مؤشر أسعار السلع الأساسية في تصاعد مستمر، وزادت مؤخراً بين 20 إلى 30 % بعد انخفاض سعر صرف الليرة مقابل الدولار في السوق السوداء بنسبة 14% من 210 إلى 245 ليرة، ورفع سعر مادتي المازوت والخبز مركزياً منتصف الشهر الأول من العام الجاري، وبالمحصلة من يدفع فاتورة زيادة الأسعار، ودون استثناء الشرائح الاجتماعية عامة، وأصحاب الدخول المحدودة والمتوسطة خاصة -الطبقتين السائدتين في المجتمع– الذين لم تعُد أجورهم سلاحاً فعّالًا أمام ذلك السوق الشرس الذي يحصد الأخضر واليابس، ويرهق البلاد والعباد، فعبثاً يحاول المواطن تخطّي عتبة الشهر دون استدانة، رغم تقشفه الذي يزداد يوماً بعد يوم، ولم يعّد باستطاعة الراتب تغطية أدنى مستويات المعيشة.
ودون أدنى شك، السبب الرئيسي كان وما زال خلال الأزمة يتجسّد في الغياب الكامل للرقابة على الأسواق المتزامن مع رفع تدريجي للدعم وحلول بعيدة عن عين الواقع، وبعيداً عن المجاملات نتحدّث بأكثر منطقية وواقعية فنقول: إن زيادة أربعة آلاف ليرة التي أضيقت كتعويض معيشي، كانت كما يرى الخبير الاقتصادي عابد فضلية، ستجدي نفعاً لو ضبطت الأسعار لأن ما تم من زيادات رسمية حكومية يعادل ما تمت إضافته إلى المعاشات، كنسبة وتناسب، إلا أن المتحكمين بالأسواق –ويقصد هنا التجار– كان لهم الكلمة الفصل، وقاموا -كما في كل مرة وقبل صدور مرسوم زيادة الأجور- بتحليق غير شرعي في أسعارهم، ومن هذا المنطلق أتى تأكيد فضلية لـ”البعث” ضرورة توفير المواد كشرط أساسي وضروري لتحقيق الهدف من رفع الأسعار ومن زيادة الأجور، على أن تترافق وباستمرار مع رقابة صارمة للأسواق على المعروض منها وتسعيرها، وإنزال أقصى العقوبات بحق المخالفين للقوانين.
وعليه، فإن 96% من الموظفين الحكوميين لا يغطون تكاليف المعيشة، وأكثر من 70% منهم (أي موظفي الدرجة الثانية والثالثة والرابعة ممن يتراوح دخلهم بين 15 إلى 20 ألف ليرة)، لا يستطيعون تغطية وجبتي طعام يومياً.
رؤية مغايرة
ومن المفترض، أنه كلما ارتفعت الأسعار يجب أن ترتفع الرواتب والأجور، لأنّ ارتفاع الأسعار يشكل كلفة زائدة عليها، ويشدّد الباحث الاقتصادي بكلية الاقتصاد في جامعة دمشق غسان إبراهيم، على ضرورة أن يغطى ارتفاع الأسعار التي كانت الحكومة رفعتها، وخاصة ما يخصّ المشتقات النفطية، من خلال زيادة الرواتب والأجور بالقيمة ذاتها، مشيراً إلى ضرورة معاملة الرواتب والأجور مثل أيّ سلعة أخرى، لا بل بأحسن منها، أي أن تُرفع الرواتب والأجور لتستطيع سدّ حاجة العامل وتمكّنه من تجديد قدرته على العمل، مع توفر العامل النفسي المريح، وجهة نظر مغايرة تماماً للدكتور فضلية ترى أن العاملين في الدولة لا تكفيهم رواتبهم، لكن العبء الواقع على خزينة الدولة كبير في ظل توقف جزء كبير من قطاع الإنتاج في سورية، ما شكل ضغطاً كبيراً على الاقتصاد مع ارتفاع الأسعار، حيث تتحمّل الدولة الكثير من الأعباء، ومن هذا المنطلق يبرر الخبير الاقتصادي الرفع التدريجي الذي تنتهجه الحكومة خلال العامين الماضيين.
وكانت الحكومة قد أصدرت حزمة قرارات يوم الأحد الموافق 18 كانون الثاني، وتضمّنت رفع أسعار السلع والمواد الأساسية (الخبز، والمازوت، والغاز)، بنسب تتراوح بين 30 و55%، فسعر لتر المازوت غير المتوفر أساساً بلغ 125 بدلاً من 80 ليرة، والغاز المنزلي 1500 (سعر الجرة) بدلاً من 1100 ليرة، والخبز من 25 ليصبح 35 ليرة.
ارتباط وثيق
وتخفيفاً لانعكاس تلك القرارات على العاملين بالدولة، أتبعته الدولة بمرسوم رئاسي يقضي بمنح العاملين المدنيين والعسكريين والمتقاعدين بعقودٍ سنوية، تعويضاً قدره 4 آلاف ليرة شهرياً، باسم تعويض معيشي.وحسب المرسوم، لا يخضع التعويض لأي حسميات، مهما كان نوعها، ويصرف مع الراتب أو الأجر أو المعاش، ويتم العمل بهذا المرسوم من أول الشهر الذي يلي تاريخ صدوره.
إلا أن موازنة الدولة تشمل موظفيها فقط، وهؤلاء نسبتهم في المجتمع قليلة، ويرى هنا إبراهيم أنّ انخفاض تكاليف الحياة المعيشية وتحسين مستوى الأجور والرواتب يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالاستقرار وتحريك عجلة قطاع الإنتاج من جديد، وخاصة القطاعات المنتجة في محيط دمشق وريف دمشق.
قوانين صارمة
بالمقابل، دفعت الأرباح الخيالية وفي ظل أزمة خانقة، بعض التجار إلى بيع ضمائرهم وبعضهم الآخر أجّر ضميره إلى إشعار آخر، جاعلين آذانهم “واحدة من عجين والثانية من طين”، وكلما سمعوا بارتفاع الأسعار وضعوا تسعيرة على مزاجهم وبما يتناسب مع مصالحهم؟!، في وقت، كان الجميع ينتظر قوانين صارمة تعاقب كل تاجر يقوم بتخزين البضائع واحتكارها من أجل بيعها بثمن مرتفع، مستغلاً فقدان تلك المادة من الأسواق وتعامله معاملة سارق.. وما على المواطن سوى الانتظار، والعيش بين مطرقة الأزمة وسندان أسعار ملتهبة، مع تساؤلات تراود تفكيره على الدوام لا تكاد تنتهي مفادها: هل سلسلة الغلاء مستمرّة؟ ولكن إلى أين؟ وإلى متى؟.