تستخدم حرب النفط الحالية التي تسببت بانخفاض سعر برميل النفط إلى أكثر من النصف، كأبرز أشكال صراع القوى العالمية السياسي والاقتصادي،
وكما بات معروفاً أن دول الخليج وعلى رأسها السعودية وأمريكا تتزعم هذه الحرب من جهة، والمستهدف منها في الجهة المقابلة من الدول المنتجة للنفط إيران وروسيا بالدرجة الأولى وفنزويلا والجزائر والعراق.
تتزامن هذه الحرب النفطية العالمية مع توقف إنتاج النفط في سورية، فهل يعني هذا أننا خارج آثار تلك الحرب، وإذا تضررت الدول الحليفة لسورية هل ينعكس هذا عليها بشكل غير مباشر، وإذا انخفضت الأسعار العالمية إلى هذا الحد, لماذا ترتفع أسعار المحروقات في السوق المحلية؟
يؤكد خبير الطاقة د. زياد عربش وفقا لصحيفة "تشرين" أن محصلة انخفاض أسعار النفط على سورية إيجابية، رغم وجود بعض السلبيات، ويرى أن تأثيره يندرج ضمن أربعة محاور:
ـ انخفاض أسعار النفط سيؤثر في تحويلات العمالة السورية في الخارج ( رغم قلتها)
ـ ما زالت الدول الصديقة تؤكد أن التعاون الاقتصادي بينها وبين سورية لن يتأثر، لأنه يتعلق بقرارات استراتيجية، لكن ميزانيات تلك الدول تأثرت، تالياً ستتأثر مشاريعها داخل بلدانها وخارجها.
ـ رغم أن سورية لم تعد مصدرة للنفط الخام أو مشتقاته، لكنها تتأثر إيجابياً بانخفاض الأسعار، فسورية تستورد معظم حاجاتها من المشتقات النفطية من السوق الدولية، وتالياً انخفاض الأسعار سيخفض من قيمة فاتورة الاستيراد للنفط ومشتقاته.
قبل الأزمة كانت سورية تنتج نحو 390 ألف برميل نفط, أما ما ينتج الآن فلا يتجاوز 15 ألف برميل يومياً، وكانت كمية الاستهلاك تبلغ نحو 8 ملايين طن مازوت 4 ملايين طن منها كانت تنتج محلياً، ـ والأربعة الأخرى كان يتم استيرادها. أما بعد الأزمة فقد انخفض كثيراً استهلاك المشتقات النفطية، لأسباب كثيرة منها: تقلص استهلاك المهجرين، وكذلك اقتصار التنقلات على الحاجة فقط.
مستورداتنا الحالية من المازوت تقدر بنحو 2,5 ـ 3 ملايين طن، وبتقديرات د. عربش تصل قيمة الفاتورة النفطية المستوردة من المشتقات النفطية إلى 100 مليون دولار شهرياً، بينما وصلت قيمتها خلال 2009 ـ 2010 نحو 3 مليارات دولار.
ـ المحور الرابع من آثار انخفاض أسعار النفط على سورية هو انخفاض أسعار المواد الأولية المستوردة الداخلة في الصناعة والمرتبطة بالنفط كمكون رئيس، ما يخفض تكلفة المنتج النهائي.
عن سبب عدم انخفاض الأسعار محلياً قال د. عربش: إن السبب في رأيه يعود لاستيراد هذه المواد قبل انخفاض الأسعار العالمية، من جهة، ولصعوبة استيراد المشتقات النفطية، ودفع عمولات عالية كي تصل البواخر إلى سورية، الأمر الذي يرفع من تكلفة المواد المستوردة. ويعتقد أن الأسعار قد تنخفض محلياً في المستقبل إذا استقرت الأسعار العالمية النفطية على هذه الأسعار المنخفضة، وقد انخفضت أسعار البنزين بعد رفعها في السوق المحلية، ورغم أن النسبة محدودة لكن من الممكن أن تنخفض أكثر من ذلك عند استيراد كميات جديدة بالأسعار المنخفضة الجديدة.
يذكر أن سعر برميل النفط استقر منذ نحو السنوات الست الأخيرة على سعر يبلغ نحو 100 دولار للبرميل، لكن منذ حزيران الماضي بدأت أمريكا بالضغط على حلفائها لتخفيض أسعار النفط، واستخدامه سلاحاً اقتصادياً للضغط على إيران وروسيا في حرب صراع النفوذ الدائرة منذ سنوات، الأمر الذي يعرضهما لخسائر يومية كبيرة، فصادرات النفط تشكل نحو 50% من قيمة صادرات تلك الدول.
بدأت أسعار النفط بالانخفاض منذ نحو ستة أشهر حتى وصلت الآن إلى مادون 50 دولاراً للبرميل أي أكثر من 50% من قيمته.
وفي العودة إلى التاريخ نجد أنها ليست المرة الأولى التي يستخدم فيها النفط سلاحاً اقتصادياً في حرب سياسية وعسكرية، فقد خفضت الدول المتزعمة لإنتاج النفط أسعاره في منتصف الثمانينيات للتعجيل بانهيار الاتحاد السوفييتي سابقاً، كما وصل سعر البرميل إلى 6 دولارات فقط عام 1988 لمحاربة الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين.
يذكر أن بعض القراءات تتحدث عن خسائر يومية كبيرة تصاب بها الدول الخليجية المنتجة، لكن تشير التحليلات إلى أن هذه الدول تستطيع أن تتحمل تلك الخسائر سنوات عدة بسبب حجم إنتاجها الكبير من جهة، ووجود مبالغ كبيرة من الدولارات في صناديقها السيادية، ولاسيما أنها غير معنية بتوظيف المبالغ التي تخسرها يومياً في أي مشاريع تنموية لسكان تلك الدول.