يستحوذ الوضع الاقتصادي في سورية على الاهتمام البالغ من الباحثين والمحللين الاقتصاديين ولاسيما أننا على عتبة إعادة البناء و التنمية في ظل انفلات سعر الصرف المتصاعد رغم الجهود المبذولة لمنعه و في ظل عربدة تجار الأزمات وحيتان السوق الصغار و الكبار و تجاوزهم حدود اللعبة الاقتصادية، بعد أن قامت الحكومة بضخ ما يقارب الـ 115 مليار ليرة سورية إلى السوق كتعويض معيشي للعاملين في الدولة، و لئن كان هذا الاهتمام منطقيا إلا أن وسائل الإعلام تناقلت في الآونة الأخيرة رأيين مختلفين بشكل يعكس اختلافاً في وجهات نظر مؤسستين متكاملتين ومن الطبيعة نفسها وتعملان تحت مظلة واحدة،
فالرأي الأول يدعو إلى إطلاق حرية الاستيراد لضرورته ولاسيما أن ترشيد الاستيراد لم يظهرأثره الواضح على سعر الصرف و ما عاد المواطن يميز ما إذا كان الترشيد نتيجة عدم السيطرة الكاملة على سعر الصرف أو إنه سبب لانفلات هذا السعر وذلك بسبب ظروف آلية التعامل مع هذا الموضوع حالياً،
أما وجهة النظر الثانية فتدعو إلى ضرورة تقييد الاستيراد وحصره بالمواد الأولية ،ضرورة حتمية
إن المكتب الإقليمي لاتحاد المصدرين و المستوردين العرب- سورية وكما أورد في مقالة سابقة له و بعيداً عما يراه البعض ينظر لموضوع الاستيراد و ضرورته من زاوية مصلحة الوطن وليس من زاوية مصلحة المستورد (بكسر الراء)، بمعنى أن المكتب يرى أن معيار الاستيراد الأساسي يجب أن يكون في مدى أهميته لدوران العجلة الإنتاجية الصناعية و التنمية في الدولة، فالإنتاج يحتاج مستلزمات معظمها ذات مصدر خارجي سواء بالاستيراد أم بغيره وفي كلتا الحالين يتسرب القطع الأجنبي إلى الخارج محدثاً آثاره الضاغطة في الوطن، أما المخرج (بضم الميم وفتح الراء) الأساس من العملية فيذهب جزء منه إلى السوق المحلية والجزء الآخر إلى السوق الخارجية عن طريق التصدير وهنا بيت القصيد، و في الحالتين يكون البلد حاصلاً على قطع أجنبي جاء نتيجة التصدير أو نتيجة توفير السلعة المنتجة أي قيمة السلعة المفروض دفعها فيما لو تم استيرادها و نرى أن من المخرجات الأساسية لهذه العملية، عوائد الرسوم الجمركية و رسوم التخزين في الموانئ و المرافئ السورية و رسوم الاستيراد وشركات التأمين و شركات النقل والشحن إضافة إلى تشغيل أيد عاملة في مختلف المجالات و نقل التقانات الأجنبية و المعرفيات الملازمة لها وكذلك تفتيح الذهنيات المتعاملة مع موضوع كهذا.
تشديد العقوبات
ويرى المكتب من زاوية ثانية أن ذلك يجب أن يترافق بمجموعة خطوات متلازمة مع هذا المعيار وأهمها من وجهة نظر المكتب تكمن في تفعيل النظم و الأوامر الإدارية والتعليمات والقوانين المتعلقة بهذا الموضوع و تشديد العقوبات على المهربين و المضاربين على العملة السورية والفاسدين والمتواطئين، إذ كيف لنا أن نفسر أن 70% من الألبسة في السوق المحلية (وفق غرفة صناعة دمشق ذاتها) مهربة أي دخلت السوق المحلية بصورة غير شرعية ما يعني أن سياسة الترشيد لم تؤت ثمارها المتوقعة، أما المقترح الذي أورده البعض بالطلب من التجار بالإفصاح عن مصادر تمويلهم لمستورداتهم فإن المكتب يرى أن يصار إلى التفكير في إجراءات تسهم في استعادة الرساميل التي غادرت البلد بفعل الأزمة من خلال تسهيلات مقدمة إلى أصحابها ولا نعتقد أن الطلب إلى التجار بتصريح كهذا يؤدي الغرض المطلوب بل على العكس قد يحدث نفوراً منهم يدفعهم إلى الاحتفاظ برساميلهم في الخارج و إحجامهم عن العودة إلى الوطن وابتعادهم عن المشاركة في العملية الاقتصادية في البلد ونرى أنه من المفيد تشجيع هؤلاء على العودة إلى البلد و تشجيعهم على الاستيراد من رساميلهم الخاصة في الخارج على أن يصار إلى تسديد قيم مستورداتهم في سورية وفق الأصول المرعية.
أما فيما يتعلق بالمعيار الأساسي الذي تحدثنا عنه في البداية لاعتبار الاستيراد ضرورة و ليس كمالية فنرى أن ذلك يمكن أن يكون من قبل لجنة مشكلة لهذا الغرض مشتركة من غرفة الصناعة والتجارة والاقتصاد تتولى تبيان الرأي بالضرورة من عدمها وذلك وفق الخطط الإنتاجية والإسعافية في ظل إعادة البناء و التنمية.