حققت المصارف السورية الخاصة أرباحاً خيالية قدّرت بعشرات المليارات من الليرات السورية، نتيجة زيادة الأرباح الناتجة عن بند إعادة تكوين القطع الأجنبي، إلا أنها وهمية غير حقيقية، لأن المكاسب الظاهرة في القوائم المالية الصادرة عن المصارف وتعدّها أرباحاً، غير ناتجة أصلاً عن ممارسة هذه البنوك نشاطاتها المستندة -حسبما أعطيت التراخيص له- إلى التسليفات، وهو ما أحجم عنه معظم البنوك بحجة المخاطرة وتزايد نسبة التعثر بالسداد.
ووفق البيانات النهائية عن عامي 2013 و2014 فإن جميع المصارف رابحة، بعد حجز الأرباح في مراكز القطع، وارتفاع الإيرادات التشغيلية في جزء من المصارف تم بعد إعادة تقييم المراكز البنيوية للقطع الأجنبي والأرباح غير المحققة إلا في سوق القطع بسبب ارتفاع أسعار العملات الأجنبية مقابل الليرة السورية خمسة أضعاف منذ بدء الأزمة السورية (50 ليرة للدولار الواحد قبل الأزمة إلى 290 ليرة خلال الشهر الجاري)؛ ولم يخفِ أحمد اللحام المدير العام لمصرف الشام الإسلامي أن النسبة الأكبر من هذه الأرباح ناجمة عن فروق القطع، مؤكداً وجود تحسّن ملموس في نشاط المصارف خلال العام الماضي، أدّى إلى تحقيق أرباح صافية حقيقية لاحقاً، وقال اللحام لـ”البعث”: إن أرباح بعض المصارف ليست كلها ناجمة عن فرق قيمة القطع، فهناك أرباح ناجمة عن التشغيل مثل الإقراض والفوائد والخدمات التي تؤديها المصارف، وإن كان تحسّن الليرة السورية سيؤثر في مركز القطع البنيوي الخاص بالمصارف، إلا أنّه من ناحية ثانية، يزيد من أرباح شركات أخرى، لا تعتمد على فروق القطع الأجنبي”.
الأموال الموظفة
بدوره، المصرفي عامر إلياس شهدا خالف بالرأي ما قاله اللحام، مشيراً إلى أن أرباح المصارف هي أرقام مضخمة، إذ نتجت عن ارتفاع سعر الصرف لليرة السورية وليست نتيجةً لاستثمار الأموال، فلا وجود للأموال الموظفة ولا للمشاريع الاستثمارية، وحتى قروض التجزئة متوقفة، شهدا أوضح أنه حتى تكون الأرباح حقيقية يجب أن تنتج عن التشغيل ودوران رأس المال، وأن رفع الفوائد على القروض الممنوحة سابقاً كان له تأثير في الأرباح، وتعتبر كذلك أرباحاً تضخمية وليست أرباحاً واقعية على اعتبار أن القرض الممنوح لا يعمل في الاستثمار الذي منح لأجله، فالمصانع والمشاريع السياحية التي تم تمويلها من المصارف أغلبها توقف، فالأرباح التي حققتها المصارف لا تشكل سوى 15% من الأموال الموظفة، يضاف إلى ذلك انخفاض العمولات بسبب انخفاض عمليات الاستيراد والتصدير والمناقصات، وهذا كله يعني أن كل الأرباح المحققة ناتجة عن تضخم أسعار الصرف ورفع سعر الفائدة وليست نتيجة عمل هذه المصارف وتشغيل أموالها.
الاعتراف بالخسائر
كما أن مجال الاستثمار بالأسهم وضمانات حقوق المساهمين في المصارف دفعا هيئة الأوراق المالية إلى مطالبة رؤساء مجالس إدارة المصارف بضرورة الاعتراف بالمكاسب والخسائر الناتجة عن إعادة تقييم البنود النقدية المعترف بها بالعملات الأجنبية ببند منفصل في قائمة الدخل الخاضع للضريبة، وجاء ذلك صراحة في تعميم الهيئة الذي أصدرته إلى الشركات المساهمة -وتزامن مع إصدار عدد منها للنتائج المالية الأولية عن عام 2014- على أن يتم فصل هذه الأرباح والمكاسب في مكونات حقوق الملكية في قائمة المركز المالي وقائمة التغيرات في حقوق الملكية عن الأرباح المحتجزة.
في جميع الحسابات وبناءً على النظريات الاقتصادية لا يمكن تجاهل هذه الأرباح حتى لو كانت غير حقيقية، لكن المهم بالموضوع أن مجلس النقد والتسليف أصدر تعليمات عالجت موضوع تبدل أسعار الصرف، إذ يجب أن تدخل هذه التغييرات في قائمة الدخل، وهي بالتالي إما أن توزع كأرباح أو تتحمّل كخسائر، فإن كانت أرباح المصارف غير محققة بسبب ارتفاع أسعار الصرف فإنها لا تدرج في قائمة الدخل، وتدخل في بند حقوق الملكية، ولدى توزيع الأرباح على المساهمين تستبعد منه الأرباح غير المحققة، ولكن هذا بطبيعة الحال لا يعني ألا تدرج الأرباح غير المحققة في النتائج الأولية للبنوك، إذ لا يمكن تجاهل هذه الأرباح حتى لو كانت غير حقيقية، لكن المهم بالموضوع أن مجلس النقد أقرّ استبعادها ومنع البنوك من توزيعها حتى لا تعطي بيانات مضللة.
بيئة استثمارية
ويبيّن الخبير الاقتصادي الدكتور ياسر المشعل أن كل ما سبق يؤكد صراحة عدم إمكانية توزيع الأرباح الناتجة عن فروق القطع، وهذا ما يطرح استفساراً حول كيفية الاستفادة من هذه الفروق؟!. ويرى المشعل أهمية إيجاد بيئة استثمارية بحيث تقوم البنوك بعمليات التمويل بالليرة السورية لمن يريد الاستثمار بسوق المال، وإقراض جهات حكومية أو من خلال مشاركتها لعملياته التجارية والإنتاجية.