رأى الخبير الاقتصادي والمصرفي الدكتور عابد فضلية أن التوجيهات الحكومية الأخيرة لردع المخالفين من المستوردين للمشتقات النفطية قد جاءت متأخرة، بعد ظهور حالة من الفوضى في الأسعار والارتفاع الذي شهده سعر صرف الدولار، مبيناً أن المبتدئ في العمل الاقتصادي كان قادراً على توقع الحالة التي وصلنا إليها نتيجة السماح باستيراد المشتقات النفطية دون ضوابط تمنع سحب القطع الأجنبي لغايات الاستيراد ما أدى للضغط على الليرة السورية بشكل سلبي، وكذلك الأمر فيما يتعلق بعدم ضبط الكميات المستوردة وتوجيهها إلى الغايات التي على أساسها سمح بالاستيراد.
حيث بدأت الأصابع تشير إلى «حيتان» النفط الذين يبتلعون الدولار لتمويل مستورداتهم ما أدى إلى ارتفاع سعر صرفه أمام الليرة في السوق المحلية، وهذا ما لم يخفه رئيس الحكومة وائل الحلقي في توجيهه أمس الأول بضرورة ترشيد منح إجازات استيراد المشتقات النفطية للقطاع الخاص كونه شكل ضغطاً على سعر صرف الليرة السورية إضافة إلى توجيه الكميات المستوردة لمقاصدها للمنشآت الصناعية والزراعية وتوجيه العقوبات الرادعة بحق المخالفين تحت طائلة الحرمان من الاستيراد، مطالباً وزارة المالية بتحصيل ضريبي على مستوردي المشتقات النفطية من أجل تحقيق عدالة ضريبية حقيقية.
وهنا يرى الدكتور فضلية وفقا لما نشرته صحيفة "الوطن" أن التوجه لترشيد استيراد المشتقات النفطية سيكون عبارة عن طوق يضيق الخناق على تأمين مستلزمات الإنتاج، وعليه فإن الضبط يجب أن يكون في القنوات التي تتوجه بها هذه المشتقات النفطية بحيث يتم التحكم بها لتصب في مصلحة النشاطات الاقتصادية والصناعية الإنتاجية الرئيسية، ولا أن تذهب لغايات التدفئة وتعبئة السيارات السياحية من محطات الوقود التي تتلاعب بالأسعار، مشدداً على ضرورة دعم كل ما يساهم في تأمين مستلزمات الإنتاج لاستمرار العجلة الصناعية والاقتصادية الإنتاجية ومنها تأمين المشتقات النقطية لهذا المجال.
واعتبر فضلية أن الحديث عن أن ارتفاع سعر صرف الدولار الأخير سببه سحب التجار والصناعيين للقطع الأجنبي لغاية استيراد المشتقات النفطية هو أمر مبالغ فيه، كون أسباب ارتفاع الدولار متعددة ومتشابكة وقد يكون هذا السبب هو أحدها ولكنه ليس رئيسياً لوحده، فهناك الأسباب السياسية والعسكرية والحصار الاقتصادي والإرهاب في المنطقة، كما لا يمكن أن نغفل إخفاق تدخل مصرف سورية المركزي في كثير من المراحل، حتى أصبحت تصريحاته تأتي بنتائج عكسية، فكلما صرح المركزي بنية التدخل فإن سعر الصرف ينخفض قليلاً ليعود للارتفاع بعد عدة أيام، وهذا يعني إما أن سياسة المصرف المركزي خاطئة وإما أن هناك أسباباً أقوى من العوامل الاقتصادية، وأنا أرى - والكلام لفضلية - أن الحالتين موجودتان وبنسب متفاوتة بينها، وعليه فيجب الاستمرار بدعم عملية استيراد المشتقات النفطية بشرط أن تذهب كطاقة للنشاط الإنتاجي بشكل حصري.
وفيما يتعلق بفرض ضريبة على مستوردي المشتقات النفطية، يوضح فضلية أنه من الضروري أن تتم دراسة هذه الضريبة بشكل دقيق كي لا تكون مرتفعة فتنعكس سلباً على تكلفة الإنتاج والسلعة النهائية ما يؤدي لارتفاع الأسعار، وألا تكون منخفضة بحيث تفوت إيرادات على خزينة الدولة، وهو الحل الأمثل نظراً للواقع الذي نمر به، وأما الحديث عن رغبة مستوردي المشتقات النفطية في الحصول على إعفاءات ضريبية كونهم يؤمنون الوقود وأن الإعفاء الضريبي سيمثل عامل جذب لباقي المستوردين فهو أمر خاطئ ولا يساعد ويساهم في الفوضى أكثر.
وشدد فضلية في تصريحه لـ«الوطن» على أن الوضع الراهن للمشتقات النفطية والارتفاع في سعر صرف الدولار يحتاج إلى تضافر عدة حلول مع بعضها لتحسين الوضع بشكل جيد ولا يمكن لحل واحد أن يكون كافياً لتحسين الوضع، ويجب البدء بالضغط بكل الإمكانات المتاحة لاستعادة القطع الأجنبي الموجود في الخارج ثم أن يتم الاستيراد للحاجات الضرورية فقط، ويتم التأكد من ذهاب هذه المشتقات للأنشطة الضرورية التي تحرك الإنتاج، بحيث تلعب الجهات الحكومية دور الضابط للعملية من خلال وضع ضوابط موضوعية لا تعرقل العمل ولا تأخذ بالأمور إلى الفوضى.