تحت عنوان «الاستقراءات الاقتصادية والاجتماعية الكلية للمرحلة الراهنة وتداعيات الأزمة قدم الاتحاد العام لنقابات العمال قراءة في الوضع الاقتصادي الراهن مع رؤية للخروج من الأزمة وآثارها السلبية على مجمل النشاط من خلال اقتراحات ضمّنها في تقريره الاقتصادي للعام 2014.
ويرى في مجال التجارة الخارجية أن زيادة العجز في الميزان التجاري السوري وصل عام 2009 إلى 226 مليار ليرة نتيجة التحرر المتعجل وغير المنضبط للتجارتين الخارجية والداخلية، ما أدى إلى ارتفاع وتيرة الواردات إلى 17,8% مقارنة بالصادرات 11,4%، وقد استمر العجز واتخذ الميزان التجاري خلال الأزمة منحى آخر وهو التقلص نتيجة انخفاض حجم الصادرات وحجم الواردات إلى ما يعادل (10-15%) ليعود للتحسن عام 2013-2014 كما هو مقدر بما يعادل 20-30% من حجم التجارة لسنوات ما قبل الأزمة.
ونتيجة الحصار الاقتصادي والعقوبات الجائرة على سورية تراجعت الواردات من الدول العربية من 14,6% عام 2010 إلى 11% عام 2012 ومن دول الاتحاد الأوروبي من 24,6% إلى 16% خلال الفترة نفسها مع زيادة في المستوردات من البلدان الآسيوية ولاسيما الصين من 31,4% إلى 44% وكذلك الأمر بالنسبة للصادرات السورية.
تراجع رأس المال
كما يشير التقرير إلى تراجع حجم رأس المال المادي نتيجة التخريب والتدمير والسرقة والنهب والأعمال الإرهابية التي طالت المصانع والمعامل والمنشآت والأصول الإنتاجية الأخرى، وهروب أو خروج جزء لابأس به من رؤوس الأموال والاستثمارات الوطنية إلى الخارج، إضافة إلى تراجع الاستثمارات والإنفاق الاستثماري العام والخاص الوطني والأجنبي إلى أقل مستوى من الإنفاق اللازم لتعويض اهتلاك رأس المال الثابت، فأصبح الاستثمار الصافي في الاقتصاد سالباً، وفي المحصلة الإضرار بالبيئة الاستثمارية والأعمال وإضعاف القدرة الإنتاجية والتنموية للقطر على المدى القريب والمتوسط.
الخاص يودع 298 مليار ليرة في الخارج
وأوضح التقرير أن النشاط المصرفي تراجع إلى حدوده الدنيا، وتالياً تعطلت عمليات الإقراض والتسليف وضعف التسديد في المصارف الخاصة والعامة، ما دفع بالمصارف الخاصة إلى إيداع أموالها بالقطع الأجنبي لدى المصارف الخارجية، أي خروج كتل كبيرة من الأموال بالقطع الأجنبي من التداول وهو من العوامل التي أسهمت بزيادة الطلب على الدولار.
ويشير التقرير إلى أن المصارف الخاصة الـ/13/ لديها إيداعات في مصارف خارجية ما يعادل 298 مليار ليرة، وأن إجمالي موجودات هذه المصارف بلغ حتى حزيران 2014 حوالي 745 مليار ليرة نتيجة العقم التشغيلي وعدم التمويل للمشروعات الصغيرة والمتوسطة ما خلق حالة جمود غير صحيحة في النشاط المصرفي، ودفع بهذه المصارف لتشغيل 40% من قيمة موجوداتها في الخارج تلافياً للخسارة أو الإفلاس.
ويشير التقرير إلى صمت المصرف المركزي أو غيابه التام عن توضيح أو تفسير أو لجم هذه الظاهرة المصرفية في وقت حرج يحتاج فيه الاقتصاد إلى التدخل، إضافة إلى تراجع الاستثمارات نتيجة تعدد التشريعات وتعدد الجهات الناظمة والمشرفة، ما يسبب التداخل والتضارب في الصلاحيات ومزيداً من التعقيد الإداري، ونتيجة كثرة المشكلات التنظيمية والإجراءات الإدارية، ولاسيما في حالات تبعية ملكية الأراضي للجهات الحكومية وضعف الخدمات والبنية التحتية في المناطق الصناعية والفساد الإداري والبيروقراطية والروتين وتعقيد عمليات الترخيص وعدم نجاح النافذة الواحدة مع غياب بنك المعلومات والخدمات الإلكترونية وعدم وجود خرائط استثمارية موحدة وواضحة، وعدم لحظ تشريعات تشجع مشروعات استراتيجية كالطاقة واستخراج وتكرير النفط، وعدم تمييز مشاريع العناقيد الصناعية والمشاريع الزراعية والمشروعات المتوسطة والصغيرة وتوجيه رؤوس الأموال نحو مشاريع ذات قيمة مضافة.
تراجع معدل النمو
وذكر التقرير أنه على الرغم من التحسن الاقتصادي والإنتاجي منذ منتصف العام 2013 إلا أنه لا يمكن إغفال التوقف التام في معظم الأنشطة الاقتصادية وتقلص معظمها في القطاعين العام والخاص والمتمثل بتقلص وتراجع الكتلة السلعية وخاصة الصناعية التحويلية والإنتاج الزراعي والاستخراج النفطي وأنشطة البناء والحرف والسياحة وجمود الأنشطة المصرفية وتقلص النقل والشحن، ونتيجة ذلك تشوه هيكلي في بنية الاقتصاد السوري يصعب إصلاحه خلال سنوات قليلة وتراجع حجم المتاح من القطع الأجنبي وبالتالي انخفاض في قيمة العملة الوطنية وارتفاع أسعار معظم السلع الأساسية والاعتماد على الاستيراد ومزيد من الاستنزاف للقطع الأجنبي ونتيجة العقوبات والحصار الاقتصادي فقد تراجع معدل النمو الاقتصادي عام 2013 بمعدل ناقص 5 إلى 6%
كما يشير التقرير إلى حجم التضخم وارتفاع الأسعار وآثاره الاجتماعية والاقتصادية على مجمل النشاط الاقتصادي والخدمي كل ذلك أدى إلى ارتفاع الأسعار من 2 إلى 5 أضعاف وارتفاع نسبة البطالة إلى 40% من حجم قوة العمل البالغ تعدادها قبل الأزمة 5,481 ملايين وارتفاع في نسبة الفقر وانخفاض في القدرة الشرائية.
رؤية مستقبلية
وانطلاقاً من توجيهات رئيس الجمهورية للحكومة السورية بهدف الخروج من حالة المعالجات الجزئية والانفعالية لقضايا الاقتصاد والمجتمع يخلص التقرير إلى ضرورة صياغة رؤى اقتصادية اجتماعية مالية نقدية استثمارية تشريعية إدارية فنية على المستوى الكلي والجزئي والقطاعي والمؤسسي جديدة ومحدثة ومطورة ومرنة وديناميكية قائمة على استقراء سليم موضوعي للواقع وعلى استشراف منطقي للمستقبل القريب والمتوسط والبعيد، وبناء على الإمكانات المادية والبشرية المتاحة تؤدي إلى وضع استراتيجية وطنية شاملة توزع على خطط قطاعية وبرامج تنفيذية وزمنية واقعية قابلة للتنفيذ.
وذلك بمشاركة المجتمع الأهلي أفراداً ومؤسسات وبشفافية تراعي وتحترم عقل المواطن وتراعي جميع الأهداف الاستراتيجية والخطط الحكومية والجانب الاجتماعي لعملية التنمية ليلمس المواطن ذلك على أرض الواقع.
كما يمكن لتدوير عجلة الإنتاج في الصناعة التحويلية والزراعة وضع خطط مشتركة بين الحكومة والمعنيين والتنسيق مع القطاع الخاص وتمويلها على المدى العاجل والقصير والمتوسط في إطار استراتيجية طويلة الأمد كجزء من خطط إعادة الإعمار بالتركيز على الأنشطة المنتجة لبدائل الاستيراد وذات قيمة مضافة، إضافة إلى جملة من المقترحات فيما يتعلق بالتهرب الضريبي والجمركي والتضخم وغيرها من الآثار السلبية التي استفحلت خلال الأزمة وما قبلها وبما يعيد لعجلة الاقتصاد دورتها الإنتاجية وبما يقلل من نسبة البطالة والفقر التي ارتفعت كثيراً نتيجة الأزمة.