رغم ضرورتها الملحة تحديداً في السنة الرابعة من الأزمة السورية، وسط الخسائر الكبيرة التي مني بها الاقتصاد السوري، وخسائر التجار السوريين التي تدنت رتبهم التجارية تلقائياً بفعل الأزمة والحصار الاقتصادي، لاتزال المشاريع الصغيرة والمتوسطة في جدول إهمال الحكومة السورية.
وهنا ما يدعو للاستغراب فهل جدولت الحكومة السورية "المشاريع الصغيرة والمتوسطة" ضمن بند الاهمال عن قصد وسابق تصميم، أم أنها نتيجة تقصير كغيره من الاهمالات الغير مقصودة.
فمنذ سنوات تحاول عدد من الجهات الرسمية سحب بساط الإشراف على المشاريع الصغيرة والمتوسطة، لكن جهة واحدة من هذه الجهات لم تتجاوز الخط الأحمر الوحيد، والعائق أمام تأسيس مثل هذه المشاريع، أو تطوير القائم منها، أي تقديم التمويل اللازم، من خلال وضع رؤية واضحة، تتضمن تحديد العلاقة بين الجهات الممولة والمشرفة على هذه المشاريع، على حد سواء، وتقف جميع الجهات في دائرة واحدة لتضع المشاريع الصغيرة والمتوسطة تحت سيطرتها، دون أن تقدم خطة حقيقية لحل مشكلات هذه المشاريع، وتشجيع أصحابها ومالكيها، للعمل وفق ضوابط قانونية.
علماً أن الاقتصاد السوري بحاجة ملحة للاعتماد على هذه المشاريع، التي تسهم وفقاً لتقديرات سابقة بأكثر من ٤٠ بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي.
في هذه الظروف التي تطرح فيها الحكومة السورية عنوانها العريض إعادة الإعمار، فهل تنتبه لضرورة إعادة إعمار الاقتصاد من بوابة دعم حقيقي وفعلي للمشاريع الصغيرة والمتوسطة، ومساعدة أصحابها على تطويرها ودعمهم وقنونة عملهم، وتزويدهم بقروض تشغيلية بسيطة، خاصة أن الكثير من التجار السوريين المنكوبين سابقاً قرروا العودة الآن إلى سوق العمل السوري، ولو بمشاريع صغيرة وبرأسمال صغير كبداية.
فتلك المشاريع رغم صغرها ورأسمالها الضعيف إلا أنها تلعب دورا مهما في خلق فرص الاستخدام بما يخفف من حدة الفقر إذ إنها كثيرا ما توفر فرص عمل مقابل أجور معقولة للعمال من الأسر الفقيرة التي باتت تفتقد المصادر البديلة للدخل.
علاوة على دور المشاريع الصغيرة والمتوسطة في تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية، حيث تمثل جزءا كبيرا من قطاع الإنتاج في مختلف الدول سواء المتقدمة أو النامية، وتولي دولا عديدة اهتماما خاصا بها، نظراً لسهولة تأسيسها وعدم حاجتها إلى رأس مال كبير أو تكنولوجيا متطورة، إضافة إلى قدرتها على الإنتاج والعمل في مجالات التنمية الصناعية والاقتصادية المختلفة.
فهل من خبر مبشر يزف من خلال البنوك بإعادة تفعيل مثل هذه القروض بعد سنوات التعطيل، أو من خلال جهات رسمية تعلن دعمها لتلك المشاريع وأصحابها، في هذا الوقت الذي يحتاج لإعادة إعمار الاقتصاد أكثر من إعمار أي شيء آخر، وربما تكون المشاريع الصغيرة والمتوسطة أفضل رهان للاقتصاد السوري في المرحلة القادمة، لينهض من جديد، ويؤسس على أرضية سليمة.