأنشطة الإنتاجية، بشكل عام! فقد انخفض حجم التجارة الخارجية مقارنةً مع أرقام ما قبل الأزمة إلى ما يعادل (10 إلى 15%) حتى نهاية (2012)، إلا أنه ومنذ أواسط ونهايات العام (2013) بدأ هذا المؤشر يتحسن، ليرتفع في أواسط عام (2014) كما هو مقدر إلى ما يعادل (20 إلى 30%) من حجم التجارة الخارجية لسنوات ما قبل الأزمة.
2- تراجع التحويلات الخارجية للسوريين في الخارج، وخاصة عبر الأقنية الرسمية، وعلى الأخص بسبب قرارات المصرف المركزي بتسليم الحوالات الصغيرة بالليرة السورية، وبالسعر الرسمي.
3- انعدام إيرادات القطع الأجنبي من قطاع السياحة والتقتير المقصود في عرض القطع الأجنبي لغايات التحوط والاحتكار والمضاربة في السوق السوداء ناهيك بالتوقف شبه التام للاستثمار الأجنبي المباشر وغير المباشر، وتأثير العقوبات والحصار الاقتصادي، بما في ذلك تجميد أرصدة حكومية وغير حكومية في المصارف الخارجية، وصعوبات تحويل الأموال أو التخوف من ذلك.
زيادة الطلب
وأشار فضلية إلى أنه في بدايات الأزمة تهافتت الفعاليات والعائلات على شراء القطع الأجنبي والتخلص من العملة الوطنية لحماية مدخراتهم ومكتنزاتهم، وهذا العامل موضوعي ومبرر من جهة، ونفسي غير مبرر من جهة أخرى، تُؤججه أو تُهدؤه بوصلة الأحداث الأمنية، وبطء أو تسارع تذبذب واتجاهات أسعار القطع في السوق السوداء.
ويأتي انخفاض قيمة الليرة مقابل الدولار إلى الربع، بسبب ارتفاع سعر الدولار بمعدل 4 أضعاف، من نحو (50 ل س) قبيل الأزمة إلى (200) ل س حالياً! عدا عن الهزات المفتعلة والارتفاعات السريعة أو الانخفاضات المؤقتة أو الضئيلة أو البطيئة، فقد حدث هذا الارتفاع بسعر القطع، بشكل مستمر ومتواتر وزاحف.
أهم الأسباب
عدا عن الأسباب الثلاث التي تم ذكرها أعلاه بالاضافة إلى الخوف والمؤثرات النفسية، وعدا عن الآثار المباشرة للأعمال العسكرية والأمنية، والحصار والعقوبات، فإن الأسباب المباشرة وغير المباشرة، الموضوعية وغير الموضوعية لارتفاع الأسعار، هي:
1-ارتفاع الأسعار الناتج عن ارتفاع تكاليف استيراد السلع الجاهزة ومستلزمات الإنتاج:
2-الأسباب الداخلية لارتفاع الأسعار في مقدمتها تقلص الأنشطة الإنتاجية، وانخفاض قيمة الليرة، انتشار ثقافة الغلاء، وسطوة احتكار القلة و رفع الحكومة لأسعار المازوت والبنزين وحوامل الطاقة الأخرى، وتبعات ذلك في رفع أسعار معظم السلع والخدمات، وعدا عن السعر: ارتفاع تكاليف الحصول على حوامل الطاقة، لعدم توافرها بالكميات اللازمة، وتراجع مستوى المعيشة .
إذا كان من الصعب اعتماد نسبة دقيقة للتضخم وارتفاع الأسعار، إلا أن معظم الدراسات والبيانات والإحصاءات، وحتى مدلولات التصريحات الرسمية، تشير إلى أن ارتفاعات الأسعار تراوحت بالمتوسط بين (2 إلى 5 أضعاف)، ونرى في ذلك الآتي:
1-هذا الارتفاع في الأسعار هو متوسط ارتفاعات مجموعة كبيرة من السلع، أي أن هناك سلعاً ارتفعت أسعارها بنسبة أكبر، بما فيها سلع ضرورية وغذائية، وبالفعل فقد ارتفعت أسعار بعض السلع والخدمات بنسبة أقل من (100%)، مثل (السيارات)، وبعضها الآخر بنسبة (100% إلى 200%)، مثل (البنزين، المازوت، بعض أنواع الخضر والفواكه..) وسلع أخرى (200% إلى 300%)، مثل (الحمص، العدس،..)، وحوالي (400%)، مثل (الغاز المنزلي)، وأكثر من (500%) لبعض المستلزمات العلفية وسلع مستلزمات البناء والاكساء، على سبيل المثال.
2-إذا اعتمدنا نسب التضخم الرسمية، وإذا علمنا أن نصف دخل الأسرة السورية -حسب مسوحات الإنفاق الأخيرة- يُنفق على شراء السلع الغذائية والضرورية، فهذا يعني أن الأسرة لم تعد قادرة على تأمين سوى ثلثي الكميات السابقة من السلع الغذائية والضرورية دون أن يبقى من دخلها أي شيء لشراء سلع أو خدمات أخرى...، فكيف تتدبر الأسرة السورية أمرها؟
في حال وجود مساعدات عائلية للأسرة (ذات الدخل المحدود أو المنخفض)، فهذه المساعدات ستكون على حساب القدرة الشرائية للجهة المانحة لهذه المساعدات (إن كانت منخفضة الدخل) أو على حساب مدخرات هذه الجهة المانحة إن كان لديها مكتنزات، وكذلك الأمر في حال اضطرت الأسرة محدودة الدخل للإنفاق من مدخراتها أو مكتنزاتها، حيث سيقضم التضخم شيئاً فشيئاً هذه المدخرات التي قد تكون ضرورية جداً لأغراض غير استهلاكية.
وتناول فضلية العديد من الموضوعات الأساسية المتعلقة بأسعار الصرف والتضخم منها تفاقم مشكلة البطالة وارتفاع نسبة الفقر, وتراجع مؤشر العدالة في توزيع الدخل القومي.
إضافة لمواضيع أخرى تتعلق بأسباب ارتفاع أسعار القطع الأجنبي وانخفاض قيمة العملة الوطنية.
الثورة: