عيناك لن تخطئهم، فهم باتوا أكثر وجوداً في الشارع، وفي الحافلات العامة يمارسون حياتهم اليومية، فهم لم يعودوا فئة منطوية، أشخاص فقدوا ساقاً أو يداً، ومنهم من بات الكرسي كل حياته، ومع ذلك فإنه لا يزال من المتعذر إيجاد أرقام أو معلومات إحصائية لمعرفة عددهم، أسباب إعاقتهم وأشكالها، والأهم معاناتهم وطبيعة احتياجاتهم.
وإذا كانت بعض المعلومات تقول إن نسبة الأشخاص المعوقين في سوريا بلغت قبل عام 2011 نحو 10% من السكان، فإن سنوات الحرب الدائرة منذ أربع سنوات أضافت أعداداً جديدة منهم لا تزال غير معروفة أو موثقة، وهذا باعتراف وزارة الشؤون الاجتماعية.
إلا أن رئيسة مجلس الإدارة في جمعية "آفاق الروح للنساء والأطفال المعاقين وأمهات المعاقين" في دمشق، مي أبو غزالة، تؤكد أن الإحصائية التي كانت موجودة قبل الأزمة لدى وزارة الشؤون الاجتماعية هي إحصائية بعيدة عن الواقع، ومن خلال عملنا المباشر مع فعاليات وجمعيات تعنى بالمعوقين فإن نسبة الأشخاص المعوقين قد تجاوزت عشرين في المائة وفقا لصحيفة "الأخبار" اللبنانية.
وأشارت إلى أنّ الجمعية تملك "برنامجاً تنموياً بدأنا به مع بداية الأزمة"، ويهدف إلى دمج الأطفال المعوقين في رياض الأطفال، إلا أن تمويل المشروع توقف في العام الثاني لانطلاقته وتخلت وزارة التربية عن دعمها له بعد تبنيها للمشروع، فيما لم تقدم لنا وزارة الشؤون الاجتماعية أي معونة مادية منذ سبع سنوات، علماً بأن مبلغ المعونة السنوي هو 25000 ليرة سورية فقط، فيما أكمل المتطوعون الذين قمنا بتدريبهم تنفيذ المشروع.
تعرضت مرح ذات العشرة أعوام لإصابة في رأسها قبل سنتين أفقدتها بصرها، وتحاول والدتها إعادتها إلى مقاعد الدراسة لكن دون جدوى، حيث رفضت مديرة المدرسة القريبة من منزل مرح تسجيلها مع بقية الأطفال لكون المدرسة هي "للأطفال العاديين"، ولا يوجد كادر تعليم مختص بتعليم المكفوفين.
تكتفي مرح بالمثابرة على رسم الأحرف الأبجدية التي كانت تعلمتها قبل فقدانها للبصر ريثما تجد من يلبّي احتياجاتها، تقول الوالدة: "قصدت عدداً من الجمعيات كي أسجّل مرح لتكمل تعليمها، لكن هذه الجمعيات، وعلى مدى عام، اكتفت بتقديم سلتين غذائيتين ولباس شتوي لمرة واحدة، وحالياً وعدتني إحدى الجمعيات بالحصول على عصا تساعد مرح أثناء تنقلها".
كلام الوالدة عن الجمعيات يثير شجوناً كثيرة تتعلق بأوضاع هذه الجمعيات والخدمات التي تقدمها، فوفق المعلومات الواردة من وزارة الشؤون الاجتماعية، فإن عدد الجمعيات يصل إلى نحو تسعين تقريباً، إلا أن عدداً كبيراً منها خسر مقاره الرئيسية نتيجة الأوضاع الأمنية، فيما أقلع البعض الآخر عن العمل الخيري والتنموي بسبب تراجع التبرعات.
وهذا ما تذهب إليه أبو غزالة في حديثها، إذ ترى "أن معظم من يعمل في مجال المعاقين يقوم بتوزيع المساعدات العينية البسيطة بعيداً عن البرامج التنموية التي يحتاج إليها المعاق، بغض النظر عن نوعية الإعاقة، وهذا أمر خطير لأننا بحاجة إلى تهيئة المعاق والمجتمع للانتقال بالمعاق من حالة العوز إلى حالة الإنتاج، وهذا لا يتم بالسلة الغذائية وحدها".
علي، ناشط ومتطوع في العمل الاغاثي في مدينة اللاذقية، يتحدث عن تجربته، فيقول: "أعمل منذ سنتين في مجال الاغاثة، لكني مؤخراً تركت هذا المجال بعد أن تنقلت في عملي بين عدد من الجمعيات، فقد كان ينبغي علينا إحصاء الأشخاص المعاقين ضمن نطاق عمل تلك الجمعيات، لكن مع الأسف كان مديرو الجمعيات يطلبون منا الاكتفاء بتسجيل الأشخاص الذين يحضرون إلى مقار الجمعية وعدم البحث عمن هم بحاجة".
ويضيف: "لم يكن هناك مراقبة من وزارة الشؤون لعمل هذه الجمعيات التي يقوم بعضها بسرقة جزء من الحصص الغذائية والمعونات المقدمة من المنظمات الإنسانية والمتبرعين، أو يتم تسجيل عائلات على أنها بحاجة إلى المعونة وتكون هذه الأسماء وهمية".