تقدر نسبة الإصابات بنحو واحدة لكل 1000 من السكان، ويتم تسجيل ما بين 50 /60 حالة سرطانية جديدة كل يوم في سورية، حسب مدير الأمراض السارية والمزمنة جراح الأورام الدكتور أحمد ضميرية، مؤكداً أنه لا يمكن الاعتماد على الأرقام الاحصائية بعد عام 2011 لضعف التبليغ الوبائي بسبب ظروف النزوح الداخلي والهجرة القسرية خارج القطر، حيث يعد السرطان السبب الثالث للوفيات في سورية.
فكيف يتعايش مرضى السرطان مع مرضهم ؟ وما دور الطبيعة في انتشار هذا المرض؟ وهل وفرت وزارة الصحة الدواء لهم ؟ وكيف يعيشون تفاصيل الحياة مع هذا المرض؟
عشرات الحالات التي تمكنت من متابعتها سواء داخل المشافي أو خارجها تحكي حال المرضى وكيف يتم علاجهم وكيف ينتظرون دورهم ؟
نقلنا أوجاعهم إلى المشرفين على مديرية الأمراض السارية والمزمنة الخاصة بمرضهم العضال؟
وللطفولة سرطاناتها
وحيداً يجلس على مقعد في مشفى المواساة الطفل عبدو نضال أبو كرش ذو العشر سنوات, وقد تنقل بين مشفى الأطفال الذي تم فيه استئصال كتلة ورمية من دماغه ومشفى المواساة الذي يجري فيه 45 جلسة أشعة لكي يتم شفاؤه من ورم حرمه شغب طفولته، فوجع الرأس الذي كان يرافقه، تسبب بالكثير من الألم ليأتي من ريف معرة النعمان ويجري عمليتين مستعجلتين لتدهور وضعه الصحي وعلى حساب ذويه الخاص بكلفة (200) ألف ليرة، استدانوا المبلغ من الناس للحصول على أجرة العملية، حدثتنا خالته عن مشوار علاجي خرافي اتبعوه قبل اكتشاف الورم فالتنقل من طبيب عربي إلى شيخ روحاني كلفهم الكثير،وبعد أن اكتشفوا مرضه، خلال خمسة أشهر من العلاج تحسنت نفسيته ورجع إلى حياته الطبيعية.
وهنا يبين رئيس دائرة مكافحة السرطان الدكتور فراس الجرف أن نسبة 10% من الحالات السرطانية هي للأطفال تحت عمر 15 سنة أي من 5إلى 6 أطفال مصابين بالسرطان يومياً، كابيضاض الدم والورم الدماغي والجهاز العصبي المركزي واللمفومات، ولكن يجب أن يتعايش الطفل مع مرضه, حيث تؤكد الأستاذة في علم الاجتماع الدكتورة هناء البرقاوي أهمية التخفيف عن الطفل المصاب وعدم ذكر عبارات عن الموت لكيلا يخاف ويكتئب، بل يجب إسماعه قصصاً عن مرضى تم تعافيهم، ويجب أن يتقبل مرضه نسبة لأمراض أكثر فظاعة كبتر الأعضاء أو التشوه الخلقي أو غيرها، كي يستعيد الطفل نشاطه وتوازنه ويكون الأمل في الشفاء سيد الموقف.
أخشى النظر في المرآة
سرطان الثدي وباطن الرحم هما النوعان اللذان يشفيان ولكن ضريبتهما استئصال عضوين أنثويين لهما تأثير في الحياة الزوجية المهمة لكل امرأة، فتذبذب هذه العلاقة يجعل الشريكين في وضع نفسي غير مستقر، تحدثت بسمة عن معاناتها وكيف أن مرضها الذي لم تحسب له حساباً شوه حياتها بمشاعر خوف وعدم استقرار أمام حقيقة لم تكن تنتظرها وهي: أن زوجها الذي أحبها لم يعد يلتفت إليها كزوجة بل فقط كأم لأولاده، أما الزوج محمد رضوان من الميدان فكان مختلفاً في التعامل مع زوجته لمى نشواتي ووقف -كما قال- أمام حقيقته بأن طبعه عصبي ويجب أن يتغير وألا يظهر العطف، فوقف معها في مراحل استئصال الثدي والخضوع للجرعات والأشعة، وما زالت تتمتع بحق الحياة والتمسك بأنوثتها وترغب بعد الانتهاء من العلاج بالتفرغ لعمليات تجميل ثديها.
يعد سرطان الثدي والكولون وابيضاض الدم والدرق وباطن الرحم من أكثر أنواع السرطانات انتشاراً لدى النساء, حسب رئيس دائرة مكافحة السرطان الدكتور فراس الجرف، من جهتها بينت البرقاوي أهمية الاحتواء الأسري ولاسيما من الزوج فعليه أن يتعاضد معها ضد مرضها الذي يسرق منها شبابها لأن علاج السرطان يسبب الشعور بأعراض سن اليأس بسن مبكر، لذا عليه ألا يحرمها من لمسات حانية، بل يشجعها على الاعتراف بالمرض وتقبل شكلها الحالي، وترى أن شفاء النفس يخفف من الأوجاع .
يجمل لها الواقع لتهرب منه
هي مسافة لا بأس بها يقضيها أحمد حسن بصحبة أمه المريضة في طريق حمص كل أسبوع, لتحصل على جرعاتها للتعافي من سرطان المعدة ، لم يخبر والدته باسم مرضها بل قال لها إنه ورم صغير استأصلته، والجرعات التي تأخذها كل يوم ثلاثاء هي لغسل المعدة لا أكثر، كل تفاصيل المرض التي غيبت عن الأم كي لا تتأثرنفسياً وينعكس على جسدها سلباً، فبعد أن علم جيرانها, بحسب حسن, توافدوا إليها ليخبروها بخطر مرضها الذي يرافقه اقياء شديد نتيجة انسداد مجرى المعدة، لم تأخذ أجرة السفر وسعر الجرعات خلال أربعة شهور حيز اهتمام حسن بل كان جل ما يريده أن تعيش أمه بسلام ويرى أن الهم والغم موت بطيء، فكما بينت البرقاوي أنه لابد من أن يدرك المريض أن السرطان كأي مرض، ولكن الفرق أن السرطان ظاهر للمجتمع الذي ليس لديه الوعي الكافي للتعامل مع مرضاه، وقد بينت الدراسات أن سرطان الكولون هو السرطان الثاني في سورية عند الإناث والذكور، كما أضاف الجرف.
علاجهم مجاني وأدويتهم ...!
أكياس مملوءة بالدواء وزجاجات الجرعات وإبرٌ وأدوية لمرضى السرطان الذين سألونا: لماذا يغيب الدواء رغم توفره ولماذا المحسوبيات؟
14 ألف ليرة ثمن جرعة دواء أسبوعية يأخذها المريض أي راتب موظف خلال شهر بحسب أنور نصر زوج إحدى المريضات، فكيف سيتحمل ذوو المريض تكلفة العلاج ؟ عدا عن التحليل الهرموني «الواسمات الورمية» غير المتاح في مشفى المواساة أي عليها دفع 4 آلاف ليرة تقريباً تضاف لتكاليف يومية في العلاج.
رئيس شعبة الأدوية السرطانية الدكتورة الصيدلانية رغد القصير نفت وجود أي تقصير في تلبية حاجات المرضى للأدوية، وأكدت أنه يتم تأمين طلبات الأدوية لكل المشافي التابعة لوزارة الصحة والتي تخدم الأورام، وقالت: إن تجربة وزارة الصحة في الأورام جديدة في عام 2012 ، ثم استلمت الملف مديرية الأمراض السارية والمزمنة عام 2013، وبدأ التوجه نحو الدول الشرقية والصديقة لإمدادنا بالدواء، وبينت أن هناك مشافي لم تستطع أن تعتمد على نفسها في تأمين الدواء، لذا تخاطب المديرية لكي يتم تأمين الدواء لسبعين نوعاً من السرطانات، منها المعالجات الكيمائية والهرمونية والمستهدفة.
أهم أدوية السرطانات هي المعالجة الكيميائية، وتؤمن للمشافي عن طريق «فارمكس»، مضيفة أن أبواب المديرية مفتوحة لتلقي شكاوى المرضى، وهناك محاولات من الوزارة لفتح مراكز للأمراض السارية في جميع المحافظات.
يزورها مبكراً فتطرده
لم تتوقع بوليستان علوش من القامشلي ذات الثلاثين ربيعاً النتيجة التي وصلت إليها حيث كانت تتابع برنامجاً عن الفحص المبكر لمرض السرطان فتشجعت للتأكد بفحص نفسها وكانت الحقيقة أن السرطان يسري في جسدها الذي لم تظهر عليه أعراض المرض بعد، فالشابة الجميلة ذات الشعر الأشقر، تحدثت عن الأعباء التي يتحملها أهلها بمرضها، وقد شاهدت سعادة الأب بالحصول على دواء اشتراه للتو بنحو 8 آلاف ليرة. بعد أن حجز من الصباح الباكر دوراً لابنته التي تعاني بعد كل جرعة من أوجاع اختلاطاتها مبدية روحاً معنوية عالية في التحمل ورغبة في هزيمة المرض.
وإذا كانت تلك الندوة الإعلامية ساهمت بكشف مرض علوش، فإن هناك تقصيراً في هذا المجال. مدير الأمراض السارية والمزمنة الدكتور أحمد ضميرية أكد أنه لا يوجد حاليا عمل للكشف المبكر عن حالات السرطان، بسبب الحرب، وهذا يضع المسؤولية على عاتق الشخص في الخضوع لفحص وتحاليل كي تتم الوقاية منه أو علاجه المبكر، ما يزيد نسبة (البُقية) والتغلب على المرض والعيش بحياة طبيعية. وأكد ضميرية أن سرطان الرئة ثم الكولون هما أكثر السرطانات المسببة للوفيات في سورية.
عودوا إلى الغذاء الطبيعي
يمتنعون عن الطعام بعد كل جرعة يأخذونها، يفقدون طعم الأكل، تتشقق الشفاه نتيجة تغير في الهرمونات، كل هذه الأعراض وغيرها يتعايشون معها.
قد يكون أحد أسباب السرطان هو نوع الطعام، فقد بين الجرف أن من أسباب سرطان الكولون هو السمنة والعادات الغذائية السيئة، وقلة الرياضة والاستعداد الوراثي، ولابد من تسليط الضوء على المأكولات التي يجب أن يتناولها مريض السرطان والتي قد تساهم بنسبة 70 % في شفائه بحسب اختصاصية التغذية هاجر نوفل أسعد «دبلوم تغذية صحية وصحة غذائية» إذ عدّت مرض السرطان كمرض السكري والضغط، وبينت أنه يجب تنظيف الجسم كل يوم بكأس من عصير الجزر المفيد للكبد فقد يخلص الجسم من السرطان، لأن السرطان قد ينتقل إلى الكبد من أي منطقة مصابة، لذا لابد من تقوية الكبد لكي يقاوم المرض، وترى أن تناول ثلاث حبات من التمر وعشر حبات من الزبيب وفاكهة «القشطة» تعادل جرعة من الدواء التي تقتل خلايا السرطان، إضافة إلى الفستق الحلبي الذي يعد من أهم المكسرات، والابتعاد كليا عن الزيوت والسمن والمواد الدسمة، وبينت أن التخفيف من الأكل يريح الجسم، فشوربة الخضر من أهم الوجبات مع احتواء الطعام على خضر الفطر واليقطين والملفوف والأرضي شوكي، والقمح المسلوق والخس الذي يطرد المواد الكيميائية بعد أخذ الجرعة وسلطة مؤلفة من الذرة الصفراء وفول الصويا والزهرة المسلوقة والبندورة مع ملعقة من اللبن الرائب، وبعد تحسن حالة المريض 70 % يدخل اللحم الأبيض كصدور الدجاج، وملعقة من زيت الزيتون، أما العصائر الطبيعية فأكدت أسعد أهمية تناول عرق السوس والتمر الهندي والتوت الشامي الذي يفكك الخلايا السرطانية، أما الأعشاب فحبذت أسعد تناول توت سياج والهندباء والقريص كل يوم .
للجغرافيا تأثير فيه
ولمرض السرطان بيئة يعيش فيها، أي هناك علاقة وثيقة بين الجغرافيا وصحة الإنسان حيث ترتبط الجغرافيا الطبية بعلم الأوبئة الذي يهتم بتحديد مناطق ظهور وباء السرطان بأشكاله، فقد أكد الجرف أن السجل الوطني للسرطان كشف العوامل البيئية المرتبطة بتوزع الأمراض مثل مرض الملاريا الذي يحدث في المناطق المدارية، أما في المناطق المرتفعة عن سطح البحر فينتج تناقص في الضغط الجوي وتخلخل في الهواء وتناقص في الأوكسجين ويؤثر هذا في الرئتين والقلب والدورة الدموية، إضافة إلى أن نوع المهنة والعمل وما يتعرض له العاملون في صناعة البلاستيك والمعادن قد يؤهل للإصابة بسرطان الكبد ولا ننسى الصفات الوراثية مثل الإصابة بسرطان الثدي والمبيض والكولون.
إمكانات محددة في ظروف ضاغطة
تبقى الإمكانات المالية العقبة الرئيسة في سبيل تنفيذ البرامج الخاصة بمقاومة الأمراض السرطانية وتطوير الخدمات الصحية، بسبب الظروف الراهنة والعقوبات الاقتصادية التي فرضت على بلدنا، وقال ضميرية: نؤمن الأدوية من الدول الصديقة كخط أول والأدوية الهندية غالباً جيدة.
المصدر: صحيفة "تشرين" المحلية